مقالات وآراء سياسية

حمدوك في نيويورك

إسماعيل عبد الله

لقد تناولنا حكومة عبد الله حمدوك بالتحليل والنقد اللاذع فيما خص تعيين بعض الوزراء, وقلنا أنهم ليسوا بقدر تلك الكفاءة التي بشرنا بها قبل الاعلان عن قائمة وزرائه, وهذا امر طبيعي في الممارسة الديمقراطية, إذ أنه لا يوجد نظام حكم  بلا معارضة , لكن هنالك بعض الناقدين و الناقمين على المنظومة الانتقالية الجديدة , قد تجاوزوا حدود النقد البناء وأخلّوا بمبدأ إبداء الرأي , وذهبوا إلى مطالبة هذه المنظومة ورئيسها بإحداث معجزة بين عشية و ضحاها , تقلب لهم الأمور رأساً على عقب , فيرتفع سعر صرف الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية, و تنفرج الأزمة المعيشية , ويتم إعتقال جميع الفاسدين الذين تدور حولهم شبهة التواطؤ مع النظام البائد من دون إجراءات قانونية , والقيام  بإدخال الجماعات المسلحة في السلم كافة من غير ترتيبات إجرائية , و كأن حمدوك وطاقمه يتوكؤون على عصاً سحرية كعصا موسى عليه السلام.

إنّ من الأخبار السارة التي لفتت انتباه الكثيرين من السودانيين الحادبين على مصلحة الوطن , زيارة رئيس وزراء حكومتهم الانتقالية إلى الولايات المتحدة الأمريكية, لحضور اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة , الخبر الذي غادر عناوين الصحف المحلية و العالمية وهجرها لثلاث عقود مضت , وهو أن تطأ قدما رئيس حكومة سودانية أرض تمثال الحرية , تلك الأرض التي توجد بها المؤسسات الدولية المتحكمة في مصير شعوب العالم اقتصادياً و سياسياً , فهذه الزيارة تعتبر حدثاً جديراً باهتمام الاقتصاديين والرأسماليين الوطنيين , الذين يرنون الى فجر الانفراج الاقتصادي القادم لبلدهم.

ومن أكبر المعيقات التي أقعدت النظام البائد ومنعته من الانفتاح الخارجي, وتسببت في انفراط عقد أواصر علاقات السودان الدولية و الاقليمية , هي إهمال القضية الاقتصادية و انشغال النظام بايدلوجيا دينية متعصبة ومتشنجة, اورثت البلاد الحروب و الفقر و الأوبئة والأمراض , ويبدو ان المنظومة الجديدة قد أدركت تبعات ذلك الخطأ الفادح الذي قبر أحلام ثلاثة أجيال متعاقبة من ابناء الوطن, فالنهضة الصناعية و والطفرة التجارية لأي قطر , تتطلب اتباع سياسة اقتصاديات السوق الحر التي تقود العالم اليوم , و كما هو بديهي أن هذه السياسة الاقتصادية تقودها واشنطون برغم ضراوة وشراسة المنافسة بينها وبين الغول الآسيوي (بكين).

إنّ الرسالة القوية والمعبرة وذات الدلالات العظيمة , التي اوصلتها زيارة رئيس وزراء السودان لأمريكا , إلى الجار القريب و الصديق البعيد, هي أن السودان اليوم لم يعد ذلك الرجل الأفريقي المريض , بل هو المارد الآفرو أوسطي القادم إلى أسواق العالم بقوة, والذي من بعد اليوم لا يمكن أن تدار سياساته الداخلية وعلاقاته الخارجية , بمنهاج لي الذراع من قبل شركائه في الإقليم , ولا يمكن أن يتم ابتزازه  بدوافع التنوع والتفرد المجتمعي و المناخي و الثقافي , كما درجت عادة المنظومة البشيرية البائدة على الخضوع لمثل هذا الابتزاز و الاستغلال ,تلك المنظومة التي تهيّب رموزها المثول أمام المحافل الدولية لما اقترفته أياديهم من وزر جرائم الحرب , ونتيجة لعواقب تخطيطهم وتنفيذهم لعلمليات الإرهاب الدولي العابرة للقارات , وغسلهم وتبييضهم للأموال , السلوك المافيوي الذي سودوا به صحيفة الوطن التي كانت في الماضي القريب بيضاء ناصعة من غير سوء.

نسأل الله أن يقي حمدوك ومنظومته الحكومية شرور أعداء النجاح , الذين لا يعجبهم أن يروا بوادر الفتوحات الاقتصادية الساعية لانتشال البلاد من حالة التعفف والتأفف إلى رحاب غنى النفوس و الاستغناء , ومعظم هؤلاء المعادين لنجاحات غيرهم  قد أتت إليهم سوانح عديدة , اعتلوا عبرها مقاعد وكراسي سلطة الحكم في البلاد , وترأسوا فيها مجالس للوزراء في حكومات سالفة , لكنهم فشلوا فشلاً داوياً ولم يقدموا حلاً واحداً لأزمة واحدة من أزمات الوطن المتكاثرة و المتناثرة , لقد حرموا الوطن من أن يتعافى من طعنات سهام متسكعي العمل العام ولسعات متبطلي السياسة , والغريب في الأمر أنهم مازالوا يراهنون على ذات العبث , الذي أسلم مقاليد البلاد إلى الطغمة الاخوانية البائسة, فها هم اليوم يعيدون نفس تجربة المماحكات الكيدية, من تكسير لمجاديف مراكب الخلاص من الأمراض المزمنة للصراع حول الكرسي , إلى خرق لأرضية السفن المبحرة نحو موانيء الدنيا البعيدة , لكي تعود إليهم  وإلى الفقراء و المساكين بدقيق القمح.

العافية درجات, فالجسد الهزيل الذي تسكنه العلل لايمكن أن يهب صاحبه واقفاً , لمجرد سريان الجرعة الأولى من الدواء في عروقه , فاذا رأيتم رجلاً مصادماً يقاوم التيار من أجل الخروج بكم إلى بر آمن , ساندوه و قفوا معه مادام قائماً على العهد ولم ينكث , وليس من الحكمة أن لا تباركوا المساعي الجادة والناشدة لخير عموم أهل السودان , بحجة (إن لم تصلح فضر) , مارسوا النقد والنصح والارشاد الذي يفضي إلى بناء الوطن الذي تم اتلافه بسوء النوايا وخبايا الطوايا, وانتهجوا نهج  المساءلة و المحاسبة والمراجعة و المراقبة و تخلوا عن (باركوها) , لأن عهد(باركوها)  قد ولى مع الذين ولوا في الثاني عشر من أبريل الماضي.

 

إسماعيل عبد الله

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..