المتشابه و المثانى فى القرآن مقاربة جديدة(3)

كما نوهت لاحقا فإن أمر المتشابه و المثانى فى القرآن ليس بجديد و لكن ربما تسليط الضوء عليه هو الجديد, لم أكتشف جديدا و هذا الامر ليس بقنبلة أو فرقعة, و ما كان الله سبحانه بين دفتى قرآنه ليتركنا بدون شفرة لغوية تحفظ معانى كلماته من التغيير عبر الزمن و اللغة كائن حى لا يستقر على حال ,أنظرأيها القارئ الكريم لهذه الأبيات من معلقة طرفة بن العبد فى العصر الجاهلى و هى بلغة عربية فصيحة و لكنا لا نكاد ندرك منها شئ:-
تَرَبَّعْتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي حَدَائِقَ مَوْلِيِّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَرِيْعُ إِلَى صَوْتِ المُهِيْبِ، وَتَتَّقِي بِذِي خُصَلٍ رَوْعَاتِ أَكْلَفَ مُلْبِدِ
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيْبِ بِمِسْرَدِ
فَطَوْراً بِهِ خَلْفَ الزَّمِيْلِ، وَتَارَةً عَلَى حَشَفٍ كَالشَّنِّ ذَاوٍ مُجَدَّدِ
ليس من الحكمة ترك تراث السلف الدينى كله أو رميه و لكن لابد من التنقيح و التصحيح و إلا مثلا لصدقنا أن إبنة ملك بابل قد مسخت كوكب الزهرة أو أن الهر قد خلق من عطسة الاسد فى سفينة نوح كما تقول بعض كتب التفسير المشهورة, فى شأن المثانى إختلف المفسرون من السلف فى معنى (مثانى) فبعضهم قال سبع مثانى هى سور محددة تكرر فيها القصص و الحكم و المواعظ و النذر و الاحكام و قال البعض الآخر أن السبع المثانى هى آيات سورة الفاتحة لقوله تعالى : وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (87) الحجر, و قد ورد التفسير هكذا فى الطبرى :
حدثني المثنى، قال: ثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيم، عن يونس، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود ( سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ) قال: فاتحة الكتاب.
حدثني سعيد بن يحيى الأمَويُّ، قال: ثني أبي، قال: ثنا ابن جريج، قال: أخبرنا أبي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال في قول الله تعالى ( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ) قال: هي فاتحة الكتاب ، فقرأها عليّ ستا، ثم قال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الآية السابعة ، قال سعيد: وقرأها ابن عياش عليّ كما قرأها عليك، ثم قال الآية السابعة: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، فقال ابن عباس: قد أخرجها الله لكم وما أخرجها لأحد قبلكم.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني ابن جريج، أن أباه حدّثه، عن سعيد بن جبير، قال: قال لي ابن عباس: فاستفتح بـ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثم قرأ فاتحة الكتاب، ثم قال: تدري ما هذا( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي ).
القرآن لا يختلف بعضه عن بعض فلغويا فى القرآن إثنين و مثانى لا تعنى إلا إثنين أو مزدوج ثم ألاية السابقة تتحدث عن إيتاء النبى الكريم شيئين مختلفين مع أنهما إيناء من الله سبحانه و قد أوتى النبى حصرا الوحى و هو القرآن فما الشئ المختلف أو المميز فيه؟ قطعا هى سورة الفاتحة فلا تصح الصلاة إلا بها و السؤال الذى يطرح نفسه هنا هل آياتها مثانية المعنى؟ فلنر:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1)
الله هو المعبود و هو منبع الرحمة.
الحمدلله رب العالمين(2)
الله هو الرب و العكس صحيح, معنى الالوهية و الربوبية يحتاج لمقال طويل و لكن باختصار ففى آيات القرآن نجد أن إسم الجلالة الله يذكر كثيرا عند التدخل المباشر مثلا عند نزول الوحى أو خرق السنن و إجتراح المعجزات و الرب يذكر دائما عند إضطراد السنن الطبيعية المعروفة.
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3)
الرحمن هو الذى شملت رحمته كل الخلائق و الرحيم رحمته خاصة للمؤمنين الطائعين.
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)
هو ملك يوم الدين و مالك يوم الدين فى قراءة أخري و فى آية أخري هو (الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن) هو ملك الدنيا و ملك الآخرة.
إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5)
نفردك بالعبادة و نطلب منك العون.
اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6)
إهدنا الاستقامة فى الدنيا و العبور على الصرط فى الآخرة
صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)
ظاهر الآية يدل على كل من أنعم الله عليه حتى بنعم الدنيا, ولكن باطنها يقول الذين أنعمت عليهم هم من أسلموا و حسن إسلامهم لقوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا(3) المائدة.
أما القول بأن القرآن يشبه بعضه بعضا فقد ورد ذكره بنفس المعنى فى قوله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ ۚ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (82) النساء وورد فى (مناهل العرفان فى علوم القرآن) ما يلي: وأما أن بعضه حكم وبعضه متشابه فمعناه أن من القرآن ما اتضحت دلالته على مراد الله تعالى منه ومنه ما خفيت دلالته على هذا المراد الكريم فالأول هو المحكم والثاني هو المتشابه على خلاف يأتي بين العلماء في ذلك بيد أن الذي اتفقوا عليه ولا يمكن أن يختلفوا فيه هو أنه لا تنافي بين كون القرآن كله محكما أي متقنا وبين كونه كله متشابها أي يشبه بعضه بعضا في هذا الإتقان والإحكام وبين كونه منقسما إلى ما اتضحت دلالته على مراد الله وما خفيت دلالته بل إن انقسامه هذا الانقسام محقق لما فيه كله من إحكام وتشابه بالمعنى السابق.
حتما لا يعقل أن يرسل لنا الخالق وحيا أى رسالة بلغتنا ثم تكون مبهمة,هذا أمر غير منطقى.
تبقى كلمة واحدة فى قصة سيدنا آدم قبل الاستواء إلى التأويل الحقيقى للقصة و هى (الرؤيا) و ليس الرؤية و مشتقاتها و هى تنقسم إلى عدة أضرب:-
مايريه الله سبحانه لانبيائه :
وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي ۖ فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78), الانعام, المشاهد التى عاينها إبراهيم عليه السلام يستحيل أن يراها إنسان كلها فى نفس اللحظة إلا إن كشفت بصيرته و مصداقا لذلك قال سيدنا إبراهيم لابيه : يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43)مريم.
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَىٰ (9) إِذْ رَأَىٰ نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَىٰ (11) إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ ۖ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)طه واضح من الآيات أن النار لم يرها غيره (راى و آنست ). و الله سبحانه ليس فى النار فليس كمثله شئ و لا يحده مكان و لا زمان و لابعد.
مايريه سبحانه لاصفيائه:
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا ۖ فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَىٰ كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ ۚ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاءُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الْأَبْصَارِ (13) آل عمران, إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ سَلَّمَ ۗ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43) وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا ۗ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (44)الانفال , وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ ۖ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَىٰ مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ ۚ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48)الانفال, نزلت الآيات السابقة بشأن معركة بدر.
الشذوذ الوحيد هو فى كلمة تراءت فقد وردت فى واقعة أخرى : فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)الشعراء, و كلمة تراءت هنا جاءت بمعنى الرؤية الحقيقية لأن صيغة (تفاعل) لا تفرق بين الرؤيا و الرؤية و الامر يعود للسياق للتفرقة بينهما.
ما نراه فى الآخرة:
إِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20)الانسن, وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ (36)النازعات.
الرؤى المنامية:
إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)يوسف, فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)الصافات, التعبير أرى هنا يدل على رؤي متكررة و ليست واحدة و كان هذا شيئا ذا مغزى للاولين إذ يأذون الرؤيا المتكررة بجدية تليق بها.
العلم الملائكى:
لقد حاز أهل ما بين النهرين على معارف كثيرة أدهشت العلماء فى مجالات كثيرة منها علم الفلك و لقد أشار القرآن لذلك أيضا فى قوله تعالى : أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا(16)نوح,
رأى بعض المفسرين أن نوحا عليه السلام لم يك وحده فى الدعوة الى الله فقد أرسل الله ملائكة أيضا لقوله تعالى: وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40)هود وبينما فى العنكبوت: فآمَنَ لَهُ لُوطٌ ۘ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَىٰ رَبِّي ۖ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (26), و لم يك ذلك غريبا فى ذلك الزمان فقد كان الانسان يحتاج الى الملائكة و المعجزات كثيرا فى بادئ الامر و مثل ذلك قصة الملكين ببابل:وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ(102) البقرة.
