مقالات وآراء سياسية

المَسْؤوليّة تَنُوءُ عَن حمْلِهَا العُصْبَة

نور الدين بريمة

نبتدر كتابنا اليوم، بالترحّم على شُهداء الثورة السُودانية، والمجد والخلود لكل الذين سقطوا مُنذُ الثلاثين من يونيو 1989م، تاريخ الحكم الإسلاموي الدكتاتوري، بقيادة الطاغية- عمر البشير- الذي زاوج بين الإنتهازيين من (العسكر ورجال الدين والسياسة)، وحتى تاريخ سُقوطه في أبريل 2019م، ونقول كما علمتنا ثورة ديسمبر المجيدة: (الدّم قُصاد الدّم، لوْ حتّى مدنيّة)، تعزيزًا لقول الله عز وجل: (ولكُم في القَصَاص حَياةٌ يا أُولِي الألْبَاب)؛ كما نرجو عاجل الشفاء، للجرحى الذين فقدُوا أعزّ ما يملكون من أعضاء، ولاقوا صُنوفًا من الأذى الجسدي أو النفسي؛ ممّا يلزمنا والقائمين على أمر البلاد، تحقيق العدالة لهم ولأسرهم، وتعويضهم تعويضًا مُجزيًا لمَا فقدُوه؛ مع أمَلنا الصّادق عودة المفقودين قسريًا إلى ذويهم سالمين، حتى تعُود البسْمة إلى: أسرهم، وأهاليهم، وأصدقائهم؛ وضرورة معرفتهم ما إذا كانوا أحياءَ أم أُغتِيلُوا غدْرًا؟، حتى نطوى نهَائيًا صفحة المأساة الإنسانية هذه، ونتجه جميعًا إلى إحترام: التنوع، والتعدد، والإختلاف، والعمل على بناء وتعمير الأرض، وما دمّره الإسلامويين خلال حكمهم العَضُود، وتأسيس الدولة المدنية بكل إستحقاقاتها؛ وعلى وزارة د. عبد الله حمدوك، التي نبارك لها الإختيار، ونسأل الله لها التوفيق والسداد، أن تضع نُصب عينيها وفي حسبانها، أن المسؤولية المُلقاة على عاتقها عظيمة، وليست بالهيّنة أو السهلة.
كيف لا والوضع الإنساني وتبايناته، والإقتصادي وإستحقاقاته المعيشية، ومآلاته وأزماته المتناثرة، يتطلب بذل المزيد من الجهود المتضاعفة؛ بدءًا بوضع الحدّ النِهائي للحروب، وتحقيق السلام في كافة ربوع السُودان، مرورًا بالعمل على توفير العيش الكريم، وتحقيق دولة الرعاية لا الجباية؛ مع تحقيق العدالة الناجزة، لكل المتضررين، والمظلومين، والمقهورين، والنازحين، واللاجئين، والمشردين، والكادحين؛ فضلاً عن كفالة الحريات للجميع، سياسيةً كانت أو دينيةً أو ثقافيةً، دون الوصاية أو فرض الروح الأبوية على أحد، سيما حرية التعبير ووسائل الإعلام، بإعتبارها ذَرْوة سِنام الحياة الكريمة، والإنسانية الحقة؛ بيد أننا نعلم يقينًا بأن التركة، التي خلفها الأمويين الجدد ثقيلةً، تنُوء عن حملها عُصبة من العُتاة، وبالتالي يصعُب تجاوُزها بين ليلة وضُحاها، لكنه ليس بمستحيلٍ على شعب السُودان، وهو الذي أنجز ثورته السلمية، خلال ثماني أشهر، شهِد لهَا العَالم وثمّنها وبَارَكها؛ ونُذكّر الشّامتين، أو الواقفين على الرصيف، بأن الثورة صَارت حقيقة، تُؤتي أكْلهَا كُلّ حِينٍ؛ وستحقق غاياتها، بإذن ربها، إذا ما ظللنا كمواطنين، نعمل على تفعيل هذه القيم، داخل أنفسنا، وإزكائنا لروح التكافل، والمحبّة والسلام؛ مع ضرورة إسداء النصح لبعضنا- حُكّامًا ومحْكُومين- وذلك لحماية ثورتنا وقيمنا في الحرية والسلام والعدالة، تعليمًا وصحةً وقمحًا وتمنّيًا.
وفات أوان السكات و(الغطغطة والدسْدسَة) والبعد عن قول الحقّ، لأي كائنٍ من كان، وليعلم المداهنين والمنافقين، أن الرأي الإنساني ليس منزّهًا من العيب، وليدركوا أن زمان القطيع والإنقياد الأعمى، قد ولّى بلا رجعة، وصار شعار ثورتنا: (الطَلْقَة مَا بِتَقْتُل بِقْتُلْ سُكَاتَ الزُّولْ)، قيمةً يتوشّحها الناس أجْمَعين؛ هكذا تلمذونا شباب الثورة، بأن التضحيات والمواقف الشجاعة، هي التي تُعرّف بالنساء والرجال، والعكس ليس هو الصحيح، ليَفِيقونَا من سُباتِنا العميق، ويشعلوا فينا جزوة النضال والتضحية، أخرجونا بها من برَاثن التِّيهِ والضَّلالْ؛ إلى رحاب الحرية والديمقراطية، التي ننشدها ونطالب بها الآخرين، وهي التي لا تتحقق إلا بالممارسة والعمل الدؤوب، لأنها الوحيدة التي يصعب تصديرها لأحد، أو إستيرادها من أحد، وعلى المتشككين والمتردّدين، إمعان النظر مليًّا لقراءة هذا الواقع، قبل إرتداد الطرف وهو حسير، وعلى المتنّدرين أو المستعليين، من الكيزانيين المخدوعين والمخمومين ذوي (لحس الكوع)، عليهم أن يدركوا حقيقة الثورة، أنّها واقعًا ليس خيالاً، حتى نعمل سويًا من أجل هذا الوطن، وما ينتظر حكومة الثورة، يتطلب بذل الجهد، والعمل لإنجازه، لتأسيس دولة القانون والمؤسسات، الدولة المدنية التي مهر من أجلها شبابنا وكهولنا المهج والأرواح.

نور الدين بريمة

تعليق واحد

  1. كلامك سمح يا نور الدين. .المسؤلية جماعية .نسند و ننصح بعض حتي نخرج من هذا النفق المظلم بمشيئة الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..