
يوم التوقيع على الوثيقة السِّياسيَّة كان يوماً مفصلياً في تاريخ ثورة ديسمبر. قال عنه د. إبراهيم الأمين إنه كان يوماً مفصلياً، إذ أن ما بعده يختلف تماماً عمَّا قبله.
ولأن المجلس العسكري قبله ظلَّ يناور. حين أتى بقيادات الإدارة الأهلية وأغدق عليهم العطايا في قاعات الخرطوم. وحشد حشود النِّظام القديم وأصر أن قوى التغيير لا تمثل كافَّة الشعب السُّوداني.
وفي وجود مليشيات تحمل السلاح وسط العاصمة وجيش غائب تماماً عن دوره المناط به في حماية الشعب، جيش مخترق بواسطة الإسلاميين بأعتراف قائد الأركان نفسه. والنظام القديم تتربص كتائبه بالثورة والثوار. وشعب أعزل. وسط زخات الرَّصاص الموجَّه إلى صدور الشباب والشابات بلا ضمير أو وازع أخلاقي. ودول الجوار منحازة للنِّظام الجديد القديم ولا المجتمع الدولي قرر فعلياٌ (أن يسد دي بي طينة ودي بي عجينة).
حينها كان لا بُدَّ من إدارة الصراع بحنكة. فبتوقيع الوثيقة السِّياسيَّة عزلت الثورة كل القوى التي سنَّت سكاكينها لذبحها.
لحظة توقعيها – الوثيقة السِّياسيَّة– فقد النِّظام القديم آمال العودة ودخل مرحلة اليأس فافتعل بلا أخلاق فرية لجنة التحقيق، وظهر رئيس لجنة التحقيق في فض الاعتصام بعدها بيومين ليستفز الشعب بنتائج تحقيق باهتة في 27/7/2019. ولمَّا لم تفلح خطة استفزاز الشعب. استغلوا خروج طلاب المدارس في الأبيض فكانت مجزرة الأبيض بعد المؤتمر بيومين. ثم تلاها بيوم طحن الثوار في موكب سوق ليبيا.
حينها لم تدرِ قحت الوضع بالحنكة المطلوبة فتلجلجوا في تسمية حكومتهم، وأهدروا الوقت في فتح ملفات هي الآن على طاولة حكومة حمدوك، هذا التأخير خلق تشويش للمدِّ الثوري.
حين تشكلَّت الحكومة ظنَّ الكثيرون أنها امتداد لشرعيُّة الشارع الذي كما أسلفنا واجَّه الرَّصاص وغياب الضمير العالمي والاقليمي. لكنهم تفاجأوا بأن بعض الوزراء وكأنما الثورة قد اكتملت أركانها، وتعاملوا كأنهم لا يعلمون بأنهم يسيرون في وزارتهم في حقول من الألغام القانونية التي وضعها النظام القديم ليحافظ على سياساته التمكينية منذ 1989 بجانب وثيقة معروف سلفاً أنها أتت فقط لحقن الدِّماء الغالية في مواجهة الغياب الأخلاقي لقوى الظَّلام والمتربصين بالديمقراطيَّة من دول الجوار والإقليم.
لم ينته الأمر فقط بعدم التفات الوزراء لهذه النقطة الأساسيُّة في مسيرة الثورة، فالمراقب لصفحة تجمع المهنيين المغلوب على أمره – حسب تصريح عبدالعزيز الحلو- المراقب للصفحة التي كانت المحرك الأساسي للثوار يلاحظ إفراغ المدّ الثوري في مبادرات رتوشية فطيرة، في أعمال بيئية وتلوين الشوارع وهتافيات.
لم يحدثنا نجوم الثورة عن اجتثاث أذيال النظام في دواوين الحكم المحلي ولا في مؤسسات الدولة. وقد ظلت الدولة العميقة حتى يومنا هذا تنكِّل بالموظفين الشرفاء بفصلهم تعسفياً مستندين على نفس القوانين التي يحتكم إليها الوزراء الجدد. ويمارسون في أقل حالات القهر الوظيفي حملات التنقلات الانتقامية.
في ظلِّ هذا الوضع نحن نحتاج الآن الى شرعية تتجاوز جدليات الوثيقة المعطوبة بل الوثيقتين المعيبتين. شرعية ثوريَّة في دواوين الوزارة، وشرعية جذوة الشارع التي تلهم الوزراء في مكاتبهم لكنس عناكب الخدمة المدنية.
*ثم* علينا كثوار أن نعلم تماماً أن معركتنا الآن أضحت معركتين إحداهما ضد النِّظام القديم والأخرى ضد المنظراتية ضعيفي الإرادة الثوريَّة.
ولزاماً علينا قبل أن نختم أن نحيي وزيرة التعليم العالي التي فهمت دورها الثوري المناط بوزيرة أتت على أكتاف الثوار ودماء الشباب الغالية.
والمجد والخلود لشهداء سبتمبر 2013 في ذكراهم السَّادسة.
والثورة مستمرة
بكري العجمي