العلم الشيطانى:
يتمثل فى تعليم الناس السحر و الوسوسة فى الصدور و منعهم من حمد الله على نعمه و الاهم من ذلك إزاحة لباس التقوى من على القلوب:
فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (20)الاعراف, يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ۗ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ ۗ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)الاعراف.
مدركات الفكر البشرى عن الماضي و الحاضر و المستقبل:
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) الفيل, إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6)المعارج, وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93) القصص, بالمناسبة- حادثة الفيل حصلت قبل مولد النبى الكريم ب51 يوما.
القدرة على الابصار بالعين:
أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (40)النور, فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61)الشعراء, أى عندما صار الجمعان فى مرمي البصر(تقريبا 5 كيلومترات).
يتبين لنا أن الرؤيا فى القرآن تشمل طيفا واسعا أغلبه متعلق بالبصيرة و الفكر وقليله متعلق بالقدرة على الابصار بالعين و هى فعل سلبى passive و يختلف عن مجرد النظر فأنت قد تنظر و لكن قد لاتري ببصرك أو بصيرتك أو فكرك.
أهمية التحليل اللغوى لآيات القرآن الكريم تكمن فى أن القرآن هو معجزة الرسالة الخاتمة و هى معجزة عقلية , إكتشاف الترابط الوثيق بين معانيه يعمق الايمان و يفتح مدارك الانسان و يربطها بكثير من معارف اليوم, كذلك يضبط معانى الكلمات و الآيات, والاهم من ذلك ففى غياب الدراسات النقدية و التحليلية لتراث السلف الذى أسبغت عليه صفة القداسة و فى وجود الكثير من التحديات الماثلة أمام الفكر الاسلامى المعاصر, يصبح من المهم جدا تقليل الاجزاء الغامضة من كتاب الله بسبب الاعتماد التام على كتب السلف على مافيها من أخطاء و بعد عن عالمنا الحالى و نختم فى المقال القادم بتكملة القصة الحقيقية لسيدنا آدم عليه السلام فى ضوء ماورد من متشابهات.
صلاح فيصل
أري والعلم عند الله بأن المشكلة تكون في خطأ التغسير أو خطأ النقل والمشكلة – بحسب ما أري – هو في عدم فهم معنى كلمة واحدة فقط وهي كلمة ( ترتيل ومشتقاتها مثل رتل ) فعندما نقول رتل من الدبابات يعني من أول واحدة إلى آخرة واحدة كلها دبابات ولو كان بينها حيل فلا نقول رتل وربنا قال ( رتل القرآن ترتيلا ) ولم يقل رتل الآيات يعني المقصود ترتيل القرآن بالكامل يعني عندما نريد معرفة معنى كلمة ( عذاب ) نجمع كل آية وردت فيها لنصل إلى المعنى المقصود ولمعرفة حد الزنا وكذلك لمعرفة معنى ( قطع ) ونلاحظ كيف مرة جاءة مشددة مرة بدون تشديد ولمعرفة حد السرقة
فمثلا الشيعة أخذوا ( أهل البيت ليطهركم تطهيرا ) والسنة أخذوا ( محمد رسول والذين معه … الآية
لطائف في معاني ألفاظ القرآن بحسب الرسم
قال تعالى في شأن ابراهيم في سورة الأنعام:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِىٓ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًۭا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ (76) فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًۭا قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ (77) فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةًۭ قَالَ هَٰذَا رَبِّى هَٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) صدق الله العظيم، سورة الأنعام.
وقال تعالى في سورة النازعات عن موسى وقد أرسله إلى فرعون:
ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَىٰهُ ٱلْءَايَةَ ٱلْكُبْرَىٰ (20) صدق الله العظيم، سورة النازعات.
وقال تعالى كذلك عن رؤية موسى للنار في سورة طه:
وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ (9) إِذْ رَءَا نَارًۭا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًۭا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًۭى (10) صق الله العظيم، سورة طه. وكذلك قال في الآية التالية من ذات السورة: وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخْرَىٰ (22) لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَٰتِنَا ٱلْكُبْرَى (23) كلام الله تعالى لموسى عليه السلام. وكذلك الآية من ذات السورة : قَالَ لَا تَخَافَآ ۖ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ(46) الرؤية منسوبة إلى الله وصدق الله العظيم.
