مقالات وآراء

محنة شمال كردفان…إدارة أهلية ودولة عميقة! (1)

يبدو أن بعض الناس لم يستوعب الدرس بعد! ومع أن مياه كثيرة قد جرت من تحت الجسر، وطويت صفحة كاملة من تاريخ السودان، إلا أن بعض رجالات الإدارة الأهلية، وكبار المسؤولين، في ولايتنا “الممحونة”، لا يزال يدور حول موقعه مثلما تفعل بعض الدواب حول “الركزة”، تماماً. ولعلي أطرح سؤالاً في هذا المقام: هل ولاية شمال كردفان جزيرة معزولة، أم هي “كانتون” مستباح لفئة من الناس تفعل فيه ما تشاء سياسياً وإدارياً؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يا ترى لم يطال المد الثوري هذه الولاية؛ حتى يقتلع بعض أشجار “الدمس” الضارة التي ظلت تمتص ليس فقط المياه من باطن الأرض، بل حتى عرق جباه المساكين والضعفاء، وتسلب حقوقهم في وضح النهار، بينما كان بعض الشرفاء من الهمباتة يتعففون عن سرقة وسم القبيلة.

هنالك فئة من القيادات، أو في الواقع بعض ضعاف النفوس والهمم، استمرأت الاقتيات على فتات الموائد، وليس لديها مانع من أن تأكل حتى القيء أو أن تصطاد في المياه الراكدة والآسنة؛ من أجل الحصول على الكسب المادي، سيما وأنها قد باتت تتغذى على جهد الآخرين، فلم تعد تبالي، ولذلك تماطل في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية وواجبة التنفيذ؛ حتى تتحقق المصلحة من أكثر من موقع وقضية! يحدث هذا في وقت تسيطر فيه عناصر الدولة العميقة على دولاب العمل التنفيذي في رئاسات المحليات، وأمانة حكومة ولاية شمال كردفان.

وبالرغم من كل الشعارات المرفوعة، وكل التغيير الذي حدث في السودان مؤخراً، لم تتغير النظرة الضيقة لدى بعض زعماء الإدارة الأهلية، ولا العقلية المحركة لبعض كبار المسؤولين والإداريين في محليات هذه الولاية المسكينة، وكأنهم قد أصيبوا بعمى البصيرة أو بعمى القلوب، أو أنطبق عليهم قول الله تعالى: “أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”. وهذه لعمرى أسوأ درجات العمى، نسأل الله السلامة والعافية! والرجل إذا عميت بصيرته لم يعد مؤهلاً لتولي أمر نفسه، ناهيك عن أن يكون مسؤولاً عن قبيلة أو ولاية؛ علماً بأن القدرة على التمييز بين الحق والباطل هي من شروط تولي المناصب العامة حتى على أدنى المستويات.

نحن لا نقول هذا الكلام جزافاً ولا اتهاماً باطلاً لا تسنده الوقائع، بل ننطلق من خلفية ثابتة يشهد عليها ذوو الحكمة والإدراك من مواطني الولاية والمسؤولين، وينبني كلامنا على حكم قضائي بلغ حد القطعية. ولكن بعض هؤلاء لا يريدون الإذعان للعدالة فقد مردوا على ممارسة “الدغمسة” بحسب مواقعهم الإدارية والحزبية، ونحن بدورنا آلينا على أنفسنا كشف الحقائق ووضعها بين يدي القارئ والجمهور الكريم بعد أن أصبحت أبواب الحكّام لا تفتح إلا لبعض أصحاب النفوذ المزعوم أو الزائف الذين لا يهمهم إلا ما يدخل جيوبهم أو بطونهم، دون اكتراث لمصدره أياً كان!   

لقد كتبت سابقاً ما نصه: “إن ما يجري هذه الأيام من ممارسات مؤسفة في محلية غرب بارا، وما اتخذ من قرارات مجحفة وجائرة ينذر بخطر وشيك وداهم قد ينسف ما ظلت تنعم به هذه المنطقة من استقرار وأمن مجتمعي؛ خاصة وأن الذين يمسكون بخيوط اللعبة لا يبالون البتة من دفع المجتمع المحلي نحو الهاوية طالما أن تلك القرارات تظهر الكبار بمظهر الحاكم القوي والمنتصر الذي ينتفش كالطاؤوس، دون أن تسمح له النشوة بالتفكر والتدبر في مآلات الأمور والأوضاع على كافة الأصعدة.

