أخبار السودان

والد الشهيد عثمان محمد قسم السيد: يحكي بدموع الدم عن بسالة إبنه

الراكوبة: عبد الوهاب همت

مجرد إتصالي به أبدى إستعداده التام للحديث عن ذكرياته مع إبنه الشهيد عثمان دونما تردد، شعرت أنه أمر مؤلم ان يواصل الحديث، لكنه كان جسوراً متماسكاً وواصل سرده رغم الذكريات المؤلمة التي كان يسردها.

وكان لا بد للشهيد أن يسير على خطى والده والذي حكى عن بطولات وبسالة وإنسانية إبنه، فالمجد لشهداء الحرية والديمقراطية والسيادة الوطنية.

كل الشهداء يمثلون لأسرهم أشياء كثيرة عثمان انضرب بالرصاص أكثر من مرة وكان مناضل بحق وحقيقة كذلك كان من المفترض أن يستشهد مع دكتور أبو بكرعبدالحميد وقبلها وبعدها تم اعتقاله عدة مرات وتعرض لتعذيب شديد وآخر اعتقال له استمر قرابة الشهر وعثمان كانت لديه معزة خاصة وكذلك مكانة في قلوب كل أفراد الأسرة زائد أصدقائه ومعارفه والأسر الممتدة.

عثمان كان مهذباً وراقي ولم نعاني في تربيته أبداً.. وكان بالنسبة لنا كأسرة يشكل العمود الفقري.. عثمان درس كل مراحله الدراسية في أربجي وتم قبوله في جامعة أم درمان الإسلامية وقضى فيها عام دراسي واحد وكان لديه أختين تدرسان أمامه وعندما شعرت بضيق ذات اليد قلت له يا عثمان أنا لن أستطيع أن أقوم برعاية ثلاثة أنت وأختيك الاثنتين وطلبت منه أن يساعدني في الأمر،و مباشرة اختار أن يعمل ويدرس واشتغل جرسون في مطعم بالليل واستطاع بعد معاناة شديدة جداً أن يكمل العام الدراسي الأول وبعدها اضطر إلى تجميد السنة الدراسية وبعد ذلك حول إلى جامعة الخرطوم ليدرس دبلوم المحاسبة ولم يستطيع المواصلة نتيجة لأحداث الثورة التي بدأت لكنه كان قد استلم بطاقته الجامعية لكنه لم يجد فرصة ليجلس ويدرس.

وعثمان كان شاب عصامي جداً اعتمد على نفسه وكانت عنده مبادرات كتيرة، كان يصرف من راتبه القليل على المحتاجين من أصدقائه وأقاربه ومعارفه وأهله وكان مشاركاً في كل المبادرات الإنسانية..

سألت صديقه غازي بعد وفاة عثمان إذا كان هناك أي شخص لديه دين على الشهيد عثمان فحلف أنه كان يديّن الناس لكنه لم يكن يستدين منهم وكان يصرف على أمه ويشتري لها دواء السكر بشكل منتظم، وعثمان رغم أنني والده لكنه كان صاحب فضل عليّ وأنا بيني وبينه صداقة وعلاقة ليست كمثل العلاقات العادية ما بين الأب وابنه لكنها كانت اعمق من ذلك بكثير.

عثمان ساعدني كثيراً طوال حياته القصيرة وما تتخيل أي إنسان يدخل إلى الحي الذي نسكن فيه إلا ويقوم عثمان بالاحتفاء به ويستقبله وكذلك كان الناس يستقبلون عثمان وهو صاحب جمائل كثيرة جداً عليّ أنا بالذات.. يعني هو ابني لكنني كنت أراه كأنه والدي لأنه كان يبرني بكل شيء وأي مبادرة كانت تنطلق في مدينة أربجي كان عثمان يتصدرها ولم أراه متخاذلاً في أي يوم من الأيام ولم يكن هناك أي عمل إلا وشارك فيه معي أو مع زملائه بل وكان يتقدمهم مبادراً.. ولم يكن يهتم بأمر نفسه ووظف نفسه لخدمة الآخرين.. لذا أنا قررت إذا كان ذلك ممكناً أن أفدي نفسي من أجل عثمان.