وقال تعالى في شأن فرعون في ذات سورة طه:
وَلَقَدْ أَرَيْنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (56) هذا كلام الله وعن آياته التي زود بها موسى، وصدق الله العظيم .
وقال تعالى في ذات السورة بشأن عِجْلِ السّامِرِيّ:
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًۭا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّۭا وَلَا نَفْعًۭا (89) صدق الله العظيم. فمفرد يرون يرى بمعنى يعلم ورسمه بإثبات الياء بدل الألف يدل على حقيقة ما يرون من عدم رده أو ضره ونفعه.
وقال تعالى على لسان موسى لأخيه هارون في ذات السورة : (قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوٓا۟ (92) ) صدق الله العظيم. فضلالهم حقيقة واقعة فعلاً.
ويقول تعالى في ذات السورة عن الأرض يوم القيامة والجبال بعد نسفها:
وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًۭا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًۭا صَفْصَفًۭا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًۭا وَلَآ أَمْتًۭا (107) صدق الله العظيم.
وقال تعالى عن رؤية النبي محمد صلّ الله عليه وسلم في معراجه:
فَأَوْحَىٰٓ إِلَىٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰٓ (15) إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ (18) أَفَرَءَيْتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ (19) صدق الله العظيم,
وجاء في الآيات التالية من نفس سورة النجم:
أَفَرَءَيْتَ ٱلَّذِى تَوَلَّىٰ (33) وَأَعْطَىٰ قَلِيلًۭا وَأَكْدَىٰٓ (34) أَعِندَهُۥ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰٓ (35) إلى قوله: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُۥ سَوْفَ يُرَىٰ (40) صدق الله العظيم.
وعن الرؤية التفكرية العلمية جاء في سورة الأنبياء(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) صدق الله العظيم، [سورة اﻷنبياء 30] وسبحان الله الذي خص بهذه الرؤية العلمية غير المسلمين الذين لا يؤمنون بالنقل الذي سلم به المسلمون المؤمنون. فلا عذر لمن لم يؤمن بذلك فدونه كتاب الكون المفتوح فليقرأ فيه وليتدبر بكافة وسائل العلم الحديث وهذه هي الحال فعلاً اليوم إذ الذين يتصدرون ويقودون الكشوفات العلمية في الغالب من غير المسلمين!!
وفي سورة الفيل ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) صدق الله العظيم، وقد تكررت عبارة ألم تر وألم تر كيف كثيرا في معظم سور القرآن الكريم.
وجاء في سورة العلق
(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ)[الآيات 6 – 14]
وفي الماعون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) صدق الله العظيم. وقد تكررت عبارة أرأيت وأرأيتم وأرأيتكم في الكثير من آي القرآن وكلها بشأن الرؤية العقلية أو العلمية المنطقية.
وعن الرؤيا المنامية للأنبياء والرسل جاء في سورة الصافات الآية ١٠٢ ( (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم.
وفي سورة يوسف الآية ٤: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) صدق الله العظيم.
وخلاصة الأمر أنه يلاحظ أن القرآن الكريم حينما يقصد الرؤية البشرية البصرية أو العقلية القاصرة يشير إلى قصورها ومحدوديتها عن الاحاطة الكاملة بالحقيقة أو العلم الكامل ويعبر عن ذلك برسم همزة خفيضة بعد الراء يَحُدُّها ألفٌ قائمٌ كما في نسبة فعل الماضي (رءا) إلى سيدنا ابراهيم وهو يجول ببصره في الليل وإن كان ذلك في رؤيا منامية أو حقيقية لأن الحالم كذلك يرى شخوص الحلم كاليقظان، وقد كانت رؤية سيدنا موسى عليه السلام للنار في اليقظة. فسيدنا ابراهيم قد انخدع حقاً بما رءا من الكواكب والنجوم وظن في كل منها أنه إلهه، ولولا أن هداه الله الذي أراد أن يريه حقيقة الملكوت كمخلوقات لله حين جعلها تأفل وتختفي لآمن بها. وكذلك سيدنا موسى رءا ناراً وهي ليست ناراً حقيقية كنار الدنيا إذ كانت تشتعل في الشجرة المخضرة ولا تشعلها!
