مقالات سياسية

الحزب الشيوعي السوداني وإصلاح الخطأ (3-3)

د. أحمد عباس أبو شام

دأب السكرتير السياسي للحزب الشيوعي السوداني، وبصورة راتبة في مؤتمرات الحزب الصحافية الهجوم على الرأسمالية والإمبريالية العالمية بصورة تذكرنا بالأدب السياسي في فترة الستينات والسبعينات من القرن المنصرم، عندما كانت استراتيجية  الحزب الشيوعي تدعي أن الصراع العالمي هو بين معسكرين: المعسكر الاشتراكي وحركات التحرر الوطني العالمية والأحزاب الشيوعية والعمالية في الدول الرأسمالية من جهة ضد الدول الرأسمالية والإمبريالية من جهة أخرى، إلا أن هذا الفهم قد تجاوزه الزمن وتجاوزته حقائق العصر والتطورات الهائلة التي حدثت على مستوى الوطن والإقليم والعالم. فلم يعد هناك معسكر اشتراكي حليف، فلقد انهارت كل أنظمة الحكم في أوروبا الشرقية وتفككت دولها بفعل التناقضات الداخلية والأزمات الهيكلية  وانعدام الديموقراطية وتفشي الفساد.
الدولة الوحيدة ذات النظام الشيوعي هي الصين أصبحت تنتهج نظام رأسمالية الدولة، وتقوم بأبشع أنواع الاستغلال الاقتصادي، وتدمير البيئة لدول العالم الثالث بصورة أكثر فظاعة وإجراما من الاستعمار التقليدي، كما انهزمت أنظمة حركات التحرر الوطني العربية والإفريقية وانحسر دور الديموقراطيين الثوريين في المنطقة، وبفضل انتصار الثورة العلمية التكنولوجية حدثت تطورات عاصفة في تركيبة الطبقة العاملة، ونتيجة لتطور وسائل الانتاج تضاءل وتراجع دور البروليتاريا التقليدي وصاحب ذلك نموا مضطردا للطبقة الوسطى واتسع تأثيرها في الحياة العامة والسياسية، كما تعاظم دور الدول في توفير وتوسيع الضمانات الاجتماعية وحماية الحقوق.
شهدت السنوات الأخيرة تدفق الملايين من شباب وشابات العالم الثالث إلى الدول الرأسمالية والذين أصبحوا يستجيرون بدول الاستكبار، حيث تستضيف هذه الدول أكثر من ثلاثة ملايين سوداني ومن بينهم مئات الشيوعيين، وفرت لهم هذه الدول الاقامة والاستقرار والرعاية والعيش الكريم. كما لا يفوتنا أن نذكر قادة الحزب الشيوعي بأن هذه الدول سهلت واستضافت جل اجتماعات ومؤتمرات أحزاب المعارضة السودانية، كما فتحت سفاراتها في الخرطوم أبوابها لوفود الأحزاب السودانية، وساهمت في قيام بعض منظمات المجتمع المدني، ومنظمات الإغاثة. ولا يفوتنا إلا أن