مقالات وآراء سياسية

جرائم الحدود هل هى أمر إلهى مطلق أم فيها إجتهاد بشرى؟

صلاح فيصل

طاف هذا السؤال بفكرى منذ أمد بعيد و قد قلبت آلاف الصفحات علنى أجد إجابة ,لم يك هذا التساؤل وليد شك فى إيمانى أو حجية القرآن و لكن الامر يبدو أكثر من مجرد عقوبات على جرائم خطيرة بل هو أكثر تعقيدا ففيه علم اللغة العربية وفقه القرآن و فقه السنة و علم أصول الفقه والعلوم الحديثة بل تطور الامر الى إستخدام مصطلح جرائم الحدود فى ما يسمى بقوانين الشريعة, وتطور الامر لدينا محليا ان صار هذا المصطلح حصان طروادة لفئة خربت و سرقت بلدنا و أثقلت كاهل مواطنينا بينما هى ترفل فى النعيم,تطور الامر عالميا إلى نمو الاسلاموفوبيا و الحركات المتطرفة و تصادم جرائم الحدود مع قواعد حقوق الانسان,فى هذا المقال لا اقول أسلط الضوء على الحقيقة بينما هو قدح لزناد العقل و التفكير خارج الصندوق عل الجميع يجد إجابة فمعظم من فى وطننا من المسلمين و ثلة من أهل الكتاب إخوتنا فى الدين السماوى .
الاطار العام للتساؤل هو أن علم اصول الفقه بنى اصلا على المرويات التى شملت السيرة النبوية و تفسير أو تأويل القرآن و السنة النبوية التى أجمعت المرويات على أن الرسول الكريم منع تدوينها فى حياته و ظلت فى صدور الرجال فى طور الثقافة الشفوية حوالى مائة و خمسون عاما إلى أن دونت و صنفت فى العهد الاموي و نشأ علم اصول الفقه بشكله الحالى فى العهد العباسي, ظهر الائمة الاربعة فى تلك الفترة و مازال معظم المسلمين يجترون فقههم بالرغم مرور أكثر من ألف عام على وفاة آخرهم,ليس هذا قدحا فى علمهم الغزير لكن عصرنا فيه تحديات كثيرة على كافة الصعد الدينية و الاخلاقية و الحياتية مما يستلزم إعادة النظر فى بعض الاشياء.
المتعصبون لفقه السنة يحتجون بأشياء غير صحيحة لاكسابها الحجية التامة مع أننا لا ننكر أن هناك أحاديث كثيرة لا يشك فى صحتها و لكن السنة ليست مثل القرآن فلم يتكفل الله سبحانه بحفظها و يلجأون لاساليب عدة لاقناع الاخرين بحجتهم مثل أن الذى أوصل إلينا القرآن أوصل إلينا السنة, يلجأون لاسلوب التهديد حينا بأن من ينكر السنة يعصى الرسول بل ووصل بهم الامر إلى القول بنسخ السنة للقرآن مع أنه تعالى قال عن القرآن أنه أحسن الحديث, كما فسروا بعض الآيات خطأ مثل( و أنزلنا إلينا الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) و هذه الآية خاصة بالقرآن,الامر كله إننا لو كنا متأكدين 100% أن هذا هو قول الرسول لما تجرأ أحد على إخضاع السنة للبحث العلمي و التنقيح.
فهم القرآن يبدأ من فهم إسمه ,للقرآن أسماء كثيرة لكن أظهرها هو (الذكر) و المقصود بالذكر هو التأريخ بما يحتويه من خلق الكون و الارض و الانسان و قصص الاولين و الانبياء و المواعظ  و الاحكام و ذكر الله و قد سمى أهل الكتاب بأهل الذكر لانهم كانوا يحافظون على التأريخ البشرى و الدينى كما وصلهم من أجدادهم الانبياء فى عصر الثقافة الشفهية ثم دونوه لاحقا ,قال تعالى : وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۚ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (43) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ ۗ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) النحل, وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9) الحجر و قال تعالى: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ۖ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ (44) الزخرف.