بالنسبة للمشوار الذي قطعته سيراً على الأقدام من أربجي إلى الخرطوم حقيقة أنا فكرت أن أعمل حاجة لإبني عثمان وقررت أن أذهب إلى الخرطوم (كدّاري )عسى ولعل أن يرى عثمان من داخل قبره هذا المنظر فربما سخّر الله له ذلك.

وفي اليوم الذي قررت فيه أن أتحرك عقب صلاة الصبح ذهبت إلى المقابر وقمت بزيارة قبر إبني الشهيد عثمان وكذلك قبر الشهيد صلاح الطيب سيف الدولة علي طه وبعد أن قرأت الفاتحة على قبريهما ورجعت البيت، عثمان لديه شقيقة كبرى كانت تدرس في جامعة الخرطوم فقالت أنها حلمت بأن عثمان كان داخل الغرفة وإلى جواره مصحفين، هذا الأمر أدخل في نفسي إحساساً غريباً عندما شاهدت المنظر انشرح صدري وربنا يتقبل هذا العمل.

ذهبت المشوار  سيراً على الاقدام مدينة أربجي  وكنت أنوي أن أصل حتى الخرطوم وذلك في مناسبة يو التوقيع على الاتفاقية  يوم 17 اغسطس، ووصلت إلى قرية الحليلة بعد الكاملين وفي الطريق مرّ عليّ عدد من الناس وأخذوا صور كثيرة منّي وعندما وصلت إلى مدينة الكاملين اتصلت عليّ مجموعة من لجان شباب المقاومة في الكاملين وأخبروني أنهم قادمون من أجلي لتحيّتي.. فحضروا وجهزوا لي كمية من العصائر والأكل وأنا رفضت أن أرجع لهم هذه الأشياء لأنني كنت قد قبلتها بأنها هدية منهم وعندما وصلت إلى نقطة محددة شعرت بأن الزمن ما عاد في صالحي ولن أستطيع المواصلة، في هذه الأثناء مرت عليّ عربية بوكس وبعدها كانت تعطلت وعندما شاهدوني أرتدي صورة إبني أو أعلقها على صدري وظهري سألوني فوضحت لهم السبب وماذااريد ان اعمل ؟ فقام سوّاق العربية وضحك عندما نظر إليّ وشاهد صورة إبني الشهيد على صدري وظهري لأنه كان على قناعة بأن الوقت لن يسمح لي بأن أصل إلى الخرطوم وأنا قبل أن أتحرك كنت قد أخبرت زوجتي الصباح وكذلك أختي الكبرى في آخر لحظة والتزمت لهم أنني متى ما تعبت سأضطر أن أركب سيارة لكني أفضل أن أذهب بأرجلي أنا مشيت أكتر من 12 ساعة اتحركت حوالي الساعة السابعة صباحاً ووصلت إلى المكان الذي قلته لك في تمام الثامنة مساءً صليت العشاء وكان في تلك اللحظة كانت قد خلصت الكهرباء من تلفوني وشحنت تلفون من العربة التي ركبتها ونزلت في حي الأزهري في الخرطوم، وقد وصلت إلى حي السلمة وهناك اتصل عليّ الشباب الثوريين أصدقاء إبني الشهيد عثمان ووجدت أربعة من أصدقائه كانوا ينتظروني في صينية السلمة بعد ذلك انتشر الخبر في النت أن والد الشهيد تحرك سيراً على الأقدام وحقيقة الأمر أنني عندما قررت أن أركب العربة التي كانت متعطلة وتم إصلاحها كانت قدماي قد تعبتا  وتورمتا من المشي واستمر ذلك التعب إلى فترة ولكن كل ذلك زال تماماً عندما شاهدت الاستقبال الحار والترحاب بي عند وصولي وذهبت إلى مكان الاحتفال في حوالي الساعة الرابعة لأنني تأخرت بعض الشيء.

