
حديثنا في هذه الحلقات ليس عن أهمية طريق الصادرات من حيث أنه يختصر المسافة بين العاصمة وشمال كردفان بأكثر من ثلاثمائة كيلومتراً، وبالتالي يقلل زمن الرحلة، ولا عن توفير الوقود وقطع الغيار، فهذه من الأبجديات المعلومة بالضرورة عن هذا الطريق، بل الحديث سيكون عن بعض الجوانب الفنية أو بالأحرى عن المشكلات التي تتطلب حلاً عاجلاً ومستداماً لضمان سلامة مستخدمي الطريق وانسياب الحركة عليه بلا عوائق.
لقد وردت الإشارة إلى أن طريق الصادرات تكتنفه بعض الأخطاء الناجمة عن الاستعجال لإكمال الطريق ومن ثم افتتاحه لدواعي سياسية لا علاقة لها بالجوانب الفنية؛ ولذلك فأن الافتتاح لا يعني استلام الطريق من قبل الجهة المشرفة وهي الهيئة للقومية للطرق والجسور، صاحبة القول الفصل في الجوانب الفنية المتعلقة بطريق الصادرات وغيره من الطرق في البلاد. وبما أن الطريق لا يزال في فترة الضمان، فإن المسؤولية التعاقدية عن معالجات مشكلات التنفيذ تقع على شركة زادنا، المقاول الرئيس والشركة المنفذة للطريق، علماً بأن هنالك ملاحظات حول التصميم، وهي ضمن مسؤولية الهيئة القومية للطرق والجسور، الجهة المصممة والمشرفة والمالكة للطريق حسبما صرح مصدر مسؤول فضل عدم ذكر اسمه، معتبراً أن ما حدث هذا العام كارثة بكل المقاييس، وهي لذلك تستوجب تدخلاً قومياً لوضع حد لمشكلة السيول مستقبلاً.
لقد انهار قطاع عريض من الطريق بصورة أعاقت الوصول من وإلى ولايات غرب السودان تماماً، وذلك على إثر جرف كبير بسبب أمطار غزيرة عمت البلاد في الأيام الماضية. وإثر هذه الكارثة أصدر المجلس العسكري الانتقالي قراراً يقضي بتشكيل لجنة تحقيق مختصة برئاسة عضو المجلس، رئيس لجنة الأمن والدفاع، الفريق أول ركن جمال الدين عمر، لمعرفة الأسباب التي أدت إلى حدوث تصدع وانهيارات في الطريق الرابط بين أم درمان ومدينة بارا بولاية شمال كردفان.
وبدورها أجرت “ومضات” اتصالات هاتفية مع بعض المعنيين بتنفيذ طريق الصادرات من أجل الحصول على المعلومات من مصادرها المعتبرة حرصاً منا على دقة المعلومة وصحتها. وطرحنا عليهم سؤالاً يتعلق بكيفية معاجلة مشكلة السيول؛ فقدموا لنا عدة مقترحات وآراء فنية تصلح لأن تحل المشكلة بشكل مستدام. فهنالك من يرى أن الحل يتمثل في تشييد “مزلقانات” قوية البناء، ذات قواعد حجرية وخرسانية صلبة عبر مجاري الوديان، تسمح بمرور المياه على الطريق مهما كانت شدتها وسرعة جريانها وارتفاعها! لكن البروفسور يوسف تبن، الخبير الهندسي في مجال الإنشاءات، لديه وجهة نظر مختلفة؛ إذ يعتقد أن “المزلقانات” من شأنها أن تزيد من معدلات الحوادث على هذا الطريق؛ خاصة مع عدم وجود لوحات إرشادية وعدم توفر الرقابة المرورية اللازمة بحيث تحدد السرعة لسائقي المركبات بشكل صارم. ومن الحلول المطروحة إنشاء كباري على الطريق ولكنها مكلفة وربما تكون غير عملية؛ علاوة على بعض التحفظات الفنية بحسبان أن الأودية تحمل كميات كبيرة من المياه التي قد تسبب “دوامات” ربما تهدم جنبات الطريق لاحقاً.
وحسب وجهة نظر البروفسور يوسف تبن يمكن المساهمة في حل هذه المشكلة بإقامة سدود في أعالي الوديان بحيث يمكن التحكم بجريان المياه مع عدم حبسها كلياً؛ حتى لا تتأثر المناطق الواقعة بعد الطريق؛ خاصة الغابات مثل إيد الناقة والشِلَخ التي توفر المرعى الطبيعي للبهائم. علاوة على ذلك، سوف تساعد هذه السدود في توفير كميات معتبرة من المياه للزراعة والسقيا وتربية الأسماك مما يؤثر إيجاباً على السكان المحليين ويساعدهم على الاستقرار والاستفادة من الأراضي الخصبة. كما سيكون لهذه السدود، في حال إنشائها، تأثير طيب على البيئة؛ لأنها ستزيد من نسبة التبخر وتحفز زراعة حواجز شجرية ونباتية من شأنها مكافحة التصحر وتوفير مزيد من المرعى والغطاء النباتي. ويرى البرفسور يوسف تبن وآخرون أن الحل الأمثل لمشكلة السيول هو تشييد “عبّارات” خرسانية متينة لا يقل قطر الواحدة منها عن 3-4 أمتار؛ على أن توضع تحت الطريق عند الأودية حتى تسمح بمرور السيول وانسيابها بدون أن يتأثر الطريق ولا حركة السير عليه!
بالطبع الطريق يعاني من بعض المشكلات الأخرى ولكنّها أقل خطورة من السيول التي تؤدي إلى قطع الطريق واقتلاع الأسفلت من وقت لآخر؛ ومن تلك المشكلات ارتفاع الطريق عن مستوى سطح الأرض، بين بارا وجريجخ، بدون وجود مواقف جانبية يستخدمها السائقون في حال تعطل المركبات؛ خاصة إذا علمنا أن الطريق يعتبر ضيقاً نسبياً حسب المعايير العالمية للطرق القومية والقارية. وهذه المشكلة تتطلب توسعة الطريق مستقبلاً حتى يستوعب الحركة المتزايدة للشاحنات وسيارات الأجرة والسيارات الخاصة. ويشتكي مستخدمو الطريق من عدم توفر المرافق الخدمية من مراكز صحية وإسعافيه ومحطات الوقود، واللوحات الإرشادية مما يضاعف من نسبة الحوادث التي أودت بحياة كثير من الناس، خصوصاً خلال الفترة الأخيرة، نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة.
ومهما يكن الأمر، وبغض النظر عن هذه المشكلات، يعتبر طريق الصادرات إنجازاً تاريخياً، وكل ما هو مطلوب سرعة البدء في إنفاذ الإصلاحات المطلوبة.
محمد التجاني عمر قش