عندما يقول القرآن : ذَٰلِكَ نَتْلُوهُ عَلَيْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58) آل عمران  مع وجود آيات عدة تحض على تدبر القرآن مثل أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها و لقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر نعلم يقينا أن القرآن فعلا كتاب هداية و إرشاد و حكمة لكنه لا يحوى حلولا جاهزة و أن الاسلام دين ديناميكى يتفاعل مع زمنه و محيطه فيما عدا الثوابت و الحكمة المقصودة لا تعد أوامرا مباشرة لكل عصر الا أذا اقتضى السياق ذلكو ذكر لك و لقومك فهذا يعنى أن فيه كثيرا مما يختص بفترة وجود الرسول والصحابة, عندما يقول القرآن مثلا قوم موسي فهذا يعنى الذين عاصروا موسي و هذه وظيفة الفقهاء أن يفرقوا بين ما هو خاص بالرسول و قومه و ما هو عام لكل عصر من العصور.
أول معضلة تواجهنا فى هذا المبحث هو كلمة (حدود), العجيب في الأمر أن كلمة “حدود”، والتي يطالب الإسلاميون بتنفيذها كجزء من الشريعة الإسلامية، لم تأت في كتاب الله ولو لمرة واحدة ـ كما يتصور الكثيرون ـ لوصف أي عقوبة بدنية، بل على العكس من ذلك تماما فإن كلمة “حدود” جاءت في عدة مواضع لا علاقة لها بالعقوبات البدنية.
فعلى سبيل المثال استخدم القرآن كلمة “حدود” لمنع الزوج من إخراج زوجته من منزل الزوجية وجاءت أيضا لإقرار مبدأ المعاملة الراقية بين الزوجين في حالة الطلاق، وكذلك لمنع العلاقة الجسدية بين الزوج وزوجته داخل المساجد احتراما لدور العبادة، أو المواريث  وهذه بعض الآيات التي ذكرت فيها كلمة “حدود” لوصف هذه المبادئ:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ ۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا (1) الطلاق.
أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)البقرة
وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ (12) تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13)النساء
الله سبحانه بين لنا أن القرآن كتاب مكنون و هذا يعنى أن فيه معان تحتاج لجهد بحسب المتلقى و مفتاح فهم القرآن هو هذه الآية : اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)الزمر
قال معظم المفسرين بأن متشابها تعنى مبهم المعنى و قال بعضهم يشبه بعضه بعضا و فى ذلك قال تعالى ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا و هذا هو المعنى الاصح, من أراد تفسير القرىن فعليه بتتبع الكلمة فى باقى الكتاب ليحصل على افضل معنى لها و يلاحظ أن كل كلمة قد وجدت لتؤدى المعنى المراد منها تماما أما مثانى فتعنى مثانى المعنى فى بعض الآيات بحسب المتلقى ,المثانية تتبدى أيضا فى أن تؤدى كلمة واحدة غرضين فى نفس الآية, و التشابه موجود فى عدة صور,إما كلمة تشبه كلمة فى استخدامها أو آية تشبه آية فى معناها أو آية أو آيات تشبه حقيقة ما فى أحد مجالات  العلوم.
بنظرة عامة لما سمى بجرائم الحدود نجد أنها كلها تتفق فى عدة أشياء, أنها كانت عقوبات مألوفة فى زمن الرسول ,بعضها مقارنة كان رحمة فمثلا فى كثير من الحالات  السارق كان يقتل أو يعذب, أنها كانت متسقة مع الامكانيات المتواضعة  لدولة المدينة الوليدة فلم تحتو على السجن الذى كان يحتاج لمبان خاصة, الجرائم المبينة كانت بسيطة و لا تغطى كثيرا من جرائم عصرنا الحالى و البينة المطلوبة فيها أيضا متواضعة لا تنسجم مع قواعد العدالة المألوفة فى أيامنا و لا ما أتاحه التقدم العلمى فى هذا المضمار مثل فحص الدى ان أيه و البصمة و إليكم هذا المثال من محاكمنا !!
