
ثلاثون عاما و السودانيون يصحون صباحا ليجدوا ان المؤتمر الوطني و عمر البشير قد أعلنوا حكومة جديدة بدون أخذ رأي اي مواطن ، ثلاثون عاما و لا يوجد من يعترض ، لأن الناس لا يملكون قرارهم ، و لا يمتلكون حرية قول : لا .
ثلاثون عاما ، (حيكومات تجي و حيكومات تغور ) ، و الشعب دوره فقط الاستماع لاسماء الحكومة من خلال المذياع ، حتى الوزراء انفسهم في معظم الأحيان يستمعون لاسماءهم عند الإعلان عنهم فقط . هكذا كانت الدولة في عهد الانقاذ دولة قهر تحركها (بالجربندية) و ( الزندية ).
الآن تغير هذا الكلام .
الشعب ثار و أسقط حكم ( الجربندية ) و اصبح مالكا لقراره ، أصبح هو مصدر السلطات و هو القلم الذي يوقع على الترشيحات و هو الذي يصادق على من يحكمه . و هذه هي الديمقراطية ، فمرحبا بالجميع في كوكب الديمقراطية .
الديمقراطية فوضوية نعم ، لأنها تسمح بوجود كل شخص يملك رأيا و يريد ان يوصله ، و كل تيار يملك أهداف يريد تحقيقها ، و كل جسم يريد لصوته ان يسمع ، و كل جهة تعتبر نفسها هي ( الصاح ) ، و الجميع يتعاركون في نفس الميدان .
لكن الميزة الأصيلة في الديمقراطية انه غير مسموح لأي شخص أو تيار او جسم او جهة ان تقهر اخرى ، و الخطأ في كوكب الديمقراطية اذا وقع ( بقصد او بدون قصد ) فان الفرصة لتصحيحه موجودة باستمرار ، ففي الديمقراطية لا يوجد شيء اسمه : ( too late ) ،و لا يوجد شيء اسمه : ( ديمقراطيتنا اتسرقت ) ، بل يوجد دوما شيء اسمه تصحيح الديمقراطية بمزيد من الديمقراطية .
ما حدث من قبل في ترشيحات المجلس السيادي و ما يحدث في ترشيحات وزراء حكومة حمدوك ، هو هذا الجو الديمقراطي المشحون بعشرات الآراء و المواقف و الاتجاهات المتباينة ، الجو الملون بكل الوان الطيف السياسي و الثقافي و الاجتماعي و المهني ، الجو المكهرب بالخلافات التاريخية ، و الملطف بالتضحيات المشتركة .
هذا هو واقع الديمقراطية ، الناس متساوون في حرية الرأي و القرار ، كل فرد من الشعب يملك حرية ان يقول رأيه و يدعو له و يحاجج من أجله .
لهذا اختلاف الآراء داخل قوى إعلان الحرية و التغيير و داخل الثوار شيء متوقع و طبيعي ، فالجميع بشر و ليسوا ألهة و طليعة البشر الاختلاف ، و لن تكون هذه هي الخلافات الأخيرة ، بل سوف تستمر الخلافات لأن الديمقراطية طبيعتها هي : تعايش الخلافات و التباينات مع بعضها البعض تحت سقوف الوطنية و الأخلاقية .
انتهى الزمن الذي يفكر و يقرر و يعلن فيه نيابة عن الشعب دكتاتور واحد ، و اختفى الى الابد السيد الذي يقول فيطاع ، و جاء عهد يفكر فيه الجميع بصوت مسموع ، فلنبارك هذا الجو الديمقراطي و لنسعى معا لتعضيده بالشفافية و حكم القانون و لنواصل الشجاعة و الأمل وفق ما قال نيلسون مانديلا : ( سنعمل معا لدعم الشجاعة حيث هناك خوف ، لتشجيع التفاوض عندما يكون هناك صراع ، ولإعطاء الأمل حيث يوجد اليأس ) .
يوسف السندي
[email protected]