مقالات وآراء

بدأ الدين بالفقراء والأرقاء فكيف وَوَرِثَه الأئمة من قريش؟

كل من نطق بالشهادة وقرأ سيرة الحبيب المصطفى صلوات ربي عليه وسلامه وأصحابه الميامين، وطاف في القرآن وقلَّب صفحاته وتفكر وتدبر وخلا مع نفسه بصدق واجتمع بغيره على الحق، لا بد أن قد ناله الخور وعجز أن يفهم كيف سار الأمر، لقد بدأ هذا الدين غريباً ثائراً على (أئمة قريش) الذين طغوا في البلاد وأكثروا فيها الفساد، وساموا الرسول الكريم وصحبه الكرام سوء العذاب، ومارسوا فيهم كل تقنيات (بيوت الأشباح)، تقطيعاً وحرقاً وجلداً وسحلاً ورجماً وسلخاً، (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، حتى لكأنك تكاد توقن أن حكام المسلمين اليوم هم فعلاً من (أئمة قريش) فالتعذيب ملكة مريضة وضيعة لا يمتلكها إلا مريض ومعتوه ولا ينالها إلا وراثةً، فالتنكيل بالمستضعفين والفقراء والأرقاء (بمفهوم اليوم هم ضحايا العوز، فأصل الرق فقدان الحول والطول). فلا تتعجب أخي لقول البشير عندما قال نحن من نسل العباس، فالسلوك سلوك السفاح بن العباس والسحنة سحنة أرقاء قريش وعجبي.

لا تعجب من فقهاء جاء بهم الأئمة فأغرقوا الفقه بأبواب الرق والعبيد والاماء والغلمان وكيفية مبادلتهم واعارتهم وتأديبهم وتهذيبهم، بل وكيفية فحصهم لمعرفة (الفحل) من (المخصي) والأمة العذراء من (المتعووووده)، وذات الصوت الحسن من القبيح والسوداء من الشقراء، ووضعوا لهم أسس التقييم والتسعيير والتثمين ولم ينسوا أن يوضحوا آليات فض النزاع لمحاربة الغش، وأبطلوا بيع الغرر في الاماء وألزموا التاجر بأخلاق النزاهة، بينما لم يبطلوا زواج الغش، واستنبطوا جواز زواج الرضيعة، وعجزوا تماماً عن استنباط حرمة الرق والاستعباد في دين قام على أكتاف العبيد والرقيق والفقراء والضعفاء، دين لا أرى غضاضة في أن أطلق عليه (ثورة المستضعفين في الأرض). ذلك الدين الذي حرَّم الاسترقاق بصريح النص الذي لا يقبل تأويل (حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً). ولكن تطلُّع الأئمة للريادة والسيادة نسخ الآية، فانتشرت أسواق النخاسة في طول البلاد الاسلامية وعرضها حتى سبعينيات القرن الماضي تحت حماية (شريعة السلاطين)، وإلى اليوم بشريعة هذا ما وجدنا عليه آبائنا.

دين حمل ثقله بلال وصهيب ابن سنان وياسر وسميَّة السوداء وابنها عمَّار الأسود الطُوَال (هكذا جاء في كتب التاريخ)، زيد وابنه اسامة بن زيد حب رسول الله، أولئك الأطهار الذين حملت شفاههم المرتجفة وقلوبهم الصلبة تلك الهمسة السماوية التي جلجلت في القلوب وفي الضمائر وفي النفوس، فسار في ركابها الرقيق والفقراء والمستضعفون والمنبوذون والمطرودن من مشارق الأرض ومغاربها حتى بلغت مشرق الأرض ومغربها.

بينما كان أئمة قريش، الذين لم تجاوز إذاك، اماممتهم مضارب قريش، والذين لم يحفل بهم التاريخ (وكأن التاريخ في ذلك الوقت، كما كان في أكثر الأوقات أرستقراطياً لا يحفل إلا بالسادة ولا يلتفت إلا إلى القادة. ضنيناً بخيلاً ومستكبراً متعالياً، يحفل بالسادة في تحفظ ويلتفت إلى القادة في كثير من الاحتياط. لا يسجل من أمرهم إلا ما كان له شأن وخطر. وآية ذلك أنه لم يسجل من أمر قريش في تلك العصور إلا أطرافاً يسيرة ضئيلة لا تكاد تظهرنا من أمرهم على شيء، وكأن التاريخ كان يراها أهون شأناً وأيسر خطراً من أن يمنحها عنايته، وكأنه كان يرى قياصرة الروم وأكاسرة الفرس وقادة أولئك وهؤلاء وسادتهم أحق بعنايته وأجدر برعايته وأحرى أن يقف عندهم ويبلو أعمالهم ويسجل أخبارهم. فأما سادة قريش وقادتها وذوو المكانة في هذه الأحياء العربية التي لا تحسن كتاباً ولا حساباً، ولا تُسخِّر الزمان والمكان لأمرها، وإنما تختلس حياتها من الزمان والمكان والأحداث والخطوب اختلاساً، فلم يكونوا أحرياء أن ينظر التاريخ إليهم إلا شزراً.) طه حسين “الوعد الحق”

يا أيها الناس هذا الدين دين الناس كافة، لحمته وساداه الحرية والكرامة والعدالة والسباحة والسياحة في الفكر بلا ضابط ولا رابط إلى أن ينتهي بك الأمر إلى الحقيقة، فلا ينال الحقيقة إلا من كان عقله حراً، فالفكر والتدبر والتعقل لا يكون مضبوطاً ولا مربوطاً وإلا لم يعد فكراً وإنما تقليداً واتباعاً، فلا يخدعنَّك ويخوفنَّك من لا يفقه من أمره شيئاً، فربك قد قال (لا إكراه في الدين) فكل اتباع بلا عقل مذمومٌ بصريح النص (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) وكذلك قوله تعالى (بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ)،   الحياة قصيرة فتمتع بعقلك وفكرك وتنقل بين الأسفار والكتب وتنقل بين مدارس الفكر والايديولوجيات قبل أن تموت، فليس في الحياة متعة خارج عقلك الجبار (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ، هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ، مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ)..

صديق النعمة الطيب

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..