أدانت محكمة النظام العام بالكلاكلة برئاسة القاضي وليد خالد فتاة خرساء تحت طائلة المادة (146) من القانون الجنائي (الزنا) وأوقعت عليها عقوبة الجلد (100) جلدة حداً، وذلك لإنجابها لمولود «سفاحاً» بمنطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، واستعانت المحكمة بمترجم لاستجواب المدانة حيث اوصفت لها كيفية ارتكاب الجريمة قائلة إن المتهم هو ابن الجيران وإنه كان يصطحبها إلى منزله عندما يلتقيها في الطريق ويمارس معها الرزيلة بعد أن وعدها وأوهمها بالزواج وعندما حبلت منه تركها، ودون ذووها بلاغاً في مواجهتهما عندما علموا بالواقعة، وأقرت بالجريمة بعد أن وضعت حملها، فيما أنكر المتهم صلته بما نسب إليه من اتهام ونفى علاقته بالمولود في الوقت الذي أكدت فيه نتيجة المعامل الجنائبة عبر فحص (DNA) نسب المولود إليه إلا أن المحكمة قالت إن هذه الجرائم الحدية يتم إثباتها بالشهود والإقرار، وبإنكار المتهم وعدم وجود شهود اتهام تم شطب الاتهام في مواجهته وإخلاء سبيله!!!!!
فيما يلى نستعرض ما سمى بجرائم الحدود و مدلولها القرآنى :
الحرابة : إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ ۖ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(34) المائدة
هذه الاية بحسب المرويات نزلت في قوم من العرنيين الذين اشتكوا مرض بطونهم وأرشدهم النبي ﷺ إلى أن يخرجوا إلى إبل الصدقة فيكونوا فيها، فلما صحوا سملوا أعين  راعي النبي ﷺ  وقتلوه وأخذوا الإبل وشردوا بها، فألحقهم النبي ﷺجيشًا فأدركوهم وأخذوا الإبل منهم وأمسكوهم، فعاقبهم النبي ﷺ بهذه العقوبة، لأنهم قطاع طريق، اعتدوا على إبل النبي ﷺ.
ألاية واضح أنها حكم خاص بالنبى الكريم لاغير كما يتبدى فى الصياغة و كلمة جزاء بحسب القرآن ترد عادة عندما يكون هناك مقابل غير محدد سواء كان عقابا أو ثوابا , فهنا أربعة أنواع من الجزاء السيء و هناك إستثناء لمن يتوب قبل القدرة عليه,لا يعقل أن تكون هذه العقوبة فى أيدى الحكام الظلمة ليجوروا بها على من يخالفهم و يدعون أنهم يمثلون رسول الله.
السرقة,هذه من أعقد الآيات بالرغم من بساطتها الظاهرة مما يبرز المثانية: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)المائدة
هذه ألاية أتت مسبوقة بواو العطف بعد ثلاث آيات من آية الحرابة مما يدلل على ظرفيتها , السارق و السارقة أتت مسبوقة بالف لام التعريف و هذا فى النسق القرآنى لا يدلل على فعل سرقة واحد بل التعود فقد ورد فى سورة يوسف (ان إبنك سرق) و فى قتل النفس من قتل نفسا أو من قتل مؤمنا متعمدا و لكن لم يرد (القاتل) مثلا, ورد السارق الذكر قبل الانثى لان معظم السرقات تتم بواسطة الذكور, فاقطعوا أيديهما تعنى القطع رغم ما حاول كثير من المجتهدين العصريين تغبيش المعنى و لكن أذا صبرنا لنهاية القصة نجد أن القطع ليس بهذه البساطة,فى كل الاحوال كان القطع أمرا عاديا فى ذلك الزمان  بل و رحمة حيث كان السارق فى كثير من الاحوال يقتل و بعد تعذيب شديد, الجزاء قلنا يأتى حسب