مقالات سياسية

الأبناء أيضا يأكلون ثورتهم

تتردد كثيرا على المسامع وترد في كتابات الكتاب السياسيين عبارة (الثورة تأكل بنيها)، والعبارة لها كثير من الشواهد في التاريخ السياسي العالمي والاقليمي تشهد على صحتها، ومن أبرز الشواهد ما فعلته الثورة الفرنسية الموسومة ب(أم الثورات) بالقائد الشهير نابليون بونابرت الذي انتهى به المطاف الثوري للنفي الى احدى الجزر الفرنسية النائية، والثورة الروسية كذلك أصابتها لعنة الخلاف والتنازع فما فعله خورتشوف بعد أن تسنم السلطه بسلفه ستالين واتهامه بالاستبداد والديكتاتورية معروف ومحفوظ في أضابير التاريخ، وعلى المستوى الاقليمي نذكر ثورة يوليو المصرية وثورة ايران الاسلامية وغيرها وغيرها من ثورات لم تتورع من أكل بنيها، وهذا مبحث كبير ليس هو موضوعنا هنا..

موضوعنا هو اذا ما كانت الثورة تأكل بنيها، فالأبناء أيضا يمكن أن يأكلوا ثورتهم ولا ننسى أن نضيف أن الانقلاب يمكن أن يأكل شيخه وهذا ثابت بالدليل، فكم وكم من ثورة أكلها أبناؤها كما تأكل القطة بنيها، فالقطة لا تأكل بنيها أول ولادتهم وانما تبدأ بالاعتناء بهم وملاعبتهم ولا تسمح لأحد الاقتراب منهم، ويا ويل من يقترب منهم فستوسعه نهشا وخربشة، ولكن رغم كل هذا الحنو والعطف الأمومي فانها لا تتردد من قتلهم وأكلهم لتقديرات تقدرها وأسباب مختلفة ومتعددة تراها، يمكن اجمالها في عبارة (من الحب والحرص ما قتل)، وهذا بالضبط ما يفعله الأبناء الذين يأكلون ثورتهم من حيث يريدون حمايتها وتحقيق أهدافها وتنزيل شعاراتها كاملة، ولماذا نذهب بعيدا للاتيان بدليل على ذلك فبين ظهرانينا هنا في السودان خير مثال.

اذ لم يجهض الديمقراطية الثالثة من بين مجهضون آخرون الا الاشتطاط في ممارسة الديمقراطية من قبل الديمقراطيين النقابيين، وهذا ما نخشى تكرار حدوثه مع ثورة ديسمبر أبريل العظيمة، فقد أضرت أيما ضرر الاضرابات الكثيرة والوقفات الاحتجاجية المتوالية والبيانات المتواترة بالديمقراطية التي ولدت من رحم انتفاضة أبريل 1985، علاوة على الاختلافات والصراعات التي دبت بين مكونات الائتلاف الحزبي الحاكم حينها، الأمر الذي زاد من تضعضع النظام الديمقراطي على هشاشته فأدى ذلك لاجهاض التجربة من بين مجهضات ومجهضون آخرون هم أصلا أعداء للديمقراطية، فما بال الديمقراطيون يعينونهم على اجهاضها، وهذا ما نتخوف منه الآن بأن يؤدي الاستعجال لتحقيق أهداف الثورة كاملة غير منقوصة ولم تمضي سوى بضعة أيام على تسمية وزراء الحكم المدني الديمقراطي لاجهاض الثورة وهي لم تعد في المهد طفلة، علما بأن أكثر ما تحتاجه الفترة الانتقالية هو الهدؤ والاستقرار لممارسة أعمالها العسيرة والثقيلة في جو معافى لا تكدره اضرابات ووقفات احتجاجية ولا تشوش عليه المسيرات، وعليه يبقى لزاما على الديمقراطيين ان كانوا فعلا حريصين على ثورتهم وديمقراطيتهم الوليدة، أن يكونوا عونا لمن اختاروهم بطوعهم وارادتهم لتسيير أعمال الانتقال، لا أن يكونوا عليهم في صف أعداء الثورة والمتربضين بها وما أمكرهم وأخبثهم..

‫3 تعليقات

  1. اكثر مقال مفيد قرأته مؤخرا. فعلا الاضرابات الفئوية اضرت كثيرا بالديمقراطية الثالثة. اتمي ارجاء الاحتجاجات لمدة عام ونفسح المحال للوزراء باداء مهامهم. هذا لا يمنع النقد البناء عبر الصحف وغيرها من الوسائل. دعونا نعطي هذه الديمقراطية فرصة للنضوج.

  2. انتو بتحسبو من تاريخ اداء الوزراء للقسم
    قبل ايام
    نحنا بنحسب من اول مظاهرة
    من اول شهيد
    لاننا اعتبرنا حكومة حمدوك وترشيحات قحت هي حكومة الثورة
    المفروض تكون عارفة برنامج الثورة وتبدا من اول دقيقة تنفذه
    عشان كده ما تلومونا وتقولو مستعجلين
    ده وقت كافي جدا عشان تتنفذ حاجات اساسية وبسيطة
    حاجات بنعتبرها بديهيات وناس الحكومة عاوزين يعملوها
    انجازات ضخمة وحاجات مستحيلة حققوها

  3. ان تخاف على الديمقراطية من الإحتجاجات والوقفات والإضرابات دا زاتو اس الشمولية اللي ما زال يعشعش في الروسين …

    الديمقراطية تتقوى بالإحتجاجات والوقفات …

    يجب ان نفرق بين ممارسة الحكم والديمقراطية …..

    ليس بالضرورة ان تنصاع الحكومة لمطالب المحتجين طالما انها واثقة بأنها تسير في الدرب الصحيح الذي يلبي طلبات اكثرية الشعب

    الحلول “البلدية ” و” الجودية” في حل مشاكل الشعب دا ما وقتها بالطلب بإرجاء المطالبات … ليه نرجي مطالبات تعيين رئيس القضاء لحدي ما كذا وكذا ؟

    يمكن وضع اسس قانونية عادلة لا تتخطاها المطالبات بحيث انها مثلا لا تضر بمصالح الناس …الخ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..