ما هو الأجدى يا مثقفينا ومبدعينا.. وهذا النظام!

ما هو الأجدى يا مثقفينا ومبدعينا.. وهذا النظام!

عادل عبد الرحمن
[email][email protected][/email]

ما حقيقة الذي حدث في هجليج، كي يزعزع كيان النظام والعوام والمعارضين والمثقفين؛ وهيّجهم، فصاروا جوقةً واحدةً/ نشاز؟!!

أوّل الزاعقين كان النظام، الذي أصابته، فجأة، نوبة وطنيّة وغيرة على كلّ رقعة وذرّة من تراب وأرض البلد.. و كأنّما البلد كان آمنا سالما كاملا مطمئنّا، فغشيته الطامّة التي عكّرت صفوَ هوائه الناسِم، وعكننت مزاج ـ الحاكم والمحكوم ـ الرايق.

?هجم النمر? .. ?هجم النمر?

وكأنّ ?محمود? يصرخ بها للمرّة الأولى/ فنست المعارضة فسق وفساد النظام، نسيت قادة جيشه وأجهزة أمنه ومليشياته ـ المطلوبون للعدالة الدوليّة ولعدالة المظاليم في غرب وشرق وواق واق السودان ـ شماله وجنوبه؛ تناست قياداتُ المعارضة الشماليّة حقيقة وطبع البشير وعلي ونافع وعثمان ومحمد حسين، فأسلمتهم القِياد وإصطفّوا خلفَهم مجرجرين خلفِهم ذيول الذلّة والخنوع لأحقر مَن حكم وأظلم مَن ظلم شعوبَ السودان.
فالقاصي والداني، عاقلا أو مجنون ـ يعلم أن جنون النظام وهلعه لم يكُ سوى على البترول. البترول الذي يعلم الطفل أنّ عائداته داخلةً الجيوب قبل القلوب. فإن كان السلطان حريصا على ما هو تحت الأرض، فعليه أن يكون أحرص على مَن فوقها من أنامٍ وأنعام! نظام فاشي، يأمر جنده ومرتزقته بقتل الأسير والصغير والضرير والكبير. نظامٌ تبِعَ وصيّة الحُطيئة، دون أن يدرك مرامي حكمتها، حين سألوه وهو على محفّة الموت عن اليتامى، فأوصى:
(كلوا مالهم ونيكوا أمهاتهم)

هؤلاء هم مَن وقف في صفّهم المعارضون الشمالي/نيليّون. شاءوا أم أبو، دعموا النظام الظالم. منهم المتواطئون ومنهم الغافلون: فهجليج، مثلها مثل أبيي، منطقة نزاع بين طرفيْن لا يملكان الأمر كلّه. فهناك أمم متحدة وإتحاد أفريقي وعربي ودول كبار وصغار ـ سيكون لها القول الفصل. فلماذا لم يهيجوا ويميجوا ويقفون مع الحقّ ـ حين إحتلّت (وأنا أعني إحتلّت أرضاً، وقتلت شعبا وشرّدت شعوبا) جيوش النظام المكوّن من عصابات الجنجويد والدبّابين والمتاجرين بالدين والمغرّر بهم ـ أرض أبيي، وهي تنتظر التحكيم؟!
ولكنّ السؤال الأهم، المخصّص لمثقفينا ومبدعينا: ماذا هم فاعلون ـ هم المؤمنون بشماليّة هجليج ـ لو أنّ الأمر إنتهى، تحكّيما دوليّا، بجنوبيّتها؟
فهل سيعلنون ـ مع المعلنين ـ الجهاد؟ أمْ، سيأنفون المصطلح الديني، ويُعلنون بمصطلح ثوريّ: حرباً للتحرير؟!!

أنا الآن لست مهموماً أو مغموما لجهجهة الأحزاب الشماليّة المعارضة (معارضة؟!!) فهم لم يتجهجهوا ويتجمّعوا ويفرنقعوا، للمرّة الأولى.. ولا أحسبها ستكون الأخيرة. فعلوها بعدما وقّعوا في القاهرة على صكّ الغفران ليعودوا السودان. نسوا أنّهم معارضين لتزوير إرادة الشعب، فدخلوا البرلمان. تناسوا أن بيت مال النظام جُبيَ من عرق الناس وقوتهم، من خيرات البلد التي صارت خيرا على الخزّان دون غيره؛ وبلا حياء، قبضوا الراتب الشهريّ من أموال الغلابة الذين لم ينتخبوا أحداً، لم يوكّلوا أحدا.. ولأن لا أحد سألهم رأيا أو شاورهم في أمور حياتهم ومعاشهم وطبابتهم وتعليم فلذات الأكباد..
حقيقةً، لست معنيّا بهم.

