المقالات والآراء

خبز الذرة الشامي …..وإنجليزي بالتلفزيون !!!

ليس هذا العنوان سمك لبن تمر هندي -لا رابط بينهم-، حقيقة، الأمر ليس كذلك، إنما هناك خيط رفيع هو الغذاء للبطن وللعقل، ولكن على صعيد التجربة في الوطن له رابطة بل روابط اعمق كتجربتين مرتا علينا دون أن نلتفت لهما، مما سبب لنا -كوطن وكشعب- أزمة في الغذاء وأزمة في التعليم !!!
أما أزمة الغذاء فقد تمثلت في سيطرة خبز القمح علينا، لحد جعل الدولة كلها تضطرب أيما اضطراب لأي مشكلة تتعلق بالقمح، فصدقت نبوءة الاقتصادي الخبير الدكتور التجاني الطيب، والتي تنبأ فيها بأن خبز القمح سيكون معضلة حكومة الإنقاذ، وهو ما حدث فعلا، وقد يؤدي لسقوطها، ود/ التجاني الطيب أعتبره أشطر وزير مالية، فقد ثبّت سعر العملة في السودان بين السوق الرسمي والموازي، ولا زلت آمل بناء على تجربته أن يأتي بمنصب مالي في الفترة الانتقالية.
وفي روعي تجربة نادرة مرت علينا بشمبات الزراعي المعهد او الكلية لست على يقين من ذلك، فقد ذهبت ذات يوم مع صديقي الأثير: محمد الناصر الحكم لمنزلهم بشمبات، وذلك بغرض لقاء الشيخ البشير رحمه الله في رؤيا مفزعة، فحواها سقوط طائرتنا التي ستقلنا لليمن، وذلك في رحلاتنا المكوكية في حقبة السبعينات للعمل هناك، وكنت ضيفا علي الغداء بمنزلهم العامر – حياه الغمام –، فوجدت خبزا جميلا طاعما لم آكل مثله لا قبله ولا بعده، فأكلت بنهم لم يتكرر لاحقا، وإلى الآن -رغم جودة طعامنا- إلا أن الفرق كان في الخبز، وسالت صديقي عن هذا السر فكان رده بسيطا: إنه من شمبات الزراعي وأنه من الذرة الشامي، ودهشت لماذا لم تعمم التجربة؟ ولماذا لم ترعها الدولة حتى تعم البلاد ويعم خيرها وحلاوتها مبنى ومعنى؟
لكن يبدو أن مصالح التجار العليا ظلت تتحكم في مصير بلادنا، فتموت من الظمأ والماء فوق ظهورها محمول !!!
بل الأسوأ من الأسوأ، أن التجربة ماتت في مهدها، وقبل عدة شهور ذكر هذه التجربة الفريدة أحد الأساتذة، وتساءل مثلنا عن سر موتها في مهدها، ولا أحد يدري بأي ذنب قتلت هذه الموؤدة.
ولعله من باب الطرفة أن خالنا الفاضل الفكي –صححه الله وعافاه-بسخريته اللاذعة، كان يسمي البيتزا علي المائدة: (والله دي ياها الدقيقية عندنا في البلد )، والدقيقية هي قراصة الذرة الشامي التي تخلط أحيانا بالبلح وتؤكل بالحليب أو الروب، وهي مفيدة للمعدة من ناحية الغذاء وإزالة الكلوسترول لخشونتها، وبالأمس وعبر الهاتف طورت إحدي أخواتنا هذه القراصة لتكون بالفرن في شكل بسبوسة، وتؤكل أيضا بالحليب أو الروب، وقد أكلها صديق عند أهلنا، وقدم إلينا قائلا: أكلة فريدة، وأضاف أنه ندم لشبعه قبل أن يعرفها !!!
فهل نعاود التجربة بدراسة أعمق وتعميم أشمل حتى نتفادى أزمة الغذاء بسبب فاتورة القمح التي ظلت هاجسا يؤرق مضاجع الحكومات على الصعيد الغذائي والتمويلي، ونكون بذلك أيضا تجاوزنا صناعة ( كورن فلكس) فهل من مجيب؟ أم تظل أحلامنا رهنا لتجار السوق الذين لا تهمهم إلا مصالحهم، وتحكمهم في مصائر الجماهير !!!
-أما التجربة الثانية التي وئدت في مهدها، وكانت ستكون في نهضة التعليم نسبق بها كل دول العالم الثالث، فهي تجربة تعليم اللغة الإنجليزية بالتلفزيون في المدارس الثانوية بالعاصمة المثلثة لمدة عام حتى يتم تقييم التجربة وتعميمها على كل المدارس لاحقا، ومن أجل هذه التجربة وتقدم آخر في مجال الإعلام والثقافة تمت دراسة إمكانية إنشاء محطة الأقمار الصناعية في أبو حراز التي يظن البعض أنها تمت في عهد الرئيس نميري، والصحيح أنها كانت في الإجراءات التشريعية ووصلت مرحلة القراءة الثالثة ببرلمان الديمقراطية الثانية، وبسبب هذه التجربة، بدأت تلفزيونات الأقاليم لأغراض كثيرة ومتعددة منها: التعليم، ولكن ضياع هذه التجربة التي لم تذكر حتي الآن يعبر عن مشاكل ثورات وانقلابات الشمولية وهيجانها بغير هدي ولا كتاب منير.
وكما ذكرنا فقد بدأت التجربة عام 1968 على أن تعمم في العالم القادم لكل السودان، وقد نجحت التجربة، فكنا نذهب لمختبر العلوم، ثم نشاهد بالتلفزيون قصة وبعد نهايتها، نعود للفصل لنجيب على الأسئلة وفقا لما شاهدناه، وكان أول فيلم –ولا زلت أتذكره-: سليب ووكر أي حمار النوم، وما ادراك ما مختبر العلوم الذي كان مجهز باحدث التجهيزات للتجارب العلمبة حيث الطاولات وأحواض الماء والمعدات ومواقد الغاز موصل مركزيا.
وللأسف ومن محن الشمولية، أن وقع انقلاب مايو1969، ومن عادات الثورات والانقلابات أن تعتبر أن التاريخ بدأ من عندها، وهذا واحد من أكثر الأسباب التي أضاعت بلادنا تماما، كما قال حبر الصحافة العربية هيكل حين سألوه عن الفرق في الدول العربية بين الجمهوريات والممالك، فرد قائلا: (في المماك والامارات تتم مداولة السلطة بسهولة ويسر وسلاسة، وأن ولي العهد حين يستلم الحكم يكون عارفا كل شئ عن بلده في كل الملفات، أما في الجمهوريات فكل انقلاب يعتبر التاريخ بدأ من عنده، وهذا يفقد الدولة كثيرا من الاستقرار، وتراكم البناء، بل ويهدر موارد فيما لا طائل منه، وكلها مصيرها الفشل )، ولشد ما أصاب الرجل فانظر يا هذا -عمّرك الله- ضياع السودان في التعليم والغذاء مما جعلنا دولة التناقض المريع ( البلد الغني الفقير ).