النسق القرآنى لمقابل غير محدد, هناك فرق فى القرآن بين الكسب و الاكتساب و مثله كسب السيئات حيث الكسب يدلل على تسليط الضوء على المنفعة بينما الاكتساب أو كسب السيئات يدلل على إكتساب الاثام أو الذنوب أو السيئات, النكال فى النسق القرآنى هو القيد سواء كان ماديا أو معنويا فبهذا المعنى قطع اليد بجانب أنه نكال و ردع للسارق و السارقة فهو أيضا نكال فى العقوبة لاولى الامر حتى لا يتجاوزوا فيما فوق قطع اليد أو يعذبوا السارق أو السارقة , تدليلا على كل هذه المعانى ختمت الآية ب و الله عزيز حكيم ,بتتبع الايات التى ختمت بعزيز حكيم نجد أن هذه الخاتمة ترد فى الآيات التى فيها شرح لاحوال تتردد بين الشدة فى البداية و اليسر فى النهاية و يتبدى ذلك فى الايتين الاخيرتين بعد نكال القطع حيث سمح برفع عقوبة القطع ان تاب الجانى و أصلح ثم منع العذاب و جعل ذلك شأنا خاصا بالله سبحانه وحده,بصفة عامة الايات المشار اليها فى جرم السرقة تعاملت معها كظاهرة إجتماعية و قانونية.
يلاحظ أن هذه الايات لم تعرف السرقة و تعريفها البسيط هو أنها أخذ مال بدون وجه حق من مالكه علما بانها تشمل طيفا واسعا من ذلك الفعل يتوسع فى زماننا هذا و قد يشمل حتى الملكية الفكرية و جرائم الفساد من اختلاس و خيانة امانة,لكنها  لم تحدد أى نوع منها و لا نصابها الادنى ولا كيفية القطع و لاأستثناءاتها من سرقة زوجة أو أبن أو أب أو مجنون  أو مسالة معتاد السرقة ,يدلل ذلك فعلا على ظرفية الحكم و عدم صلاحه لكل زمان و مكان و مساحة الاجتهاد فيه بين حديه الاعلى و الادنى و إن كان القصد منه النكال فالعجيب في هذا الشأن أن السلفيين والأصوليين لا يتوانون عن ترديد زعمهم أن “بتر” يد السارق هي أعظم رادع يمنع السرقة، وكأنهم نسوا تماما أو تناسوا أن دولا مثل السويد والنرويج وفنلندا هي من أقل ـ إن لم تكن أقل ـ الدول في العالم في مثل هذا النوع من الجرائم، بالرغم أنها لا تطبق هذا النوع من العقوبات العنيفة على الإطلاق بل وتعتبرها جريمة شنعاء في حق الإنسانية,لماذا؟ هناك عدالة اجتماعية و سيادة لحكم القانون و شعب واعى.
إن بتر يد السارق ليس مبدأ أساسيا في الإسلام، وإنما هو أمر من أمور الشورى والتغيير تبعا للظروف، والدليل على ذلك أن عمر بن الخطاب نفسه وهو ثاني الخلفاء الراشدين وهو واحد من العشرة المبشرين بالجنة كما جاء في كتب الحديث أوقف العمل بما يسمى (حد السرقة) في عام الرمادة، ولو كان عدم تطبيق “بتر اليد” على السارق خروجا على الإسلام لكان عمر بن الخطاب أول من خرج عن الدين. فهل يجوز اتهام عمر بن الخطاب بأنه خرج عن الإسلام لإيقافه العمل بحد السرقة؟ وهل يجوز وصف عمر بالكفر بناء على الآية “وَمنْ لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ـ سورة المائدة آية 44″، أم أن فهمه للدين كان أعم وأشمل من فهمنا المحدود والحرفي له؟ فلم يجد أي مشكلة في إيقاف العمل بهذا الفهم للآية.
حد الردة: ليس له نص الا فى المرويات و هو يناقض القرآن نفسه و لا داعى لنقضه.