*

لماذا سأحصر حديثي عن المثقفين المعارضين الشمال/ نيليين ـ متحدثي العربية المسلمين/ مَن يهمّني أمرهم ههنا؟!!

لنأخذ مثلا، ببيان (إتحاد الكتّاب السودانيين) ولأنّه، الإتحاد، يُمثّل جمعا لا يُستهان به من كُتّابنا ومبدعينا:
بيانُ ?المبدعين? جاء بلغةٍ ركيكة، وعبارت مبهمة، ناهيك عن أنّها مُبدعة! مما يعني، بكلّ بساطة، أنّ (شبّاك النجّار مخلّع) علّ علي المك ـ كان بيننا الآن.. أو، دعك عن هذه الخاطرة؛ لأنّه لو كان بيننا اليوم، لماتَ ثانيةً ـ كمداً.
من بيان محشو باللغو، وعدم المهنيّة والحرفيّة، والإدّعاء الأجوف.. والحديث بإسم مَن لم يُبايعه:

{بإزاء هذا الوضع يجدر أن نذكر، بادئ ذي بدء، بموقف اتحادنا الثابت، الداعم للسلام والوحدة، والرافض للانفصال والـحرب، باعتبار ذلك بمثابة الشرط الاستراتيجي الأبرز للتنمية المستدامة المأمولة. وإذ لم نتوان في التعبير الصريح عن هذا الموقف من فوق جميع منابرنا وبياناتنا ومؤتمراتنا ومجلتنا ?كرامة?، فإن اتحادنا لم يكن، يوماً، بغافل عن أن ثمة قوى نافذة في الجنوب، كما فـي الشمال، لم تخف، أصلاً، ومنذ ما قبل توقيع اتفاقية السلام، كراهيتها للسلام، وعدائها للوحدة، ورغبتها في فصل الجنوب، بل واتخاذ الاتفاقية نفسها، عند توقيعها، مطية، للمفارقة، نحو هذا الهدف اللعين!}

غفلة؟ وعن القوى النافذة شمال وجنوب.. إتحاد كتّاب هذا، أم إتحاد بصّاصين؟!
ولماذا، بدل الغتغته، لا تميطوا لنا اللثام عنها لتعرّوهم أمامنا، لنضربهنّ بيدٍ من حديد؟
رغم بُغضي لكلّ مَن تعاون مع النظام لجعل ?المرحلة الإنتقاليّة? ليست جاذبة أو مُحبّبة لأهل الجنوب نحو الوحدة، إلا أنّني أعترف بأنّي لم أسمع صوتا يقول، قبل الإنقاذ أو بعده، بأنّه كارهٌ للسلام. فلماذا هذه الغضبة الماحقة، والتسرّع في قذف الكلام، وتشمير الأكمام وفتْل العضلات؟!!

*
إنّ القول بأن السودان ظلّ يحمل كيانيْن ثقافييْن ـ شمال وجنوب، ماهي سوى فرية، ظلّت تلوكها النخب الشماليّة الحاكمة والمعارضة. فحدود 56 ، كما هي كلّ الحدود الأفريقية، فرية إستعماريّة. فهي تغالط التاريخ والجغرافيا والطبوغرافيا. ومن العجيب الملاحظ، أنّ هذه النخب كانت، وما زالت، تقول بأنّ ?مشكلة الجنوب? من صنع الإستعمار. فلو كان الأمر كذلك ـ لمَ أصبح الجنوبيّ الذي ترعرع في الشمال، والذي وُلد وعاش فيه، بين ليلة وضحاها، أجنبيّا ـ ويجب عليه الذهاب إلى حيث لا يشاء ويرغب/ إلى الجنوب؟!
فهل إنفكّت، أخيرا، تلك العقدة التي بَرَمها الإستعمار، والتي ظللنا لأكثر من نصف قرن ونحن نلاويها، فتأبى وتتأبّى؟!
وعلى تلك النخب نفسها، أن تخبرنا من الذي خلق وهندس، وتحت رعايته أصبح الشمال كياناتٍ دارفوريّة وبجاويّة ونوبيّة وجنوب نيل أزرق وأبيض وأحمر ـ حتى؟ من المسؤول عن ذلك، ومن الذي يجب أن يحاسب حسابا عسيرا؟

