التعليم العابر للقارات: في الخرطوم كليات ومراكز تدريب تتبع لجامعات ومعاهد أوروبية وأفريقية

الخرطوم: تنزيل عبد المنعم

يعتبر اختيار التخصص الدراسي من الأمور الصعبة بالنسبة للطلاب والأسر على حد سواء، فما إن تُعلن نتيجة الشهادة السودانية حتى يبدأ الطلاب وذووهم البحث في دليل القبول ليروا ما إذا كان الطالب قد وفق في إحراز الدرجة التي تمكنه من دخول إحدى الكليات المرموقة أم أن الأمر يتطلب دفع المزيد من الرسوم الدراسية حتى يتم قبوله بالكلية المحددة له سلفا قبل إعلان النتيجة. وقد أفرزت ثورة التعليم العالي ما يسمى بالتعليم الأهلي والأجنبي في السودان، وبدلا من أن يسافر الطالب للخارج كما كان يحدث في السابق، أصبح التعليم هنا في السودان، ولكن مقابل مبالغ مالية تعجز غالبية الأسر السودانية عن دفعها، في حين تستطيع أقلية توفيرها، غير أن المسألة غير مرتبطة بالرسوم الدراسية التي تصل في بعض الأحيان إلى ما يفوق الأربعين ألف جنيه في أقصاها لتصل إلى أربعة آلاف أو يزيد في أدناها، بقدر ما هي مرتبطة بالحصول على شهادة تمكن الطالب أو الطالبة من إيجاد وظيفة فور تخرجه، مع أن الأمر يبدو كأنه مزحة.!!

معظم الجامعات الأهلية والأجنبية هي جامعات معترف بها من التعليم العالي وأثبتت كفاءتها وقدرتها في تأهيل الطلاب.

وغالبا تلك المؤسسات التعليمية هي كليات وفروع لجامعات عالمية شهيرة تأتي بالمقررات والامتحانات من أوروبا ما يجعل الفكرة تروق لمعظم الطلاب وأسرهم، لكن هذه الكليات لديها عثرة في التعليم العالي وأخرى مع المجالس المهنية للتخصصات.. (اليوم التالي) زارت عددا من هذه المراكز والكليات، ودارت في ردهات وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وما بين مكتب مدير الإعلام والتعليم الأجنبي والأهلي، كانت لنا بعض الإفادات التوعوية في برنامج القبول للجامعات والمعاهد العليا.

التعليم العالي

موظفو العلاقات العامة والإعلام في وزارة التعليم العالي، أكدوا لنا في بادئ الأمر أن أية كلية لا يشملها دليل القبول ليس للتعليم العالي أية صلة بها، بل يتبع أمرها إلى وزارة العمل على أساس أنها مراكز تدريب ليس إلا، وإن منحت شهادات الدبلوم التقني. وفي سؤال سريع عن بعض أسماء المراكز والكليات المعنية، أكدوا لـ”اليوم التالي” أن الدليل لم يشملها هذا العام، ما يعني عدم توفيقها لأوضاعها في هذا العام أيضا. التقينا بالأستاذ أسامة العوض، مدير الإعلام بالتعليم العالي والبحث العلمي، قال لنا إن هذه الكليات غير معترف بها في وزارة التعليم العالي والبحث والعلمي، وإنما هي مراكز للتدريب ورفع الكفاءة فقط، فهي تمنح الدبلومات في فترة قصيرة جدا. حيث أن المدة أقل بكثير من المدة المقررة وأيضا عدد الساعات المعتمدة لأي تخصص من تخصصاتها الدراسية المختلفة. نحن في التعليم العالي لا نوثق أية شهادة تأتينا من أية جامعة غير مدرجة في دليل القبول الذي يصدر عن وزارة التعليم العالي، حتى الشهادات التي تأتي من الخارج لا نقوم بتوثيقها إلا بعد التأكد أن هذه الكليات معترف بها في الدول التي توجد بها، فنحن لدينا دليل أو كتيب نرجع إليه في حالة توثيق أية شهادة تأتي إلينا من الخارج، فأية شهادة غير معترف بها في موطنها تعتبر غير ذات نفع، فلدينا الآن عدد كبير جدا من الشهادات من مثل هذه الكليات، والتي لا يمكننا ثوثيقها، فلا يعقل أن يحمل الطالب شهادة في الصيدلة أو الهندسة خلال فترة لا تتعدى السنتين، من المعروف أن بكالريوس الهندسة والصيدلة فترة الدراسة المقررة له 5 سنوات وعدد الساعات 120 ساعة، فلا يمكن أن توفق أوضاع هذه الجامعات ما لم تتطابق مقررات هذه المراكز والكليات المقررات التي اعترف بها التعليم العالي، هذا الملف نحن نعتبره مغلقا منذ فترة، لأن الأمر يعتبر محسوما، فما لم يعد تقييم هذه الكليات لمقرراتها لا يمكن أن نعترف بها. وفي هذا السياق، أكد قسم التعليم الأهلي والأجنبي بالتعليم العالي أن أية جامعة أهلية أو أجنبية لم تطابق مواصفاتها ومقرراتها الشيء المطلوب من التعليم العالي لا تعتبر كلية معترف بها، فالتعليم الأهلي له ضوابطه التي تحكمه، فهذه الكليات والمراكز نحن نعتبرها لتأهيل من لهم الخبرة في المجال المعين، ولديهم الكفاءة في تعلم أي تخصص يقصدونه، وبالتالي لا يكون هناك تحويل للطلاب من أي من الجامعات الأهلية لمثل هذه المراكز، وأي طالب يقوم بالتحويل لهذه الكليات والمراكز لا يعتبر هذا تحويلا، بل تسجيلا في الجامعة المعنية، ما يعرضه لعدم توثيق الشهادة من قبلنا وعدم الاعتراف بشهادة الجامعة التي انتقل إليها لأن التحويل من جامعة لأخرى يتم عبر التعليم العالي وليس عبر مراكز الجامعات.