حد الرجم : قالوا أنه كان فى التوراة ,هذا شئ غريب فقد قال القرآن عن العقوبات التوراتية  وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ۚ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ ۚ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) المائدة,السؤال الذى يطرح نفسه بالحاح هنا كيف يمكن أن تكون فى التوراة عقوبة بهذه الشدة و لا يذكرها القرآن فى هذه الآية؟
أما عن سند الفقهاء السلفيين فهو أن هناك آية نسخ رسمها و بقى حكمها تأمر بالرجم مع أن القرآن نفسه يقول ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها.
أما عن عن فعل الزنا نفسه فقد وردت عقوبته فى سورة النور و التى ابتدرت بافتتاحية فريدة: سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ ۖ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) لاحظ التشديد فى أنزلناها و فرضناها و انزلنا فيها آيات بينات و ختمت ب لعلكم تذكرون و ما أسرع ما نسي القوم و تقطعوا أمرهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون.
قال الفقهاء أن الزانية وردت قبل الزاني لان الانثى هى التى تحرض على الزنا و هذا تفسير ذكورى فيه تجن على المرأة لان الرجل هو أكبر فاعل فى الزنا و الاغتصاب و الاغواء و الاجبار,اضافة الف لام التوكيد تدل على الاعتياد او ما يسمى بالدعارة و الرجال هم الزبائن.
على كل حال قبل التطرق لعقوبة الجلد فاثبات واقعة الزنا أصلا شبه مستحيل بحسب البينة الشرعية المطلوبة مما جعل المملكة السعودية تضطر لقفل باب الدعارة باجتراح جريمة وضعية تسمى (الاختلاء) حتى تتمكن من محاصرة الظاهرة التى تفشت على إيدى الوافدين حيث تسبب فيها إختلاف الثقافة مع حرمان عدد كبير من الرجال العزاب من وجود الزوجة أو المرأة فى حياتهم بالمملكة.
عقوبة الجلد المنصوص عليها فى حالة الزنا و حد القذف و حد شرب الخمر المجتهد فيه هى عقوبة قديمة و ظرفية و حرف الفاء الوارد فى فأقطعوا و فأجلدوا ليس بالضرورة أمرا عاما فنجد مثلا فى القرآن : (فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب) , طيب نحن نلاقى الذين كفروا آلاف المرات فى عصر العولمة هذا فهل نحمل اسيافنا و نقطع رؤوسهم؟ و اذا حدث إن لاقيناهم فى حرب فهل نترك سلاح اليوم من طائرات و دبابات و راجمات و مدافع و بنادق و نقاتلهم بالسيف؟ حتما سنهزم شر هزيمة  و مثل هذا كثير,حتى عقوبة الجلد قد يتبدى لنا فيها دور الاجتهاد البشري فلم يبين القرآن شيئا عن مسقطات عقوبة الجلد او تأجيلها من مرض أو كبر سن أو غيره.
وهذا دور الفقهاء المحدثين المتحررين من الافكار المسبقة ذوى الشجاعة فى الاعتراف بوجود مشكلة, وجود عبارات فى القرآن مثل : اتبعوا أحسن ما أنزل اليكم من ربكم,خذ العفو و أمر بالعرف,الامر بالمعروف و النهى عن المنكر ومن المعروف أن المعروف و المنكرمتغيران ما عدا ثوابت الدين, إلا أن تتقوا منهم تقاة, فمن اضطر غير باغ و لا عاد, و اتقوا الله ما أستطعتم تكشف لنا أن الغرض من الذكر الحكيم (التأريخ المقدس) هو أن نأخذ منه ما إستطعنا وينفعنا مع الاحتفاظ بالثوابت و إستلهام روح الدين.
إن كان إرشاد الانسان واحدا فى كل العصور لما ارسل الله سبحانه كثيرا من الانبياء و الرسل و و لكنه ختم الرسالات برسالة النبى الخاتم و ذلك دلالة على إكتمال عقل الانسان ووضعه امام مسؤليته الرهيبة أمام نفسه و مجتمعه و الكون و الاله, الامتحان الكبير أمام المجددين هو تلك الكتب القديمة التى حوت مناهجا عفى عليها الدهر و تتلمذ على يديها مئات الالوف من العلماء و الدعاة بعضهم  غير متعلم و بعضهم مستنير لكن أرتبطت مصالحهم بها و آخرين أخذوا عليها شهادات علمية سيكونون فى مقدمة المدافعين عنها مهما كان الامر.

