مقالات سياسية

الأكادِيميا تُديرُ حكومة الثورة: الإستعانة “بود الصعيد” من شرِ “ودْ أب تشة”

محمد الأمين حامد

ظلت قوى الحرية والتغيير (قحت) ومنذ تكوينها في يناير أي قبل سقوط النظام البائد بثلاثة أشهر، ظلت تعكف وتحلم بتكوين حكومة إنتقالية مدنية تديرها كفاءات وطنية تتمتع بالمؤهل الاكاديمي المتخصص والخبرات العملية. لم تنأى قحت بنفسها عن هذا المعيار في الإختياروهذا يبدو واضحاً من إختيار رئيس الوزراء ومن التسريبات للأسماء التى سوف تشغل الحقائب الوزارية وأن الأمور تسير كما هو مخطط له، وبالله التوفيق.
نعم الحكومة المدنية محروسة بالثوار والشارع الذي أسقط البشير ومن خلفهم قحت والمجلس السيادي وبعض من المؤسسة العسكرية وبنود الوثيقة الدستورية الموقعة بتاريخ 17/8/2019م التي شهدها العالم. هذه حماية قد لا تبدو كافية ومطلقة، إلا دعونا نتفاءل!
ماهي التحديات التي تواجه هذه الشخصيات الأكاديمية المثالية؟ التي يصلح فيها قول الشاعر:
يا أيّها المغرّد في الضحى *** أهواك إن تنشد وإن لم تنشد
الفنّ فيك سجيّة لا صنعة *** والحبّ عنك كالطبيعة سرمدي
فإذا سكتّ فأنت لحن طائر *** وإذا نطقت فأنت غير مقلّد.   إيليا أبو ماضي