أما حين تنسب الرؤية إليه سبحانه وتعالى أو تكون بمشيئته وأمره وإيحائه ويشمل ذلك (رؤيا) الأنبياء والرسل أو عندما تكون رؤية حق بصراً كانت أم بصيرة فإنها تعتبر متعدية للمحدودية البشرية ومن ثم تكتب برفع الهمزة على الألف في صيغة الماضي وتضاف الياء لتعدية محدودية الألف في الماضي (رأى) لتصبح رؤية حق شاملة أو استبدال الهمزة والألف بالياء في المضارع وفعل الأمر (يرى) بفتح الياء والراء أو بكسر الراء للخروج من محدودية الرؤية البشرية إلى شمولية الرؤية الحقة.. ويشمل هذا الرؤية العلمية أي رؤية التفكر والبحث والعلم كما في سورة العلق والفيل والماعون وفي معظم سور القرآن الكريم.
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[سورة اﻷعراف 143] فكتبت لن (ترىني) هكذا بألف مقصورة أو على ياء دلالة استحالة الرؤية الكاملة المحيطة للذات الإلهية.
فانتبه إلى هذا يا صديقي أي لرسم القرآن فقد خالفت الرسم في كتابة كافة الآيات التي أشرتَ إليها في سورة الأنعام بشأن رؤية سيدنا ابراهيم للكواكب والنجوم ورسمت (رءا) هكذا (رأى) برسم الإملاء العادي، وهذا خطأٌ كبير ولا أدري من أي مصحف نقلت هذا!؟ كذلك فافهم بألا شذوذ في استخدام القرآن لكلمة تراءى، فهي رؤية كانت حقيقية إذ رأى كلا الفريقين الآخر فعلاً ولولا عناية الله ولطفه لكاد قوم موسى فعلاً أن يكونوا مُدرَكين، فجاء رسمها بإضافة الياء بعد الهمزة بدلاً حدِّها بالألف. فمعنى تراءى هنا ليس بالمعنى الخيالي كأن يخيل لكل طرف رؤية الآخر وما هو بذلك الطرف حقيقة.
لطائف في معاني ألفاظ القرآن بحسب الرسم
قال تعالى في شأن ابراهيم في سورة الأنعام:
وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ لِأَبِيهِ ءَازَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا ءَالِهَةً ۖ إِنِّىٓ أَرَىٰكَ وَقَوْمَكَ فِى ضَلَٰلٍۢ مُّبِينٍۢ (74) وَكَذَٰلِكَ نُرِىٓ إِبْرَٰهِيمَ مَلَكُوتَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ ٱلْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلَّيْلُ رَءَا كَوْكَبًۭا ۖ قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَآ أُحِبُّ ٱلْءَافِلِينَ (76) فَلَمَّا رَءَا ٱلْقَمَرَ بَازِغًۭا قَالَ هَٰذَا رَبِّى ۖ فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّآلِّينَ (77) فَلَمَّا رَءَا ٱلشَّمْسَ بَازِغَةًۭ قَالَ هَٰذَا رَبِّى هَٰذَآ أَكْبَرُ ۖ فَلَمَّآ أَفَلَتْ قَالَ يَٰقَوْمِ إِنِّى بَرِىٓءٌۭ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) صدق الله العظيم، سورة الأنعام.
فالرؤية المنسوب فعلها لله تعالى كاملة وقد كتبت بإثبات الياء وحذف الهمزة على السطر، بينما الرؤية أو الرؤيا المنسوبة لإبراهيم رؤية بشرية عادية بدليل خفض الهمزة وتحديدها بالألف.
وقال تعالى في سورة النازعات عن موسى وقد أرسله إلى فرعون:
ٱذْهَبْ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ (17) فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَىٰٓ أَن تَزَكَّىٰ (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ (19) فَأَرَىٰهُ ٱلْءَايَةَ ٱلْكُبْرَىٰ (20) صدق الله العظيم، سورة النازعات.
فأرىه هنا رغم أن الفعل منسوب لموسى إلا أن الآية هي من آيات الله الكبرى التي أيده بها فهي الحق لاشك فيه من الله.