نحن نعلم أن هنالك مؤسسات للدولة يناط بها حفظ الأمن، ولكن أن يحاول البعض؛ خاصة من هم في موقع القيادة، الالتفاف حول المواثيق والعهود والأحكام القضائية بالاحتماء بمثل هذه الأجهزة، التي يفترض فيها الحياد، لاستصدار قرارات معيبة، فهذا لعمري لا يصب في مصلحة تلك الأجهزة، ولا المحلية ولا المجتمع، ولا من يسعون لاستغلال السلطة ويستقوون بالحاكم ضد مواطنيهم.

لقد علمتنا تجربة الحياة، ومراقبة الأوضاع، أن الحكمة هي أساس الحكم خاصة على المستوي الأهلي، ومن فقدها، أي الحكمة، يصبح غير مؤهل لإدارة شأن أهله وعشيرته لأنه سوف يوردهم موارد الفتنة والهلاك، لا محالة. والغريب أن بعض الإداريين يذعن بكل سهولة؛ نظراً لأن الأمور قد اختلطت، فتجد أن أمير القبيلة هو رئيس مجلس شورى لحزب سياسي، وهذا يشير إلى تركيز كل السلطات في يد مجموعة لا ترعى إلا مصالح فئة بعينها. يحدث هذا في وقت تشهد فيه البلاد ثورة عارمة طالت كل أوجه الحياة السياسية، وقلبت موازين التفكير لدى كثير من الناس! إن القرار الذي صدر عن لجنة الأمن بمحلية غرب بارا بخصوص أراضي الغبش قرار غير مدروس وتقف وراءه جهات نافذة بحجة بسط الأمن وما علموا أن أس الحكم هو العدل ورد حقوق الناس وليس الاعتماد على السلطان”.

وبما أن المعنيين بالأمر لم يستوعبوا الدرس، ولم يتغير الوضع؛ فإننا سنكشف المستور.

محمد التجاني عمر قش

[email protected]