نشيد ونشكر دول الاتحاد الأوروبي ودول الترويكا على وقوفهم ودعمهم السياسي والمادي والمعنوي للثورة السودانية، ونتطلع للمزيد من دعمهم في رفع العقوبات عن السودان، وتخفيض الديون وإلغاء أعبائها، ومنح القروض الميسرة، وذلك للمساعدة في رفع المعاناة عن كاهل شعبنا ومساعدته على النهوض في فترة الانتقال وما بعدها.
إذا كانت استراتيجية الحزب الشيوعي في مبتغاها هي هزيمة الامبريالية ودحر الرأسمالية العالمية، فإننا كشعب، وفي ظروف التخلف والفقر والمعاناة من ويلات الحروب والانهيار الشامل الذي حاق بوطننا لا نريد أن نزايد ونكون كالعنز التي تناطح الصخر، لأن السياسة يجب أن تتسم بالواقعية والموضوعية وأن تعلو مصلحة الوطن على أيديولوجية الحزب.
لقد اختار الشيوعيون السودانيون الإبقاء على حزبهم بشكله الكلاسيكي اسما ومنهجا وتوجها أيديولوجيا، وهذا خيارهم الديموقراطي الذي لا نهدف إلى منازلتهم فيه، بل نحترم خيارهم هذا وإن لم نكن على توافق معهم، ويحق للشيوعيين السودانيين أن يفتخروا بالمآثر التي جسدوها على أرض السودان، بالرغم من التضحيات الجسام والجراحات والقمع وقيود العمل السري الطويلة. ومكابر من ينكر تلك التضحيات أو ينكر دور الشيوعيين السودانيين الايجابي في الحياة السياسية والنقابية والذي أكسبهم ثقة واحترام وتقدير شعبهم، إلا أن عليهم أن يستيقظوا على حقائق العصر والمستجدات التي طرأت على الخارطة السياسية السودانية، وذلك لتصحيح المسار حتى يتمكنوا من لعب دورهم المناط بهم في الحياة السياسية وفي رسم ملامح مستقبل السودان.
لا يساورني شك في أن الشيوعيين مدركين للقضايا التي ستواجه السودان في فترة الانتقال، وهي قضايا شائكة ومعقدة، الصراع حولها بين القوى التي تتطلع إلى التغيير، والقوى المحافظة على القديم ستكون أشد ضراوة وأكثر حدة، وسوف يحتدم الصراع عند صناعة الدستور وصياغته، وفي مقدمة هذه القضايا: مسألة فصل الدين عن الدولة، وتأسيس الدولة المدنية، والصراع حول النظام البرلماني والرئاسي، وقضايا التطور الاقتصادي، وتفعيل دور القطاع العام والتعاوني وتأسيس دولة الرعاية الاجتماعية. كل هذه القضايا تستوجب توحيد وتمتين تحالف القوى الديموقراطية، مع توسيع الممارسة الديموقراطية وتعضيدها، مع احترام التباين والاختلاف داخل هذا التحالف.