إنّ ثنائيّة شمال جنوب، قبل أن يحرَد الجنوب وبعده، كُرّست كمفهوم بغرض إيهام شعوب وقبائل وجماعات وأفراد: شرق، غرب وجنوب غرب، والشمال/ النيلي العربي المسلم، وشمال الشمال/ العجمي المسلم ـ بأنّهم كيانٌ وكتلة ثقافيّة ودينيّة واحدة موحّدة. فالنخبة الشماليّة التي ظلّت مهيمنة، وتصرّ على أن تظل كذلك، في مغالطات للتاريخ والوقع الجاري. فعمليّا، لم يعد الشمال الجغرافي/السياسي، في تركيبته تلك، إلا في أذهان السلطة الفاشيّة التي لا تملك من الحلول سوى البندقيّة. وكذلك، ذاك ?الشمال? المتخيّل، ما زال يعشعش في أذهان النخب الشماليّة الطائفيّة المعارضة (معارضة؟!!) الآن، والتي كانت حاكمة بالأمس، وهي التي أرست ومهّدت للكثير مما يجري من مَقتَلة تنداح من أركان السودان الأربع، مغرقة الأرض وما عليها.
هذا الواقع العجائبي، هو الذي أبرز معارضةً، واضعا إيّاها في مأزق تاريخي: أن تعارض النظام الفاشي من جهة، وأن تعارض المعارَضة النخبويّة/ البيضة التي أفقست مخلوقات (أعلى من الحشرات بقليل) تتحكّم في الرقاب، وتريد أن تلقط الحَبَّ من جبال النوبة ومراعي كردفان ومرتفعات البحر الأحمر لتخزنه في مطاميرها، فإنطبق عليها المثلُ الدجاجيُّ العتيق.

*

ضربتُ مثلا ببيان ـ إتحاد الكتّاب ـ الهزيل. وفي غزواتي للمواقع القوقليّة، هالني أن أرى هنا وهناك، العديد من كتّابنا ومبدعينا ملتفحين بأردية الحكماء والوعّاظ مُطلقين الفتاوى، حول (الكبيرة) التي إرتكبتها حكومة الجنوب. ويناصحون النظام المتخم بالعنجهيّة والعنصريّة والرذائل، سارق قوت خلق الله، النظام المجرم القاتل السفيه.

الكثيرون عبّروا عن سذاجة سياسيّة، وهم يناصحون النظام الذي هو لهم بالمرصاد. وإنساقوا وراء فرية ?الإجماع الوطني? الذي وقف مساندا للجيش في حربه الهجليجيّة التحريريّة! فهل الإجماع الوطني المعني، هو إجماع الشعوب القاطنة في السودان / الشمال، الذي يشمل دار فور وكردفان والنيل الأزرق وقبائل البجة وقاطني مناطق كجبار؟! أمّا إذا كان المعني هو الحكومات الإقليميّة التابعة للخرطوم في تلك الأصقاع، فإن ولاتها وجندرمتها ورؤساء برلماناتها ـ فهم من أكثر خلق الله مقتا مِن قِبل شعوبهم. والمغالطة الحقيقيّة تكمن في النظرة لـ قوّات(نا) المسلحة، فالجيش الذي هو أمامنا الآن، ليس سواء الذراع العسكري لبلطجيّة السياسة الإسلاماويين. يقوم ويقعد بإشارة من أصبع علي عثمان، أو يغمره الهيجان بعرضةِ العصا لرئيس الجمهوريّة المرتدي الجُبّة العسكريّة!
إنتو يا جماعة الخير، البشير ده مش قبل الإنتحابات، التي إنتحبت فيها أحزاب المعارضة قياداتها، قدّم إستقالتو؟!!

إنّ شعوب الغرب والأنقسنا قد حزمت أمرها منذ زمن بعيد وأشهرت سلاحها؛ وشعب البجة أرخى سلاحه، وأبقاه تحت قدميهِ، متحسّباً لما سيأتي غدا. ولم يبقى مراوحا سوى شعوب النيل: نظام، ومعارضة طائفيّة بحزب شيوعي يدور في فلكها، ومعارضةٌ معارِضةً لكلّ هذا العسفُ السخيف.