بصراحة التحديات عديدة، ظل يتناولها الإعلام بإِطْناب في الأيام الفائتة مثل ما يحدث في بورتسودان وما يجري في سوق العملات، وهذه فئات لها مصالح في ان لا ينصلح الحال. بيد أن التحدي الذي نحن بصدده هو تحدي خفي وماكر يلدغ كالحية، إذ يمكن تضخيمه ويمكن التقاضي عنه وقد شبهناه بـ “وَدْ أب تَشة”. ود أب تشه في الثقافة المحلية هو شرك أوفخ ينصبه الصيادون أو الصبيان لتقع فيه الفريسة. وهو عبارة عن حفرة صغير مغطاة بالقش الذي يستند على أعواد هشة وقليلة لا تزيد عن تلك التي تبني بها السمبرية عشها ويضيف آخرون أن به نار خافتة تحرق القدم ولذلك أسموه أب تشة!
الكفاءات التي سوف تحكم الفترة الإنتقالية تعرف كل شيئ تقريباً وذلك من ثراء وغَزَارَة السير الذاتية. وهي- أى الكفاءات- نزيهة نزاهة تفوق الخيال بالمقارنة مع الكم المهول من الفساد الذي تمتعت به كوادر النظام السابق حتى أصبحنا نتداول خبرأ مثل أن “التعايشي” وقف في الصف مع المواطنين ورفض “حمدوك” تذكرة من اديس إلى الخرطوم لأنه لايستحقها.
هل كل هذه الكفاءات تملك الخبرة المحلية والدهاء والمكر الكافي للتعرف على “ود أب تشة” وتجنب الوقوع فيه أو تملك القدرة على الخروج منه حال الوقوع فيه مع أنها حفر سطحية قد تؤدي فقط لكسر الرجل وكافية لتعيق المشي وتجلب الإحراج. المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني كان مرشحاً لرئاسة الوزراء وذلك لأنه مصادم كما يقولون- وهي ميزة علاوةً على جل المواصفات التي يتمتع بها الرجل – تعتبر مهمة للمعرفة والمقدرة على دواس الأعداء.  أن تعلم كل شيئ حتى إن إِقْتَضَى الأمر الاستعانة “بود الصعيد” كونك وزير أو مسئول فهي صفة مطلوبة في كوادر الحكم لتفادي “ود اب تشة”. تحضرني قصة أرسلها الأخ قناوي محمد قناوي في القروب، تروي أن الرئيس المصري الراحل “أنور السادات” سأل سيد مرعى وزير الزراعة في مصر، إيه أخبار مزرعة تسمين العجول بالفيوم اللى وعدتنى فيها  يا سيد؟؟؟ رد عليه سيد مرعى جاهزة على الإفتتاح يا ريس  ..رد عليه السادات: طيب بكره 10 الصبح هفتتحها ..طبعاً ما كانش فيه أرض أصلاً علشان تبقى فيه مزرعة، المهم ذهب مرعي إلى الفيوم على الفور، وجهزها وذهب السادات اليوم التالي فوجدها حاجة تفرح وعامرة بكل أنواع العجول وانتهت الزيارة، وأخذ السادات سيد مرعي على جنب وسأله: أستاجرت الجاموسة بكام يا سيد ؟؟ فوجئ سيد بالسؤال ورد بعشرة جنيه يا سيادة الريس ..فرد السادات عليه : مش كتير ب 10 على 12 ساعة تأجير ؟!! صعِق سيد مرعي وسأله : مين يا سيادة الريس اللى بلغك عن إيجار الجواميس؟؟ قال السادات: يا سيد أنا ولد الصعيد، أنا دخلت على الجواميس، والزريبة لقيتها هايجه ومش على بعضها والحالة دي بتحصل لما الجاموس بيكون مش فى زريبته ..!!  كما يقولون: المعرفة (knowledge) تجعل الرجل غير لائق ليكون عبداً (فريدريك دوغلاس).
عدم الإستعانة بود الصعيد الذي بإمكانه المساعدة على تخطي المطبات والحفر تتطلب في الجانب الآخر بناء نموذج جديد يجعل الطراز الحالي قديمًا: أنت لا تغير الأشياء من خلال محاربة الواقع الحالي لتغيير شيء ما، قم ببناء نموذج جديد يجعل الطراز الحالي قديمًا (بكمنستر فولر). إعاقة الثورة وإحراج قادتها تمثل بعضاً من أهداف واستراتيجيات الثورة المضادة هي أمور جلية وربما هي تمارين في ممارسة الديمقراطية كما أَعْرَبَ السيد رئيس الزوراء. ناصبي الشراك يهدفون لتعكير الأجواء لهؤلاء الخبراء وجرهم للفشل أو التراجع منذ البداية أوعدم تمكينهم من تحقيق أهدافهم كما ينبغي.
أن هذه الكفاءات أتيةُ للتو من الغرب “النَموذَجي” أو بعض منها درس أو عاش في الغرب حيث يمكنك أن ترسم خطط وتصل لأهدافك في ظل أجواء مثالية من حيث توفر لأساليب الحياة ووسائل الإنتاج والقوانين التي تحمي الإنسان وتوفر له سبل العيش الكريم وفرص الإبداع  وبيئات العمل. كان أبو زينب – الله يمتعه بالصحة والعافية- يشرب المريسة حتى أثناء ساعات العمل، يتسلل ويذهب لمرسى شمبات ويرجع ليواصل عمله، وفي يوم من الأيام تفشت إشاعة بأن أبوزينب ترك المريسة وتاب، فرحت الناسُ بذلك وإقترح العم عبد الله – متعه الله بالصحة والعافية- أن نجمع له مبلغاً من المال يعينه على مواصلة المشوار في غياب المريسة ويوفررفاهية لأبناءه. تم جمع المال وكان جله من الأكاديميين القادمين من الغرب إذ لم يبخلو وتساقطت دموعهم فرحاً، إستلم أبوزينب المبلغ مبتهجاً وممتناً بتواضعه المعهود. إختفى أبوزينب وما هي إلا لحظات حتى عاد “البطل” يترنح مغمغماً: أنا أخوك آ زينب!
أن هؤلاء الأكاديميون قد ينقصهم مايدور في البلد من تحت الترابيز ومقدار التلاعب والتحايل والتسيب حتى الكذب الذي إِسْتَفْحَلَ! قد تتوفر حسن النوايا وسط هؤلاء الناس إلا أن الحذر من الغلول الذين ما انفكوا يعرقلون حياة الناس ويحسدونهم في توقهم للعيش الكريم والحكم الرشيد.
زار السيد رئيس الوزراء الدكتور حمدوك منطقة الجيلي المنكوبة بالسيول ومع كل إيجابيات الزيارة إلأ أنهم عابوا عليه أنه لم يخض في المياه والوحل (وتتسخ ملابسه) بل تجول في المنطقة الجافة. وحينما تتناول وسائط التواصل الاجتماعي هذه اللقطة بكثافة فما عليك إلا تجاهلها أو أنك غير مهتم، وإلا تكون وقعت في فخ ود أب تَشة. ليست هذه اللقطات هي مانخشى على الكادر الوزاري وإنما العمل الممنهج والتخطيط الشيطاني الذي تقوم به الدولة العميقة وفلول النظام السابق بدراية كاملة وعلم وتمويل لا محدود في سبيل أن تحرم السودان من الوصول لدولته المدنية والرفاهية.

“التغيير هو قانون الحياة  وأولئك الذين ينظرون فقط إلى الماضي أو الحاضر من المؤكد أنهم سيفتقدون المستقبل “- جون ف. كينيدي.

محمد الأمين حامد
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. الدَلة العميقة لا زالت موجودة وسوف تعمل بكل ظلف وناب لإفشال الحكومة ألمدنية التي يقودها الأكاديميون. والدولةالعميقة تشمل فيما تشمل مجموعات متفرقة في داخل الاجهزة الأمنية والقوآت النظامية وداخل قحت. أي عراقيل توضع يجب أن يسال عنها الأجهزة الأمنية والعسكرية لأنها هي التي بيدها كل خيوط اللعبة السياسية والفساد الاقتصادي والاداري وخلق الأزمات واستغلال وسائل الإعلام المملوكة للنظام البائد لخدمة أجندات الدولة العميقة. الحل يكمن في إقالة كافة المسيطرين على الأجهزة الأمنية والشرطية والمؤسسات التعليمية ووسائل الإعلام واحلالهم بكواأدر الثورة أو ممن تم فصلهم للصالح العام من الوطنيين طوال سني الإنقاذ العجاف.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..