أذكر أن اثنين من أصدقاء الشهيد عثمان كانوا داخل الاعتصام وهم من كانوا يهتفون وهم من اتصلوا على عدد كبير من الناس اتصلوا بمجموعة كذلك من الحرية والتغيير لكنهم لم يحضروا لتشييع الجثمان ولا حتى للتعزية ولم يسألوا عن إبني الشهيد، لكن عندما علموا بوصولي اتصل عليّ أحدهم وقالوا لي نحن جهزنا لك بطاقة وبعدها قضيت ليلتي تلك مع خالة الشهيد التي تسكن حي الأزهري جوار السلمة وأتذكر أنني نمت نوماً متقطعاً بعد ذلك اتصل عليّ شخص من تجمع المهنيين والتزم لي بأنه جهز لي بطاقة لأدخل قاعة الصداقة لحضور مراسم التوقيع وبالفعل أخذت فاطمة بنتي البطاقة واتصلت عليّ وهي كانت تحب عثمان حباً شديداً، فعثمان لديه من الأخوات نجوى وسارة ومريم وفاطمة وإخوته أبو بكر وعمر وعلي وكان يحب إخوته ويلعب معهم حتى يشارك في لعب البنات وذلك يؤكد شخصيته العظيمة حيث أنه لم يكن يفرق بين شخص وشخص وكنت أشاهد المودة والحب بأم أعيني مع أمه بالذات وكان يحب كل أفراد أسرته حباً شديداً وأستطيع أنه لا يوجد شخص يحب أمه وكذلك تحبه أمه كما بين عثمان ووالدته وكان لعثمان علاقات مميزة بأهله وجيرانه وهو كان يكسب ود الناس بسرعة غريبة جداً جداً وعثمان لم يكن بالشخص السهل أبداً أخته الآن تعمل معلمة في المعاهد البريطانية إكراماً لعثمان قام أحد الأشخاص بتشغيلها في هذه الوظيفة وأتذكر كان لعثمان حقيبة معلقة في ظهره كان يحب تلك الحقيبة حباً شديداً واتذكر أن جزءاً منها ضاع وكانت تمثل حياته وأتذكر كذلك أنه كان يصطاد البمبان الذي يلقى عليهم عن طريق هذه الحقيبة.

هناك شخص أمريكي متزوج من خالة عثمان وعندما ذهب عثمان إلى زيارتهم في مرة من المرات أخرج عثمان من حقيبته حذاءه الذي يستخدمه ودخل به إلى الحمام.. هذا المشهد أثار إعجاب هذا الأمريكي المتزوج من خالة عثمان وقال أنه لم يشاهد رجل محترم ومنظم ومهذب مثل عثمان وكانت لديه علاقة متميزة لذلك قام بإيجاد فرصة العمل لشقيقته فاطمة.

عندما ذهبت إلى قاعة الصداقة كنت أحمل صور الشهيد عثمان على صدري وظهري وفجأة تحول المكان إلى سرادق عزاء مجدداً وبدأ الشباب والشابات في البكاء.. عثمان لم يكن الرجل السهل لذلك المشهد كان مؤثراً جداً وهذا وفاء من ناس لا يعرفون حتى عثمان وتأثير الشهداء كان كبيراً وقتل هؤلاء الشباب ليس بالأمر السهل وقد كان اغتيالهم في الاعتصام أمر في غاية القسوة.

سألني بعض الصحفيين عن شعوري فلت لهم أنا والد شهيد ويكفي أنه أحد الشهداء ويكفي أن هؤلاء الشهداء قدموا أنفسهم من أجل هذا البلد وعثمان إبني شاب وهو مات شريف وآخر عمل ليهو عندما صحي صلى الصبح وقال لأصحابه عندما فاق من النوم أنه وقبل ساعة من الآن أنه قد صحي ويشعر بأن هذا اليوم سيكون فيه أمر غريب وحثهم على الصلاة.

وأتذكر عثمان عندما كان هنا في أربجي بعد أن تم إطلاق سراحه بعد كم وعشرين يوم حاولت أن أثنيه عن النضال فقال لأمه: إني يما الدنيا دي دار إقامة مؤقتة أفضل لي أموت شهيد شريف عشان أدخلكم الجنة والكلام ده قالوا لينا أنا عايز استشهد.

