مقالات وآراء سياسية

شعارات الثورة الزائفة (١ – ٣)

رامز التجاني

دي ياها المدنية الدايرنها؟

انتشرت الجملة أعلاه في مواقع التواصل الاجتماعي لتُثبت لنا الى اي مدى تم استخدام شعار (حرية سلام و عدالة) بصورة سطحية لأغراض الهتاف فقط طيلة ايام الثورة و قبلها في مناسبات عدة، فردده الملايين الى ان آتى أُكله من الناحية الشكلية فقط، فسقط البشير و تبدلت الحكومة و اتت نصف المدنية التي كنا نحلم بها كاملة دون نقصان بعد ان سالت الدماء و الفاعل يتبختر دون حساب، و لكن .. هل حقاً نبتغي ان ينعم السودان بمعنى المفردات التي تمثل هذا الشعار ام هو محض هتاف نملأ به الحناجر ثم ندفعه للهواء؟

الحرية كلمة شاملة تعنى التحرر من كافة انواع القيود و التصرف كما اردنا و تعني ايضاً بالضرورة تحرر الآخرين من ذات القيود او غيرها، وهناك من يقبلها كما هي بمعناها الحقيقي و الكامل و هناك من يفصلها على احجام و مقاسات مختلفة لأسباب متعددة و اليك في ما يلي بعض هذه المقاسات:

المقاس الأول (الدين):

و كان هو الأول لأنه مقاس مقدس يظن من يفصل الحرية على هذا المقاس (دوماً و ابداً) انه مقاس الحرية الذي يجب ان يرتديه أهل الأرض جميعاً ولا غضاضة في ان يظن ذلك و لكن المشكلة الأكبر في ان يحاول تطبيق هذا الظن عنوةً و اقتدار، و اغلب من يقف وراء جملة (ياها دي المدنية الدايرنها؟) هم من (ترزية) هذا المقاس و اليكم الحقيقة، الحقيقة ان الحرية التي كنتم تصرخون بها تمثل مجموعة من الحريات لا تنفصل واحدة عن الأخرى و اولها حرية العقيدة، اي ان لكل مواطن في دولة السودان المدنية هذه الحق في ان يعتقد ما يشاء سواء اتفق معك في الاعتقاد او لم يتفق، فحدود الحرية التي تضعها لنفسك تبعاً لإعتقادك هو شئ خاص بك ولا يحق لك ان تجعله حد رسمي للحرية لجميع الناس و من هنا نجد ان جميع الحريات من ملبس و مأكل و مشرب لا ترضخ للحدود التي قمت بخياطتها في مشغلك، و مهما كانت تفاهة الفعل في عينك فمن حق كل مواطن ان يشرب و يأكل و يلبس ما ليس ضمن حرياتك التي وضعها لك دينك.

كمثال واضح لما سبق نجد ان شرب الخمر هو فعل غير مهم لدى كثير من المواطنين و عليه فهم يضعونه خارج حدود حريتهم الشخصية ولكنه و مهما بلغ من تفاهة فهو مهم لدى الكثيرين ايضاً و في سرهم سيكون ردهم على السؤال للشهير (اااااي ياها دي المدنية الدايرنها حتى لو ما عجبتك و مهما بلغت من تفاهة).

المقاس الثاني(المجتمع):

و حدث ولا حرج عن هذا المقاس فهو مقاس فضفاض و كبير بكبر (عاهاتنا و تقاليظنا)، يظن داعموه ان قيادة انثى لدراجة نارية يجب ان تكون قضية امن مجتمع و فيه اساءة لنا كمجتمع محافظ فهو ليس فعل محرم ولكنه ضد العادات و التقاليد ولا يجب على الأنثى قيادة الدراجة ولا قص شعرها بأي طريقة تناسبها ولا ارتداء ما يناسبها، و بالطبع هذا ينطبق على الشباب ايضاً في قص شعرهم ولباسهم، فما ان يظهر احدهم بقصة شعر لا تعجب فلان وعلان الا و ينطلق دعاة الفضيلة و حراس العادات في مهاجمة هؤلاء الشباب في ملبسهم و قصات شعرهم بل و قد تصل المطالب الى التعامل معهم بشكل قانوني (قانون اليابا و التابا) فقد كان قانون النظام العام ولأعوام يقلق راحتنا ويستبيح حرياتنا.

ان تحقيق المصلحة العامة للمجتمع تقتضي بالضرورة تحقيق مصلحة الفرد و حين نضمن تحقيقها فقط سيكون المجتمع بخير و لن يكون هناك من ينظر لك اي نظرة دونية ان اخترت البقاء عازباً او من ينتقص منكِ ان اخترتِ الانفصال بعد الزواج و لن يداهم احدهم شقتك ليطالبك بعقد الزواج ليطمئن قلبه انك لا تمارس الرذيلة، كل ما سبق ما هو الا وباء الهوس بالمثالية الزائفة لمجتمع يظن انه مثالي وهو ابعد ما يكون عنها بكل عاداته السلبية التي تنتهك خصوصية و حرية الناس.

المقاس الثالث (ده ما وقتو):

و هؤلاء هم بمثابة المنافقين قديماً في بدايات الإسلام و هم لا مع الحرية ولا عليها، و انتمى لهم بدايات الثورة ناس (ما تشقوا الصف) و بالنسبة لهم الوقت دوماً ليس ملائماً لإثارة اي قضية و حين يقول ليك (اسي ما وقت الكلام ده) فظاهر الكلام يعني الموافقة على حديثك مع التحفظ بخصوص وقت اثارة الجدل ولكن باطنه حجر على رأيك و يظهر هذا جلياً حين يقول احدهم (يستاهلوا، عطالة قاعدين يلعبوا في الليدو الليل كلو في شارع النيل) فالحنق من الفعل موجود رغم معرفته بحق الفرد في لعب الليدو او الجلوس حيث يريد لساعات طويلة.

مشكلتنا الاساسية كشعب سوداني هي تدخلنا في ما لا يعنينا و عدم التفريق بين حدود حريتنا و حرية الآخرين، و اسوأ من ذلك هو مطالبتنا بتحجيم الحرية عبر القانون، نهمنا لتكبيل الآخرين و اجبارهم للتصرف كما نريد نحن في حين اننا لن نقبل ذات الفعل ان تم تطبيقه علينا، و اعلم جيداً ان كل من ينشد الحرية بمعناها الحقيقي سينال حظه من التكفير و سيبدأ تطبيل ابناء جلدتنا وفي نظراتهم حقد الصليب و الخ الخ، ولكن هؤلاء هم صغار العقول اللذين لن يفهموا ان اسمى معاني التعايش السلمي هو قبولك لللآخر بكل افعاله التي لا تتماشى مع معتقدك او حدودك التي وضعتها لنفسك و بدون هذه الحرية لن (نبنيهو) و لو توفر طوب الارض و السماء.

رامز التجاني

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..