مقالات سياسية

هل بالإمكان تعديل وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2019م؟

على الرغم من أنه لم يتسني لي الاطلاع على النسخة الرسمية من وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2019م ، التي تم إيداعها بوزارة العدل ، ورغما عما أثير من تباينات حول صور الوثيقة المتداولة في الأسافير، لا أملك خيارا آخر سوى الاعتماد على النسخة التي وصلتني ممهورة من قبل الفريق أول محمد حمدان دقلو موسى ، نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي المفوض ، والأستاذ أحمد ربيع سيد أحمد ، المفوض من قبل قوى إعلان الحرية والتغير ، بتاريخ السادس عشر من ذي الحجة 1440هـ ، الموافق السابع عشر من أغسطس 2019م ، حتى تتاح لي فرصة الإجابة على السؤال أعلاه.
عادة ما تظهر الممارسة العملية تعقيدات واختلالات في النصوص القانونية ، سواء كانت ذات طبيعة دستورية أو قانونية ، أو جرت أحوال الزمان بما يستوجب إعادة النظر لاستيعاب ما استجد من أمور ، ولاستدراك مثل تلك العلل ، استقرّت مدارس صناعة الدستور ، على اشتمالها لنصوص تبين كيفية تعديلها ، والجهة المنوط بها إجراء التعديل وفق ضوابط وإجراءات يتعين الالتزام بها ، ذلك حتى لا يبدو النص الدستوري مانعا للتطور، وعائقا يحول دون مرونة الحوكمة.
وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2019م ، لم تكن على غفلة من تلك الخاصية ، حيث منحت في المادة 78 المجلس التشريعي صلاحيات تعديلها ، ولما كان الفضاء التطبيقي قد أظهر للعيان في الأيام القليلة الماضية بعض التعقيدات ، منها على سبيل المثال موضوع تعين رئيس القضاء والنائب العام ، وما جاء في المادة 16 / 6 المبينة لصلاحيات مجلس الوزراء بشأن تعين وإعفاء قيادات الخدمة المدنية ، ومراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة والتنسيق بينها ، حيث لوحظ أنها جاءت غير محكمة ، والمقصود بإحكام صياغة النص عادة هو تضيق احتمالات تعدد التأويلات ، لقد ختمت المادة النص بكلمة ( بالقانون) ، دون تحديد يزيل اللبس عن القانون المعني ، وما إن كان القانون المعني هو ذاك المنظم لإجراءات مراقبة أجهزة الدولة والتنسيق بينها ؟ أم المعنى يشمل أيضا القانون الذي يحكم قواعد تعين وإعفاء قيادات الخدمة المدنية؟
وعلى فرض أن كلمة ( بالقانون ) تعني أيضا صلاحيات مجلس الوزراء بشأن تعين وإعفاء قادة الخدمة المدنية ، ألا يعنى ذلك تقيدا لصلاحياته ، والزامه بالخضوع لأحكام قانون ساري من عهد النظام البائد ؟ فوق ذلك ـ يلحظ المرء تعارضا بين المادة 16/ 6 و المادة 74 ، وهذه الأخيرة هي التي خوّلت صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية ـ باستثناء تلك الممنوحة لمجلس السيادة لرئيس الوزراء ، فكيف يتسني للسيد رئيس الوزراء ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية التنفيذية ، التي كان من بينها إعفاء قيادات الخدمة العامة العليا لغايات الصالح العام ، أو الغاء الوظيفة ، دون أن يجري تعديلا أو الغاءا للقانون المعني في المادة 16/6 ؟ وتجدر الإشارة أن نص المادة 16 / 6 بحسبانه نص خاص ، أضحى مقيدا للنص العام الوارد في المادة الثالثة ، وقد جاء في منطوقها تعديل أو الغاء أي قانون يتعارض مع وثيقة الدستور الانتقالي ، وذلك إعمالا للقاعدة الأصولية ( الخاص يقيد العام).
ملحوظة ( نص المادة 3 المشار إليها يقول من ناقشتهم من الزملاء أنها لم ترد في الوثيقة التي تم التوقيع عليها بالأحرف الأولى ، كذلك الحال بالنسبة لصلاحيا مجلس السيادة في تعين رئيس القضاء والنائب العام ).
فضلا عن ذلك أغفلت الوثيقة نصا مبدئيا لا تغفل عنه الدساتير الديمقراطية في العصر الحاضر، وهو مبدا الفصل بين سلطات الدولة ، وهو النص الذي كان من المفترض أن يتوسط التعريف بطبيعة الدولة ، بجانب أمور شكلية تتعلق بحسن التبويب ـ مثال ذلك وثيقة الحقوق والحريات التي وضعت في الفصل الرابع عشرضمن الفصول الأخيرة على أهميتها أو المادة 21 الخاصة بالطعن في أعمال السيادة ، كان من الأوفق وضعها تحت الأحكام الخاصة بسلطات المحكمة الدستورية ، وإدراج المادة 22 الخاصة برفع الحصانة ضمن مواد الفصل المتعلق بصلاحيات المجلس التشريعي أو المحكمة الدستورية.
عموما ولغايات استدراك هذه التعقيدات والملاحظات، ولكي تؤدي السلطات الانتقالية مهمها بفعالية باتت هنالك ضرورة لمراجعة هذه الوثيقة ، وإجراء التعديلات اللازمة عليها.
كيف يتم ذلك؟
لقد نصت المادة 78 بمنح صلاحيات تعديل والغاء الوثيقة للمجلس التشريعي كما أسلفت بعالية ، وفي حال عدم وجودة ، تؤول الصلاحيات التشريعية لمجلسي السيادة والوزراء مجتمعين وفق منطوق المادة 25 /3.
على ضوء ذلك لا أرى ما يحول دون استخدام مجلسي السيادة والوزراء سلطتهما التشريعية ، ومن ثم القيام بمراجعة شاملة لوثيقة الدستور الانتقالي ، وإجراء التعديلات اللازمة حتى يتسنى لهما إكمال الفترة الانتقالية بمهامها المرجوة ، وانجاز الدور المنوط بهما وفق مطلوبات المادة الثامنة من وثيقة الدستور الانتقالي لسنة 2019م دون عقبات.
والله من وراء القصد.
محمد علي طه الملك
قاض سابق وخبير قانوني
[email protected]