مرة سألوهوا إذا تم فض الاعتصام بالقوة ماذا ستفعل؟ قال: سأموت في سبيل عدم فض الاعتصام، يوم 8 رمضان اتصلت عليه أخته الكبرى قال هو ماشي شارع النيل.. قال لي: يا أبوي إذا ما رجعت أعفي لي لكن في ضرب في شارع النيل واتصلت عليه أنا وأمه وأخواته وقلت ليهو ما راضي عنك لو ما رجعت والغريبة اليوم داك رجع وهو قام بعد داك تابع مسيرته في النضال إلى أن استشهد.

قبل فض الاعتصام بساعات اتصلت عليه أخته عشان يسافروا مع بعض لأربجي آخر اتصال كان في نفس اليوم الساعة 5:25 دقيقة قال ليهم حأطلع من الاعتصام وأمشي الميناء البري ولحدّي 6:30 حأجيك وفي اللحظات الأخيرة سمعت أخته صوت الرصاص وسألته هل بدأ فض الاعتصام؟ آخر جملة قال لها: الجوة جوة والبرة برة وما في طريقة طلوع.. وأرجو منك إنك تسلمي على أمي وأبوي وتطلبي منهم إنهم يعفوا لي وقولي لأخواتي العيد سعيد ومبارك عليكم.. ودي كانت آخر مكالمة مع أخته وبعدها حاولت شقيقته أن تتصل به ولأكثر من مرة لكن هناك شخص آخر رفع السماعة وأجاب عليها قائلاً: بأن صاحب التلفون مصاب إصابة بليغة وبالتالي لا يستطيع وبعد ذلك استشهد عثمان وأظلمت الدنيا في وجهنا لكن عثمان فعل كل شيء يرضي والديه ويرضي شعبه ووطنه.

والد الشهيد عثمان وأخته مع القيادي بالحرية والتغيير أحمد ربيع في قاعة الصداقة في يوم توقيع الاتفاق النهائي

‫8 تعليقات

  1. كثرت دموعنا منذ ديسمبر 2018 , الله لا كسبك يا عمر البشير … ربنا ينتقم منك في الدنيا قبل لالأخرة .

  2. الرحمة والمغفرة لكل شهداء الثورة – نتمنى من قوى الحرية والتغيير أن لا تقفل وتنسى دور هؤلاء الابطال في نجاح الثورة وحفظ حقوقهم كاملة .

  3. لله دركم أسرة الشهيد عثمان أنجبتم بطل و ربيتم رجل و فزتم بشهيد .
    اللهم إجعله شفيعاً لوالديه و أهله و أصحابه .

  4. رحم الله الشهيد عثمان رحمة واسعة وادخله الفردوس الاعلى لقد ضحى بنفسه من اجل وطنه فهل سيفهم قادة قوى الحرية والتغيير ذلك ويتم القصاص من القتلة دون هوادة؟؟؟

  5. الله يصبرك ياوالد ويصبر كل أم وأب فقدوا فلذة كبدهم …إن الشهيد عثمان ورفاقه هم من دقوا باب الحرية بأيديهم المضرجة بدمائهم وفتحوا الباب على مصراعيه لنا فدمائهم الذكية دينا فى رقابنا جميعا…
    لقد قتلهم الأوباش بدم بارد لكن يقيننا أن الله إختارهم لهذه الشهادة لحكمة يعلمها هو .. فهم خيار من خيار القوم ولا نملك إلا أن ندعو لهم …
    اللهم ارحم أرواحاً صعدت إليك و لم يعد بيننا و بينها إلا الدعاء
    اللهم أسكن الشهيد عليين هو ورفاقه الذين دفعوا دمائهم غالية لأجل هذا الوطن ..اللهم اكتبهم عندك من الصالحين و الصديقين و الشهداء و الأخيار الأبرار
    اللهم و اجعل قبورهم روضه من رياض الجنة آمين يارب العالمين .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..