صلاح فيصل

‫4 تعليقات

  1. تـوجـد تـفـسـيـرات كـثـيـرة و مخـتلفة ومـتـنـوعـة لكل الأحكام التى وردت فى هـذا الـمـقـال من بعض المفـكريـن الأسـلامـيـن أمثال : الدكـتور مهـندس / محمد شـحرور وعلى الكيالى ومحمد هـداية الله والمحامى المصرى احمد … الخ ……. ويـمـكـن الحصول عـليها من الـيـو تـيـوب وفى الحقيقة يجـب عـدم اتبـاع الأئـمـة الأربعـة الذين مضى عـليهم اكثـر من الف عام بل اتـبـاع فـتـاوى واحكام تـتـناسـب مع وقـع الحـياة التى نعـيشها الآن فكل زمان يخـتـلـف عـن الزمان الذى يـسـبـقـه .

  2. الكاتب طرق موضوع مهم جدا،
    بعض كلامه فيه صواب، و البعض الاخر فيه خطأ.
    لكن جزاه الله خيرا علي اجتهاده.

    و حزي الله الشيوخ شرا علي دكتاتوريتهم و كهنوتهم الديني.
    فهم يقولون ان رأيهم دين من عند الله يجب اتباعه
    يبنما المفكرين الاسلامية يقولون ان اراءهم هي مجرد اراء..
    و هذا صحيح لانه مطابق لقول الله تعالي:
    الذين يستمعون القول فيتبعون احسنه، اولائك الذين هدي الله و اولائك هم اولي الالباب.
    فانا افعل ما امرني به ربي بأن استمع لكل الاقوال فأتبع احسنها
    لكن الشيوخ يلزموك ان تتبعهم هم فقط، و الا يقولون عن كتفر
    سبحان الله علي جهلهم

  3. الاستاذ صلاح فيصل لقد طرقت بابا مهماً ذلك لأن كافة السلفيين اليوم لا يميزون الخطاب القرآني ويطبقون كل أمر على كافة المسلمين ويقولون بأن خطاب الله لنبيه هو خطاب لنا بكل بلاهة.
    لذا فهذا مبحث جيد ولابد من فهم الخطاب القرآني ومن هم المخاطبين وهل خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وحده أم له وأصحابه أو وقومه الذين اتبعوه منهم والكافرين أم للمسلين في كل عصر أم للناس جميعاً إلى يوم الدين! وهذا النظر أشد ما يكون إلحاحا في خطاب التكليف بآيات الأحكام الشرعية للمسلمين في شئونهم الفردية وفي شئونهم فيما بينهم وبشانهم مع غيرهم أهل كتب سماوية وخلافهم في الإنسانية جمعاء والتي كرم الله انسانيتهم بصرف النظر عن دياناتهم. ففي أحكام الحرب نجد أن غالب سورة الأنفال إما تخص النبي صلى الله عليه وسلم بصفته نبيا أو رسولا أو تخاطب النبي وأصحابه أي من اتبعه من المؤمنين أو النبي وقومه المؤمنين والمشركين فجاءت الأحكام مقتصرة عليهم وخاصة بهم لخصوصية وجود النبي بينهم وما ينزل عليه من الوحي لا زال فيردون كل أمر إليه ليعلموا حكم الله فيه إن كان قد نزل أو قد ينزل، فالمهم في الأمر أن الوحي لم ينقطع بعد وأنه من المحتمل أن ينزل قرآن يعدل أو يستثني بعض الأحكام ومن ثم كانت الخصوصية في الخطاب القرآني بخصوص تلك الفترة وخصوصية وجود الرسول وكيل الله في الارض في معيتهم. وهذا يشمل آية السيف بسورة التوبة وهي معضلة كبيرة أعجزت السلفية.