وقال تعالى كذلك عن رؤية موسى للنار في سورة طه:
وَهَلْ أَتَىٰكَ حَدِيثُ مُوسَىٰٓ (9) إِذْ رَءَا نَارًۭا فَقَالَ لِأَهْلِهِ ٱمْكُثُوٓا۟ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًۭا لَّعَلِّىٓ ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى ٱلنَّارِ هُدًۭى (10) صق الله العظيم، سورة طه. وكذلك قال في الآية التالية من ذات السورة: وَٱضْمُمْ يَدَكَ إِلَىٰ جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍ ءَايَةً أُخْرَىٰ (22) لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَٰتِنَا ٱلْكُبْرَى (23) كلام الله تعالى لموسى عليه السلام. وكذلك الآية من ذات السورة : قَالَ لَا تَخَافَآ ۖ إِنَّنِى مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ(46) الرؤية منسوبة إلى الله وصدق الله العظيم.
وقال تعالى في شأن فرعون في ذات سورة طه:
وَلَقَدْ أَرَيْنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ (56) هذا كلام الله وعن آياته التي زود بها موسى، وصدق الله العظيم .
وقال تعالى في ذات السورة بشأن عِجْلِ السّامِرِيّ:
أَفَلَا يَرَوْنَ أَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًۭا وَلَا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّۭا وَلَا نَفْعًۭا (89) صدق الله العظيم. فمفرد يرون يرى بمعنى يعلم ورسمه بإثبات الياء بدل الألف يدل على حقيقة ما يرون من عدم رده أو ضره ونفعه.
وقال تعالى على لسان موسى لأخيه هارون في ذات السورة : (قَالَ يَٰهَٰرُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوٓا۟ (92) ) صدق الله العظيم. فضلالهم حقيقة واقعة فعلاً.
ويقول تعالى في ذات السورة عن الأرض يوم القيامة والجبال بعد نسفها:
وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًۭا (105) فَيَذَرُهَا قَاعًۭا صَفْصَفًۭا (106) لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجًۭا وَلَآ أَمْتًۭا (107) صدق الله العظيم.
فهي رؤية في دار الحق فالأبصار يومئذ حديد ولا ترى إلا الحقيقة الكاملة.
وقال تعالى عن رؤية النبي محمد صلّ الله عليه وسلم في معراجه:
فَأَوْحَىٰٓ إِلَىٰ عَبْدِهِۦ مَآ أَوْحَىٰ (10) مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰٓ (11) أَفَتُمَٰرُونَهُۥ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ (12) وَلَقَدْ رَءَاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ (13) عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ (14) عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰٓ (15) إِذْ يَغْشَى ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ (16) مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ (17) لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءَايَٰتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰٓ (18) أَفَرَءَيْتُمُ ٱللَّٰتَ وَٱلْعُزَّىٰ (19) صدق الله العظيم,
وجاء في الآيات التالية من نفس سورة النجم:
أَفَرَءَيْتَ ٱلَّذِى تَوَلَّىٰ (33) وَأَعْطَىٰ قَلِيلًۭا وَأَكْدَىٰٓ (34) أَعِندَهُۥ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰٓ (35) إلى قوله: وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ (39) وَأَنَّ سَعْيَهُۥ سَوْفَ يُرَىٰ (40) صدق الله العظيم.
وعن الرؤية التفكرية العلمية جاء في سورة الأنبياء(أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) صدق الله العظيم، [سورة اﻷنبياء 30] وسبحان الله الذي خص بهذه الرؤية العلمية غير المسلمين الذين لا يؤمنون بالنقل الذي سلم به المسلمون المؤمنون. فلا عذر لمن لم يؤمن بذلك فدونه كتاب الكون المفتوح فليقرأ فيه وليتدبر بكافة وسائل العلم الحديث وهذه هي الحال فعلاً اليوم إذ الذين يتصدرون ويقودون الكشوفات العلمية في الغالب من غير المسلمين!!
وفي سورة الفيل ((بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ) صدق الله العظيم، وقد تكررت عبارة ألم تر وألم تر كيف كثيرا في معظم سور القرآن الكريم دليلاً على الحث على إعمال العقل والمنطق.
وجاء في سورة العلق
(كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَىٰ * إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ الرُّجْعَىٰ * أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَىٰ * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَىٰ * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَىٰ)[الآيات 6 – 14]
وفي الماعون (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ) صدق الله العظيم. وقد تكررت عبارة أرأيت وأرأيتم وأرأيتكم في الكثير من آي القرآن وكلها بشأن الرؤية العقلية أو العلمية المنطقية دلالة على حثه على التفكر والتدبر والعلم والحياة المنطقية العقلانية في التعامل مع طبائع الغير من الإنس والجن والحيوان وخصائص النبات والجماد.