‫3 تعليقات

  1. هذا اللقط سببه ضعف ربما جهل المفاوضيين من قبل قوي
    الحريه والتغيير وهم ساطع الحاج وابتسام سنهوري. والجانب العسكري سانده القانونين من جماعة الكيزان المتمرسين الذين
    مارسوا هذا العمل طوال 30 عام وضعوا فيها كل القوانين التي تخدم مصالحهم وتحميهم من المعاقبه في اي جرم ارتكبوه.
    ذكر الاستاد نبيل اديب انه تم استبعاده من اللجنه المفاوضة السؤال الذي يطرح نفسه من قام باستبعاد الاستاذ اديب وما
    السبب في ذلك ولمصلحةمن؟؟
    الوثيقه الدستورية لازالت سرا غامضا لا يعلمه الا من كان يتفاوض حول تلك الوثيقه.
    ذكر كاتب المقال مشكور انه لا بد من مراجعة بعض النصوص
    في الوثيقه الدستوريه التي فيما يبدو تجعل من رئيس الوزراء
    ومجلسه الموقر مكبلين بقيودها لا يستطيعون اتخاد اي قرار سيادي لتنفيذ مطالب الثوره وسيظل الكيزان يتحكمون في كل مفاصل الدوله. الوزارات. السلك الدبلوماسي. القضاء. الاعلام
    المرئي والمسموع والمقروء جهاز الأمن. التجاره. الجمارك.
    البنوك. ونما الي علمنا ان قوات النظام العام لازالت تمارس
    عنفها وحقدها علي جماهير شعبنا خاصة الكنداكات.
    المكون العسكري لن يسمح بتغيير الوثيقه الدستورية لانها تشكل
    لهم حمايه لم يكن يحلمون بها في كل جرم ارتكبوه في حق شباب الثوره وجرائم دارفور.
    انا لا ادري كيف يتعامل رئيس الوزراء مع هذا الوضع المزري
    ولكن هناك امر لابد منه هواليقظه. الحذر. الاستعداد لثورة اخري.

    1. شكرا دكتور البطحاني على التعليق الضافي وكما تفضلت هنالك العديد من الهنات والتعقيدات ، وما ذكر لا يتعدى مجرد الأمثلة التبصيرية التي يتعين معها اعادة النظر والتعديل حتى يستقيم أداء الحكومة وتمرق وقد أوفت بتعهداتها وانجزت شعارات الثورة.

  2. لقد أدخلتنا لجنة الصياغة بوعي أو جهل في هذه المتاهة!!!
    لكن ما يرجح تعمد الصياغة بهذا الشكل هوخبر استبعاد الدكتور نبيل أديب ان صح
    اذن ربما تشكيل المجلس التشريعي يعالج الخلل أو اصرار القادمين الجدد من الحركات المسلحة حين توقيع السلام مما يستوجب فتح تعديل الوثيقة أو الشارع

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..