سيف الدين خواجة

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. يجب ألا توجه كل المقالات للسياسة) هذا لسان حال الأستاذ سيف الدين خواجة حين كتب هذا المقال منبهاً لمواضيع مهملة .
    خبز الذرة الشامية , و ما يمكن أن يتفرع عن الموضوع , مثل توفير الدقيق بتصحيح طريقة خبز الرغيف . الانجليزي بالتلفون وما يتفرع عن ذلك من مقترحات لبرامج تلفزيونية تعليمية لكل مواد المنهج المدرسي (أحيي الأستاذ محمد الشيخ مدني الذي كان يقدم حصة الرياضيات في التلفزيون الولائي) .. الطاقة الشمسية في بلد تسطع فيه الشمس طوال السنة . إمكانية إعداد أطباق شهية ومغذية بلا حاجة للحم , كما جاء في مقال سابق للكاتب الريح عبد القادر عن (صينية بطاطس بالطماطم) . والقائمة تطول .
    المشترك في هذه المقترحات و شبيهاتها أنها مبرأة من عذر قلة الإمكانات التي يتذرع بها أولو الأمر, بل إن هذه المقترحات بديل لخيارات مكلفة , لكنها قد تموت لقلة الطرق عليها .

  2. كان الغذاء الرئيسى لمعظم الأهل السودان الذرة والدخن وهو غذاء أهل الريف وجزء من بعض المدن وأما القمح فكان غذاء أهل المدن وجزء من أهل الشمال ولكن سياسة الكيزان الرعناء أدت النزوح أهل الريف الى المدن الرئيسية وخاصة العاصمة الخرطوم مما شكل ضغط على فاتورة القمح وأصبح الغذاء الرئيسي هو القمح والحل يكمن فى تنمية الريف بقيام مشاريع فعالة تساعد فى العودة للريف ليخف الضغط على المدن الفاتورة القمح

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..