    وكذلك الأحكام الشرعية الاجتماعية في معالجة مسائل المجتمعات القائمة آنذاك ومنها الأحوال الشخصية والرق والتبني وولاء العتق من العبودية والموالي إلخ.
    وبالطبع، ومع هذا الخطاب الخاص بهذه الفترة وهذه الجماعات،، فقد تخلله إرشاد عام إلى أمور هي من قبيل الحكمة وليس الأحكام ذلك أن الله هو الخالق وهو بصير بالعباد مؤمنهم وكافرهم شاء أم أبى وهذه الحكم هي من أمور الكون في كل مكان وزمان ولا يمكن تقييدها بهما ويزخر بها جل القرآن وهي أمور يدركها العقلاء من البشر ولا تقتصر على مسلم أو خلافه ومنها ما تدركه الفطرة الإنسانية السليمة ويقتدي بها ذوو الألباب في كل زمان ومكان.
    كذلك ملاحظتك في تسمية الحدود في النص القرآني وتسميتها في الفقه الجزائي عند فقهاء السلف ملاحظة في محلها حيث لم ترد كلمة حدود بالمعني الفقهي في النص القرآني الذي تكلم فقط في حدود الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية والمعاملات المدنية. غير أن مقصود الفقه الجنائي الاسلامي بالحدود هو تكفل النص القرآني ببيان فعله وتحديد عقوبته تحديداً قاطعا من الله ولم يتركه لولي الأمر أو القاضي كما في التعازير.
    أما فيما يتعلق يفهم وتفسير وتطبيق الحدود فهو بلا شك جهد بشري متروك لمن يفقه لغة القرآن وأساليبه في استخدامها بالنص القرآني بدقة مقصودة وليست كقول البشر الذين يطلقون العبارة ويريدون بها شيئاً فلا يقدرون على تعيينه على وجه الدقة.
    ففي آية الحرابة استخدم القران كلمات مثل: أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ …. ولم يقل أن يقْتلوا أو يصْلبوا أو تقْطع أيديهم، ومعلوم أن فعل يقاتل ليس كفعل يقْتل لأن القتال يفترض جمعاً من المحاربين. وكذا قاتِل وااقتُل كما ورد في آية (حد) البغْي تجاوزاً. ففغل المقاتلة والتقتيل فعل مشترك بين من فُوِّض بالقتال وبين المراد قتاله وقتله. فهذه الأفعال لا يمكن تصورها إلا في حالة المواجهة أي المعركة في الحرب وليس في ساحة القضاء فالقاضي لا يقاتل وإنما يحكم بالقتل ولا يكون له ذلك إلا بعد القدرة على المحاربين أو الباغين وأسرهم ثم تقيمهم للمحاكمة.. وعلى هذا فالقتل أثناء الحرابة ومقارعة المحاربين والباغين ليس هو الحد المقصود وانما الحد المقصود هو الذي يطبق بعد القدرة على الباغين والمحاربين وأسرهم. فالباغي الأسير يقتل بمن قتل قصاصاً وكذا المحارب وفي هذا معنى يقَتَلوا جمع أو فغل مبالغة للتكثير أي يقتل كل من قَتَل منهم نفساً وينطبق هذا على تُقطَّع أيديهم وأرجُلُهم من خلاف، أي يد ورِجل كل من نهب مالاً بالقوة. فحدّ الحرابة هو جمع بين حد القصاص وحد السرقة وأضيفت إليه عقوبة القطع من خلاف والصلب بعد القتل لِمَن ارتكب جرائم الحرابة الثلاث (أي روَّعَ وأخافَ ونهب وقتل) والنفي لمن أخاف الطريق فقط ولم ينهب أو يقتل. فهذا الحد بهذا الفهم لا خلاف عليه ولكن حد البغي لم ترد فيه عقوبة نصاً بعد القدرة على الباغين وأسرهم وانما يلزمون بديات من قتلوا، وهو بهذا لا يمكن تسميته حداً لعدم تحديده عقوبة بدنية جزائية كحد الحرابة والسرقة والزنا. وأما بقية الحدود كالردة والرجم وجلد شارب الخمر فلم يرد بها نص قرآني استيفاء لتعريف الحد عند الفقهاء أنفسهم.