د. أحمد عباس أبو شام
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. هذه مشكلة العقل الذي لا يواكب التطور، وهو خطأ يقع فيه كثير من الناس، وقد وقع فيه دعاة الإسلام، حينما ظلوا يرددون نفس كلام الفقهاء في القرون السابقة، وقد حكى القرآن الكريم عن حال هؤلاء وأولئك ، وكل من يتعلق بالماضي، دون فهم وإدراك للواقع، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ۗ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)…الإنسان الحر في التفكير سواء كان متدينا، أوينتهج نهج علماني، يجب أن يكون عقله منفتح على الحقيقة. ولا يكون أسير إفكار أو فهم معين قد تجاوزه الزمن..

  2. لا شك انها مناقشة جيدة … وتحتاج فعلا لتعميق النقاش فيها ….
    اولا قصة تمسك الحزب الشيوعي بالنهج القديم … واللي لخصها الكاتب في الوقوف ضد الرأسمالية العالمية .. واعتبرها في نفس الوقت موضة قديمة قد عفى عليها الزمن يبدو انه لم يعد متابعا للتطورات التي حدثت وتحدث الآن في العالم . فالوقوف في وجه التوجهات الرأسمالية العالمية اصبح الآن ولأول مرة يكون موضوع النقاش الرئيس في امريكا . تابع فقط المناقشات في مناظرات الحزب الديمقراطي لتعرف ان الكلام على الراسمالية والاشتراكية اصبح موضوعا ثابتا في نقاشاتهم وكذلك هو موضوع ثابت في نقاشات الحزب الجمهوري ( بالهجوم عليه ) … اما اوربا فأنظر الى توجهات حزب العمال وحزب فرنسا الأبية والأحزاب الحاكمة في البرتغال والتحالف الحاكم في اسبانيا …الخ … اصحى يا بريش … وما تخم الناس بمعلومات هلامية .
    اما الكلام عن نمو الطبقة الوسطى فهذا جهل شديد بمجريات الأمور في امريكا واوربا . فحتى الصحف اليمينية باتت تتكلم عن طبقة 1% وان الطيقة الوسطى في إنحسار مستمر في اوربا … إن لم تكن قد إضمحلت تماما …
    ثالثا تريد ان توهم الناس بأن الحزب الشيوعي بس قاعد يناطح في الرأسمالية العالمية بالشعارات البراقة … وهو كلام ما صحيح .. فمن ينكر دور الحزب الشيوعي في إنتفاضة ديسمبر ولجان الأحياء التي كونها يكون مكابر ( زي ما ذكرت انت ولكن ليس في الماضي بل في الحاضر ) … وثانيا يتكلم الحزب الشيوعي عن الرأسمالية الطفيلية في السودان . وهي راسمالية غير منتجة وتتغذى على الفساد ولا اظننا اليوم بعد إعترافات البشير بحاجة للتدليل على ذلك . يبقى ان اردت فعلا النقد القوي للحزب ان تنتقد مفهوم الرأسمالية الطفيلية هذا …
    اما فهمك ” البلدي ” للديمقراطية غريب . فأنت تريد من الشيوعيين طالما انهم موجودون تحت حماية وعطف الدول الراسمالية تطلب منهم الكف عن نقدها .. ونفترض جدلا بأن على السودانيين اصحاب اليد السفلى ان يسكتوا عن نقد الرأسمالية فهل هذا الكلام سوف يمنع الهجوم القوي والعنيف هذه الأيام لها مواطنيها انفسهم ؟ فالرسمالية ليست طائفة سياسية قابلة للأجاويد بل هي نظام سياسي متكامل . ولا يكتفي بوجوده فقط ضمن حدوده الجغرافية بل هو طبيعيا يمتد الى كل دول العالم . فعملة الدولار يتعامل بها راعي النم في جبال الهملايا وجبل مره … وهو لم يختار ان يتعامل بها بل هي مفروضة عليه من نظام يمسك بتلابيب الإقتصاد العالمي . فإذا راى الاحتياطي الفيدرالي خفض سعر الدولار فسوف يتأثر بذلك هذا الراعي … من هنا اقول بأن لنا جميعا ( وليس الحزب الشيوعي وحده ) التفكر وانتقاد هذا النظام الذي نحن تحت رحمته شئنا ام ابينا …
    الغريب في الأمر انك تتكلم عن تفعيل دور الدولة ودعم القطاع التعاوني والرعاية الإجتماعية … وكأنك لا تدري ان هذه الأعمال كانت مكتسبات للحركات الإجتماعية في الدول الأوربية جاهدت ولا زالت تجاهد الدولة الرأسمالية في كسر شوكتها والانتهاء من دورها … هذا توجه مضاد للتوجه الرأسمالي تقوله انت بنفسك … اما اذا قاله الحزب الشيوعي ولكن بطريقة اخرى فسيصبح عندك ” موضة قديمة” … لا ادري يا دكتور … لكن بعض الأحيان يخيل لي انك ما فاهم حتى الكلام البتكتب فيهو ماشي على وين…

  3. اانتت يا دكتور ما لقيتت موضوع تكتب فيهو غير (الحزب الشيوعي السوداني وغربته؟) . الحراك السياسي هذه الايام ضخم جدا ومع ذلك فمنذ الازل وحتتي الان (فان االثروة تاتي منن استغلاال االقوة العضلية والذهنية للمجموعات البشرية واالموارد ومنذ الازل كان للذي يستطيع ستغلاال تلك الموارد البشرية والطبيعية هو الاكثر حظاا في الثراء والزعامة والريادة وفرصة انشاء وحدة سياسية تكفل له السيطرة علي المجتمع م خلال سلطة مسيطرة ) هل تعتقد يا دكتور ا ن الصراع علي الثروات (الاقتصاد جاء من فراغ ؟ فاذا سقطت روسيا او كوبا فان النظرية لا زالت صحيحة .اصحي ياخينا !!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..