مقالات وآراء سياسية

في الرد على مقال الأستاذ الشفيع خضر المعنون السودان والبحث عن السلام

أحمد الفكي

كتب ألأستاذ الشفيع خضر مقالا فى صحيفة الراكوبة الإلكترونية بتاريخ ١ اكتوبر ٢٠١٩ بعنوان “السودان والبحث عن السلام”. ولقد قررت ان اتعرض للمقال بالنقاش والفحص لتعميم الفائدة لأسباب منها أهمية السلام لاستقرار السودان وإسهام كاتب المقال الأستاذ الشفيع فى عملية التفاوض مع الحركات المسلحة منذ سقوط نظام الإنقاذ.
يبدا المقال بفقرة فى غاية الوضوح والقوة مما يوحى بان كاتب المقال يمتلك الكثير من المعلومات التى بنى عليها رهانه ويريد اشراك القارى فى هذه المعلومات حتى يصل لذات الاستنتاج.
يقول الأستاذ الشفيع فى الفقرة الاولى من المقال:
” لن نمل تكرار حديثنا من انه لا مجال لفشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة، الجبهة الثورية والحركة الشعبية بقيادة عبدالعزيز الحلو، والمزمع انطلاقها منتصف تشرين الأول/اكتوبر القادم فى جوبا عاصمة جنوب السودان”
وهو افتتاح قوى جدًا لموضوع حيوى وحساس وهو بحث سودان الثورة عن السلام. لقد توقعت ان يتبع هذه المقدمة القوية حيثيات واقعية قوية تدعمها و تؤكد ما ذهب اليه الشفيع من ان “لا مجال لفشل محادثات السلام بين الحكومة السودانية والحركات المسلحة…..”
والآن الى الأسباب التى ساقها الكاتب لإثبات أن لا مجال لفشل المحادثات:
١-فشل المحادثات انتكاسة لثورة السودان المجيدة
٢-شروط نجاح هذه المحادثات هو ابتعادها عن المناورات والتكتيكات فهى محادثات شركاء وان جلسوا على ضفتين
٣-هناك واقع جديد خلقته الثورة وهذا الواقع قد يكون سبب نجاح المحادثات كما قد يكون سبب فشلها
٤- الحركات المسلحة شريك اساسى فى إذكاء شعلة الثورة
٥-تعريف الفشل بما هو ابعد وأعمق من مجرد اقتسام كراسى السلطة
أولًا التكرار هو آلية لاقناع المستمع او القارىء بان ما نكرره هو حقيقة لا يأتيها الباطل ولكنه لن يتمكن من تغيير طبيعة الأشياء فيحول الباطل الى حق او العكس. فتكرار الأخ الشفيع ان لا مجال لفشل المحادثات هو رغبة ذاتية لا تجد سندًا فى الواقع السياسي الذى نعيشه هذه الأيام وتحديدا منذ نجاح الثورة فى إسقاط البشير .
نعم هناك واقع جديد خلقته ثورة شعبنا السلمية والتى كان سلاحها الوحيد ايمانها بقضيتها ورغبتها فى حياة كريمة ووطن ديمقراطى. وهو واقع وللأسف لم يحسن قراءته ولا استيعابه بعض المثقفين السودانيين. ولعل اهم معالم هذا الواقع هو اعلاء شان العمل الجماهيري السلمي فى إسقاط سلطة غاشمة حاولت الحركات المسلحة اسقاطها فى بدايات عمرها ولم تفلح. وهذا الدور للعمل السلمي فى احداث التحول الديمقراطي ليس نظرية صاغها طالب دكتوراه فى احد فصول بريطانيا او امريكا بل هى فعل جماهير واجهت القمع والرصاص، نفس الرصاص الذى استخدمته الحركات المسلحة كوسيلة لاسقاط الطاغية وانتهى بها الأمر الى مساومته والسعى وراء ما يقدمه لها من فتات سلطته وماله.
لقد تم تحول يكاد يشبه تحول غريغ سامسا فى رواية المسخ لفرانز كافكا للحركات المسلحة. فقد تحولت هذه الحركات الى مسخ همه الأول والأخير هو الاشتراك فى السلطة وتحقيق مكاسب على حساب جماهيرها. وحتى لا اتهم بالتحامل على هذه الحركات فالتاريخ القريب جدا شاهد على هذا التحول وعلى المساومات والمحاصصات والاشتراك فى السلطة مع الطاغية وحتى محاولة خوض الانتخابات معه. ليس هذا فحسب بل تهافت بعض قادة هذه الحركات على مقابلة حميدتى لا مقابلة تجمع المهنيين ولا قوى الحرية والتغيير يقف شاهدا على التهافت والسعى للسلطة والمحاصصة.