فلو كان النظام لا يطرف له جفن للمجاعات والأمراض والحروب التي تفتك بالرعيّة، فله العذر كلّ العذر ـ فهو صانعها بيديه ـ العسكريّة والأمنيّة. فيا مثقّفي الشمال إقتربوا قليلا من جماهير شعبكم، ولا تتركوهم لديماجوجيّة النظام التي يحرّك بها أهواء الناس وأشواقهم للشعور بالعزّة والكرامة الغائبة. النظام الذي يلعب بآخر أمل متبقٍّ له، مطويّا بين جوانح رعيّته:
الدين.

فيا مثقفينا ومبدعينا/
مُحاورة الشعب وهدايته لطريق إسقاط هذا النظام، لا مناصحته، هي الأجدى بالإهتمام،
التقرّب من الجماهير، لتعرفكم أكثر.. لتعرف جدّكم وعزمكم ومقدراتكم ونبلكم، أكثر..
لتمحوا ـ على الأقل ـ الفكرة السائدة، بأنّ:
لا بديل!

تعليق واحد

  1. حكومة هزيلة ومعارضة أهزل لا تعى ماتفعل تنقاد لنداء المؤتمر الوثنى دون تفكير ووعى وشعبنا فى اقاصى الشمال والشرق والنيل الازرق ودارفور ينذف يوميا من بطش هذة العصابة حقا موقف المعارضة كان مخذى ومؤلم للشعوب المضطهدة فى بلادنا

  2. ا أراه الأجدى فى المرحلة القادمة :
    الوقوف بقوة مع الخيار العسكري والإطاحة بهذا النظام ……… وتكوين حكومة عسكرية مؤقتة هدفها :
    محاسبة ومحاكمة كل رموز النظام وكل من شاركهم محاكمة عسكرية فورية وتنفيذ الأحكام . والمرجعية القانونية هى نفس القوانين الموجودة ألان والأحكام تنفذ بكل صلابة .. من اعدام وسجن مؤبد
    استرداد كل الاموال المسروقة .. سواء كانت فى السودان او خارجه …….. ماليزيا. سنغافورة امريكا سويسرا او أى دولة اخرى ……. الاموال المسروقة بصورة مباشرة او بأساليب ملتوية او مشبوهة
    الاعداد لانتخابات حرة نزيهة لاختيار حكومة انتقالية لمدة اربع سنوات لوضع دستور دائم . اذا لم تتمكن تلك الحكومة لوضع الدستور فى ظرف السنوات الأربع لا تمدد الفترة وانما تجرى انتخابات اخرى لاختيار حكومة اخري…..
    لماذا حكومة عسكرية فى البداية…… لانها سوف تكون قوية و قادرة على تصفية مجرمى الإنقاذ …… وتكفينا شر المغالطات ،،،، مثل عفا الله عما سلف …. لا انتقام … مصالحة وطنية ….. او أى مقولة
    اخرى تمكن من أجرم فى حق الشعب من الإفلات من العقاب….. ولكم في القصاص حياة يا اولى الألباب …… لا بد من محاسبة كل من دنس يده بدم ومال الشعب السوداني العظيم
    قد يتساءل احد من اين نأتي بحكومة عسكرية نزيهة والإنقاذ قد صفت الجيش و جعلته مليشيات …. حاملى السلاح الان بالاضافة الى منسوبي القوات المسلحة فى المنفى وهم كثر و الاحياء منهم الذين فصلوا بعد انقلاب الإنقاذ هم من نجب ان نكلفهم بهذه المهمة المحددة والفاعلة
    هذا والباب مفتوح لأي اقتراحات اخري ولكم شكرى

  3. لقد افتقد القارئ والمتابع منذ (اعتزال) كاتبنا الكبير مرتضى الغالي الكتابه لمثل هذا الكلام الصادق و( الفي السلك) الذي سمى الاشياء بمسمياتها دون مواربه ،
    نحيّيك عادل عبدالرحمن .. بس ما تغييب ، البلد بحاجة لمثل هذا القول المجرّد ، وسط هذا (الرماد) الكثيف و المنثور لحجب الحقيقه ، والذي يقوم به هتيفه النظام والمعارضه
    ليل نهار بلا حياء او اخلاق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..