فروع لجامعات أوروبية وأفريقية

في مبنى يتكون من طابقين، ومن تصميمه بدا واضحا أنه كان منزلا قبل أن يتحول إلى جامعة بها العديد من التخصصات العلمية والأدبية، ضيق المبنى ينبئك تماما عما يدور داخل أروقة هذا المركز والذي يقوم بتدريس الدبلوم على ثلاثة مستويات؛ المستوى الأول، الثاني والأخير هو الدبلوم المتقدم في فترة دراسة لا تتعدى العامين، بعدها تكون حاصلا على دبلوم في الهندسة بمختلف التخصصات. الموظفة المسؤولة عن التسجيل في هذه الكلية قالت لنا إن الشهادات لا توثق في التعليم العالي كما أن خريج التخصصات الهندسية لا يمكنه الحصول على الرقم الهندسي السوداني، لكن بالمقابل يحصل على الرقم الهندسي البريطاني، وتوثق شهاداته في السفارة البريطانية والمركز الثقافي البريطاني، ما جعلني أتساءل كيف يحصل طالب الدبلوم على الرقم الهندسي البريطاني وشهادته لم تؤهله للحصول على مقابله السوداني؟ خلاصة قول مسؤولة التسجيل بفرع الجامعة في السودان هو أن الشهادة في السودان ليست ذات نفع وجدوى، ربما تنفعك في بلد آخر، ما يتضارب وقول مسؤولي التعليم العالي بأن أية شهادة غير معترف بها في موطنها الأصلي وغير موثقة لا تمكن حاملها من العمل بها.

الملفت في الأمر أن الرسوم في المركز تتعدى الثمانية آلاف جنيه للدبلوم، وتعتبر مرتفعة نسبيا إذا ما قورنت بالجامعات الأهلية والأجنبية في السودان.

على مقربة من المركز الأول، وجدنا كلية أخرى من نفس شاكلة الأولى وبها عدد مقدر من الطلاب، وأيضا تقوم بمنح شهادة الدبلوم في أحد التخصصات المهمة. علمنا أنها فرع من جامعة شهيرة وكل المقررات والامتحانات تأتي من الخارج، المقررات والفترة الدراسية تعتبر فترة تدريبية أو تأهيلية فقط، ولكن الطلاب يعتبرونها شهادة جامعية، فيقع الإشكال بينهم وبين التعليم العالي. تعددت المراكز بمختلف المسميات والتخصصات، لكن يبقى الأمر واضحا ما لم توفق المقررات وعدد الساعات المعتمدة للدراسة، لا توثيق من التعليم العالي.

طلاب الجامعات الأوروبية

عدد الطلاب كان بسيطا رغم أنهم طلاب جامعة، بعضهم أكد لنا أن المقررات الدراسية سهلة وبسيطة، ولغة التدريس الأساسية هي اللغة الإنجليزية، نحن نحصل على شهادة الدبلوم على مستويات.

الطالب” أ- خ” قال لـ”اليوم التالي” كنت أدرس بإحدى الجامعات الحكومية ولكن لظرف ما انتقلت للدراسة في هذه الكلية، وعلى الكلية أن توفق أوضاعها مع التعليم العالي، في هذه الكلية لا ندرس مطلوبات الجامعة، بل نبدأ في دراسة المواد التخصصية من الفصل الدراسي الأول، ما يجعل الكلية تختزل السنوات الثلاث في عامين فقط، وبالفعل نحن نعتبر مطلوبات الجامعة مضيعة للوقت، فما فائدة أن أدرس مقررات للغة العربية أو الثقافة الإسلامية وأنا في الأصل طالب هندسة أو تقنية معلومات، فهذه المواد لها طلابها الذين يدرسونها على مدار سنواتهم الدراسية، أنا أدرس الآن تقنية معلومات ولدى مادة واحدة في السنة الأولى، ولكنها تشمل العديد من الموضوعات المعنية بتخصصي، غير ما كنت أدرسه في الجامعة التي كنت أدرس بها نفس التخصص. وبعد التخرج سأوثق شهادتي من السفارة ومن الخارجية.

يظل حال هذه الكليات كما هو، ولكن نتمنى أن تعدل من أوضاعها العلمية حتى لا يضيع مجهود هؤلاء الطلاب في ظل التعليم المفتوح، وأن تظل الضوابط على ما هي عليه حتى لا يصبح مصير طلابنا مجهولا إثر تغول جامعات وجهات خارجية على التعليم لدينا.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..