وعن الرؤيا المنامية للأنبياء والرسل جاء في سورة الصافات الآية ١٠٢ ( (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) صدق الله العظيم.
كتبت برفع الهمزة على الألف دلالة على أنها رؤيا حق وليست من الشيطان بل الشيطان سعى إلى عرقلة تنفيذها بتصويرها لإبراهيم كمجرد أضغاث أحلام.
وفي سورة يوسف الآية ٤: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) صدق الله العظيم.
فكتبت بالرسم الذي يدل على أنها رؤيا حق وليست مجرد أضغاث أحلام وقد تحققت فعلاً بعد طول السنون.
وخلاصة الأمر أنه يلاحظ أن القرآن الكريم حينما يقصد الرؤية البشرية البصرية أو العقلية القاصرة يشير إلى قصورها ومحدوديتها عن الاحاطة الكاملة بالحقيقة أو العلم الكامل ويعبر عن ذلك برسم همزة خفيضة بعد الراء يَحُدُّها ألفٌ قائمٌ كما في نسبة فعل الماضي (رءا) إلى سيدنا ابراهيم وهو يجول ببصره في الليل وإن كان ذلك في رؤيا منامية أو حقيقية لأن الحالم كذلك يرى شخوص الحلم كاليقظان، وقد كانت رؤية سيدنا موسى عليه السلام للنار في اليقظة وهي منسوبة إليهما وبالتالي فهي رؤية بشرية عادية. وهذا ينطبق على النبي محمد صلى الله عليه عندما رأى جبريل عندما نزل مرة أخرى إلى الأرض. فسيدنا ابراهيم قد انخدع حقاً بما رءا من الكواكب والنجوم وظن في كل منها أنه إلهه، ولولا أن هداه الله الذي أراد أن يريه حقيقة الملكوت كمخلوقات لله حين جعلها تأفل وتختفي لآمن بها. وكذلك سيدنا موسى رءا ناراً وهي ليست ناراً حقيقية كنار الدنيا إذ كانت تشتعل في الشجرة المخضرة ولا تشعلها!
أما حين تنسب الرؤية إليه سبحانه وتعالى أو تكون بمشيئته وأمره وإيحائه ويشمل ذلك (رؤيا) الأنبياء والرسل أو عندما تكون رؤية حق بصراً كانت أم بصيرة فإنها تعتبر متعدية للمحدودية البشرية ومن ثم تكتب برفع الهمزة على الألف في صيغة الماضي وتضاف الياء لتعدية محدودية الألف في الماضي (رأى) لتصبح رؤية حق شاملة أو استبدال الهمزة والألف بالياء في المضارع وفعل الأمر (يرى) بفتح الياء والراء أو بكسر الراء للخروج من محدودية الرؤية البشرية إلى شمولية الرؤية الحقة.. ويشمل هذا الرؤية العلمية أي رؤية التفكر والبحث والعلم كما في سورة العلق والفيل والماعون وفي معظم سور القرآن الكريم.
(وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ۚ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَٰكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقًا ۚ فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ)[سورة اﻷعراف 143] فكتبت لن (ترىني) هكذا بألف مقصورة أو على ياء دلالة استحالة الرؤية الكاملة المحيطة للذات الإلهية.
فانتبه إلى هذا يا صديقي أي لرسم القرآن فقد خالفت الرسم في كتابة كافة الآيات التي أشرتَ إليها في سورة الأنعام بشأن رؤية سيدنا ابراهيم للكواكب والنجوم ورسمت (رءا) هكذا (رأى) برسم الإملاء العادي، وهذا خطأٌ كبير ولا أدري من أي مصحف نقلت هذا!؟ كذلك فافهم بألا شذوذ في استخدام القرآن لكلمة تراءى، فهي رؤية كانت حقيقية إذ رأى كلا الفريقين الآخر فعلاً ولولا عناية الله ولطفه لكاد قوم موسى فعلاً أن يكونوا من المُدرَكين، فجاء رسمها بإضافة الياء بعد الهمزة بدلاً من حدِّها بالألف. فمعنى تراءى هنا ليس بالمعنى الخيالي كأن يخيل لكل طرف رؤية الآخر وما هو بذلك الطرف حقيقة.