ان الطريقة التى تدار بها هذه الحركات والقمع الذى يمارسه قادتها لمن هم تحت أمرتهم يوكد حقيقة واحدة وهى ان الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ليست مكونًا أساسيًا من برامج هذه الحركات ولا روءيتها للمجتمع الذى تنشده.
وترديد مقولة ان هذه الحركات شريك فى إسقاط النظام هو مغالطة لا تسندها ممارسات هذه الحركات منذ نجاح الثورة فى إسقاط البشير وحتى يومنا هذا.
ان أقصى ما حققته الحركة الشعبية وهى فى عنفوان قوتها وسعيها لخلق سودان واحد هو انفصال الجنوب.
كان بإمكاننا ان نصدق مقولة ان هذه الحركات جزء من الثورة ان عادت هذه الحركات الى ارض الثورة وفى عاصمة الثورة وبين جماهير شعبها الذى اسقط البشير لتنخرط فى النشاط السياسي الذى يدعم ويوطد اركان الديمقراطية. ولكن هذا الحركات لا زالت تسافر بين عواصم العالم لعقد المباحثات مع الحكومة السودانية، حكومة الثورة والتى يدعون ويردد الكاتب انهم جزء منها.
كنا سنصدق ما يقوله قادتها ويردده الأستاذ الشفيع ان عادت هذه الحركات الى ارض الوطن واعلنت اجندة حوارها على الملأ وأصرت على نشر مخرجات هذا الحوار لجماهير شعبنا.
ان إدارة الحوار فى فنادق المنافى بعيدا عن اعين الشعب ورقابته هو تكرار لتجارب الماضي القريب وتجربة قحت ومفاوضاتها مع المجلس العسكري والجدل الذى لا زال يدور حول الوثيقة الدستورية.
اود ان اوكد على أهمية السلام ولكن الأهم منه الان هو حماية الثورة وضرب معاقل نظام الإنقاذ الذى يعمل ليل نهار لإسقاطها. أيضا لا بد من فك الضائقة المعيشية التى يعانى منها مواطن الثورة والتي تشاهد مظاهرها فى شح الخبز وانقطاع الكهرباء وانعدام البنزين. بدون وضوح فى الأولويات ستضرب الثورة وستقتل أحلام وتطلعات شعبنا ولا أقول أحلام وتطلعات الحركات المسلحة. للأسف الشديد وللطريقة التى يرون بها الأشياء فان ما تحققه لهم حياة الحركات فى المنافى أفضل بكثير مما يتوقعونه من السلام واستقرار الوطن.
يقول الاستاذ الشفيع ان “شروط نجاح هذه المحادثات هو ابتعادها عن المناورات والتكتيكات فهى محادثات شركاء وان جلسوا على ضفتين”
كيف تبتعد عن المناورات والتكتيكات وان كان الأمر بهذه البساطة فلما المحادثات بين هؤلاء الشركاء؟
يخيفنى مثل هذا اليقين الذى لا يسنده الواقع ان كان هذا هو مدخل حكومة السيد حمدوك لمفاوضات السلام مع هذه الحركات. انه يقين يتجاهل طبيعة هذه الحركات وأهدافها وما تسعى لتحقيقه لذا الإصرار على خوض هذه المفاوضات فى الغرف المغلقة وبعيدًا عن رقابة شعبنا.
يذكرنى هذا المقال وتصوره للمفاوضات مع الحركات المسلحة بقصة رجل البوليس الذى كان يتجول فى احد الأحياء ليلًا فشاهد رجلا فى حالة سكر تحت ضوء احد أعمدة الكهرباء وهو منهمك فى البحث. اقترب منه رجل البوليس وسأله ان كان يحتاج الى مساعدته وعن ماذا يبحث. فاجاب الرجل بصعوبة بالغة: ابحث عن مفتاح منزلى وهو يشير الى الجانب المظلم من الطريق. فسأله الشرطى ولماذا تبحث هنا وقد أضعت مفتاحك فى الجانب الآخر من الطريق فرد الرجل لان هنا ضوء ولا يمكن ان ارى فى الجانب الآخر.
ان هذا البحث عن السلام وبهذه الطريقة لا يسنده الواقع ولا التجربة القريبة جدا مع هذه الحركات. انه بحث فى الجانب الخطا ومع الشريك المتوهم. نريد سلاما ينطلق من فهم واقعى وعملى لهذه الحركات ومن احترام لشعبنا.
أتمنى ان تثبت الأيام القادمة صواب نظرة الاستاذ الشفيع وخطا ما ذهبت اليه.

أحمد الفكي

[email protected]

تعليق واحد

  1. اعتقد هذا تحليل واقعي وراي يسنده واقع الحال في تعامل الحركات المسلحة وعملية صنع السلام. نريد سلاما يصنع من داخل السودان لا في اي ارض اخري …اجندة السلام بناء وطن معافي يعيش فيه الكل علي اسس المواطنة الحقة والعيش في ظل دولة القانون والديمقراطية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..