مقالات وآراء سياسية

كيف نمنع عودة الدكتاتورية؟

يوسف السندي

استطاع الشعب السوداني من قبل الخروج على سلاسل و أغلال الدكتاتور عبود و من بعده الدكتاتور النميري و ها هو الآن يخرج من قيود الدكتاتور البشير ، و يقول التاريخ ان شعبنا في المرتين السابقتين لم يستطع الحفاظ على حرير الحرية اذ عادت اغلال الدكتاتورية بعد ثورة أكتوبر بعد ٥ سنوات ، و عادت بعد ثورة أبريل بعد ٤ سنوات ، فهل يمكن أن يقول شخص ما بأن الدكتاتورية عائدة هذه المرة بعد ثلاث سنوات؟! .

نعلم جميعا ان الدكتاتور يقود البلاد إلى درك سحيق ، الغلاء و البطالة و الجوع و الفقر و الجهل و الفساد و الكبت و الارهاب اهم سمات هذا الدرك ، و مع ذلك لم يشهد أي انقلاب دكتاتوري عسكري ممانعة جماهيرية لحظة الانقلاب !! فهل السبب في الشعب ام في الحكومة التي يقوم عليها الانقلاب ؟

اسوق هذه الأسئلة استكشافا لدرب طويل بدأ من لحظة سقوط المخلوع ، درب يجب أن يمضيه شعبنا بعزم و وضوح رؤية ، اذ لا يعقل أن نعود مرة أخرى لحكم الدكتاتور مهما كانت عيوب الحكم الديمقراطي ، فالديمقراطية في جوهرها تكريم للإنسان و احترام لذاته بينما الدكتاتورية إذلال و قهر و عبودية .

سوف اناقش بعض الأزمات التي ربما لو استطعنا تخطيها قد تكون تذكرتنا الأبدية لعالم الديمقراطية، و ليس أبرز من الخلاف السياسي بين الأحزاب أزمة ، إذ نعاني تاريخيا من صراع حزبي مدمر و مكلف ، و جوهر ذلك ناتج عن عطب أساسي في ديمقراطية الأحزاب الداخلية ، و بما أن الأحزاب السياسية هي طوب بناء جدار الديمقراطية فلا يستقيم ان يكون الطوب معطوبا و تالفا .

تطوير أحزاب سياسية راشدة ديمقراطية و مؤسسية سيكون بلا شك اقوى ضمانات بقاء الديمقراطية، و هذا ليس مفصولا بالطبع عن تطوير نقابات و مجتمع مدني وطني نزيه بعيد عن الأجندات السياسية و منصرف عن القضايا المطلبية الاحتجاجية إلى القضايا المطلبية العملية ، يطالب و يعمل ، يقدم الطلب و يعمل على الحل ، لا يطالب فقط ليضرب و يعتصم ، إذ أن ضعف الديمقراطية من ضعف المجتمع المدني و قوتها من قوته و ديناميكيتها من فاعليته في العمل المستمر لتلافي العيوب و تقديم الحلول خلف الحلول و الاستعداد المبكر لا لقبر الديمقراطية في المشاكل و إنما لتحريرها منها .

من الأزمات المحبطة أزمة التعليم ، فبلادنا مازالت تئن من وطأة الأمية إذ أن اكثر من ٣٠% من الرجال اميين بينما أكثر من نصف نساء السودان يعانين من الأمية، فأين نسير بهذا الوضع ؟ و كيف نبني ديمقراطية مستدامة في مستنقع جهل ؟ الجهل لا ينبت الا الدكتاتورية، الدكتاتورية و الجهل صنوان ، فإذا كنا نريد الحفاظ على الديمقراطية فليكن جهدنا الأعظم نحو التعليم ، و ليس التعليم التقليدي من حيث كنا ندرس قبل ١٩٨٩ و إنما التعليم الحديث الذي يستوعب التقانة و يفكك طبيعة الجهل الانهزامية و ينشيء الأجيال التنافسية التي لا تؤمن بالاسترخاء و لا تعرف الكسل .

و ثالث الأزمات بلا شك العسكر ، تطوير عقيدة عسكرية مؤمنة بحتمية الحكم المدني ،و ملتزمة بإطار الدفاع عن الحكم الديمقراطي في اي وقت و اي مكان و ان عانت الحكومات الديمقراطية من الضعف اقتصاديا و ماليا ، سيكون بلا شك اغلاقا لباب استخدام الجيش في الانقلابات .

لن يتم تخطي هذه الأزمات بالتمني ، و إنما بالتنوير الذي يجب أن يبدأ و ينداح أفرادا و جماعات ، أجيال الثورة ليس مطلوب منها العودة للعب( الليدو ) او الشيشة ، و إنما السهر على تطوير حقيقة الثورة من فعل فجائي سطحي إلى تغيير عميق يستهدف بنية الوعي في الجماهير ، الحكومة الانتقالية دورها ليس قفة الملاح فقط و إنما فصوص العقل تحت الجمجمة ، رعاية حركة التنوير و تطوير عملية التعليم و البناء الديمقراطي لمؤسسات المجتمع المدني و الانفتاح التشجيعي التغييري على طبيعة الجيش ، سيكونون بلا شك ( مداميك ) خرسانة مسلحة لبناء ديمقراطي لا يسمح مجددا بعودة الدكتاتورية .

 

يوسف السندي
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..