  4. بعض فقهاء السلف عدوا الحدود سبعة ولكن الصحيح بعد التمحيص هي أربعة فقط والخامس القصاص وهو حد لله من ناحية الشكل أي النص وحق خاص في الدماء (النفس والجراح) لولي الدم يعلو على الحق العام الذي عقوبته هي التعزير وليس القصاص ولا يبلغ التعزير حد القصاص في النفس. والحدود الأربعة هي حد القطع في السرقة (١) والقطع من خلاف والصلب بعد القتل والنفي من الأرض (السجن في غير موطن الجاني) في الحرابة (٢) والزنا (٣) والقذف (٤).
    ويلاحظ أن هذه الجرائم بما فيها جريمة القتل العمد تعد جرائم لدى جميع الإنسانية ما عدا جريمة الزنا فهي لا تعد جناية يعاقب عليها عند بعض الشعوب شريطة ارتكابها في السر ومع ذلك تترتب عليها آثار عقابية مثل التطليق أو التفريق بين الزوجين والحرمان من حضانة الأطفال إن وجدوا وهذا عند المسلمين وغيرهم، والحرمان من الإرث أو قسمة الممتلكات الزوجية عند غير المسلمين أو المدنيين اللادينيين في الغرب وتوابعه.
    وعليه فإن وجود هذه الحدود الأربعة في الشريعة الإسلامية لا يكون مثارا لأي حرج للمسلمين لأن هذه سنة الله في فطرة خلقه لبني الإنسان ولكن الحرج ياتي فقط من جهة شكل العقوبة المقررة حدا مثل قطع الأطراف. غير أن الملاحظ طبيعة العقوبات الحدية هي أنها إما من جنس العمل أو الغرض منها الحرمان من وسيلة ارتكاب الجريمة أي العضو الذي يستخدمه الجاني في فعل الجريمة. بعبارة أخرى الهدف هو منع الجاني من الاستمرار في تكرار ارتكاب الجريمة، وليس مجرد ردعه كما هو هدف العقاب عند الغرب سواء كان الردع الخاص بالجاني أو الردع العام لغيره. وإن كان الردع بهذين المعنيين يتحقق بمجرد تطبيق العقوبات علنا، مثل الصلب، إلا أن الهدف الغالب من إقامة الحدود هو تعطيل الجاني من تكرار الفعل أو حتى ردعه هو شخصياً على الأقل إن لم يكن الردع مرادا تعديته للغير كذلك.فالعقوبات الحدية يتراوح هدفها بين التعطيل بالاستئصال أي بقتل الجاني أو قطع يده ورجله اللتين يبطش بهما، وبين الردع الخاص للجاني والعام للغير. فإن كان الأمر أمر تعطيل للجاني من القدرة على حمل السلاح الذي يخيف ويقطع به الطريق لإرهاب المارة ونهبهم، فهذا هو أسلوب التعطيل الذي كان متاحاً حين نزلت الحدود، حيث لم يكن ولي الأمر قادراً على تأمين الطرق بحراستها ولا مراقبتها ولم يكن يملك وسائل التدخل السريع لمنع الاعتداء في طرق المسلمين مثل ما هو متاح اليوم لأجهزة الأمن في كل بلد، ولم تعد السياسات الجنائية وبالأخص سياسة منع الجريمة قبل وقوعها هي الأمر السائد اليوم على السياسة العقابية بعد وقوع الجريمة. ولكن بالطبع هذا لا يلغي السياسة العقابية البعدية إلا أنه يقلل كثيرا من وقوع الجرائم ويغنينا عن كثير من التطبيق الفعلي للعقوبات أيا كان شكلها وأيا كان الاعتراض على هذا الشكل. وللكلام بقية إن بقيت النفس حية بإذن الحي القيوم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..