تعليق واحد

  1. شمال كردفان…إدارة أهلية ودولة عميقة! (1)
    يبدو أن بعض الناس لم يستوعب الدرس بعد! ومع أن مياه كثيرة قد جرت من تحت الجسر، وطويت صفحة كاملة من تاريخ السودان، إلا أن بعض رجالات الإدارة الأهلية، وكبار المسؤولين، في ولايتنا “الممحونة”، لا يزال يدور حول موقعه مثلما تفعل بعض الدواب حول “الركزة”، تماماً. ولعلي أطرح سؤالاً في هذا المقام: هل ولاية شمال كردفان جزيرة معزولة، أم هي “كانتون” مستباح لفئة من الناس تفعل فيه ما تشاء سياسياً وإدارياً؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا يا ترى لم يطال المد الثوري هذه الولاية؛ حتى يقتلع بعض أشجار “الدمس” الضارة التي ظلت تمتص ليس فقط المياه من باطن الأرض، بل حتى عرق جباه المساكين والضعفاء، وتسلب حقوقهم في وضح النهار، بينما كان بعض الشرفاء من الهمباتة يتعففون عن سرقة وسم القبيلة.
    هنالك فئة من القيادات، أو في الواقع بعض ضعاف النفوس والهمم، استمرأت الاقتيات على فتات الموائد، وليس لديها مانع من أن تأكل حتى القيء أو أن تصطاد في المياه الراكدة والآسنة؛ من أجل الحصول على الكسب المادي، سيما وأنها قد باتت تتغذى على جهد الآخرين، فلم تعد تبالي، ولذلك تماطل في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية وواجبة التنفيذ؛ حتى تتحقق المصلحة من أكثر من موقع وقضية! يحدث هذا في وقت تسيطر فيه عناصر الدولة العميقة على دولاب العمل التنفيذي في رئاسات المحليات، وأمانة حكومة ولاية شمال كردفان.
    وبالرغم من كل الشعارات المرفوعة، وكل التغيير الذي حدث في السودان مؤخراً، لم تتغير النظرة الضيقة لدى بعض زعماء الإدارة الأهلية، ولا العقلية المحركة لبعض كبار المسؤولين والإداريين في محليات هذه الولاية المسكينة، وكأنهم قد أصيبوا بعمى البصيرة أو بعمى القلوب، أو أنطبق عليهم قول الله تعالى: “أفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ ولكن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ”. وهذه لعمرى أسوأ درجات العمى، نسأل الله السلامة والعافية! والرجل إذا عميت بصيرته لم يعد مؤهلاً لتولي أمر نفسه، ناهيك عن أن يكون مسؤولاً عن قبيلة أو ولاية؛ علماً بأن القدرة على التمييز بين الحق والباطل هي من شروط تولي المناصب العامة حتى على أدنى المستويات.
    نحن لا نقول هذا الكلام جزافاً ولا اتهاماً باطلاً لا تسنده الوقائع، بل ننطلق من خلفية ثابتة يشهد عليها ذوو الحكمة والإدراك من مواطني الولاية والمسؤولين، وينبني كلامنا على حكم قضائي بلغ حد القطعية. ولكن بعض هؤلاء لا يريدون الإذعان للعدالة فقد مردوا على ممارسة “الدغمسة” بحسب مواقعهم الإدارية والحزبية، ونحن بدورنا آلينا على أنفسنا كشف الحقائق ووضعها بين يدي القارئ والجمهور الكريم بعد أن أصبحت أبواب الحكّام لا تفتح إلا لبعض أصحاب النفوذ المزعوم أو الزائف الذين لا يهمهم إلا ما يدخل جيوبهم أو بطونهم، دون اكتراث لمصدره أياً كان!
    لقد كتبت سابقاً ما نصه: “إن ما يجري هذه الأيام من ممارسات مؤسفة في محلية غرب بارا، وما اتخذ من قرارات مجحفة وجائرة ينذر بخطر وشيك وداهم قد ينسف ما ظلت تنعم به هذه المنطقة من استقرار وأمن مجتمعي؛ خاصة وأن الذين يمسكون بخيوط اللعبة لا يبالون البتة من دفع المجتمع المحلي نحو الهاوية طالما أن تلك القرارات تظهر الكبار بمظهر الحاكم القوي والمنتصر الذي ينتفش كالطاؤوس، دون أن تسمح له النشوة بالتفكر والتدبر في مآلات الأمور والأوضاع على كافة الأصعدة.
    نحن نعلم أن هنالك مؤسسات للدولة يناط بها حفظ الأمن، ولكن أن يحاول البعض؛ خاصة من هم في موقع القيادة، الالتفاف حول المواثيق والعهود والأحكام القضائية بالاحتماء بمثل هذه الأجهزة، التي يفترض فيها الحياد، لاستصدار قرارات معيبة، فهذا لعمري لا يصب في مصلحة تلك الأجهزة، ولا المحلية ولا المجتمع، ولا من يسعون لاستغلال السلطة ويستقوون بالحاكم ضد مواطنيهم.
    لقد علمتنا تجربة الحياة، ومراقبة الأوضاع، أن الحكمة هي أساس الحكم خاصة على المستوي الأهلي، ومن فقدها، أي الحكمة، يصبح غير مؤهل لإدارة شأن أهله وعشيرته لأنه سوف يوردهم موارد الفتنة والهلاك، لا محالة. والغريب أن بعض الإداريين يذعن بكل سهولة؛ نظراً لأن الأمور قد اختلطت، فتجد أن أمير القبيلة هو رئيس مجلس شورى لحزب سياسي، وهذا يشير إلى تركيز كل السلطات في يد مجموعة لا ترعى إلا مصالح فئة بعينها. يحدث هذا في وقت تشهد فيه البلاد ثورة عارمة طالت كل أوجه الحياة السياسية، وقلبت موازين التفكير لدى كثير من الناس! إن القرار الذي صدر عن لجنة الأمن بمحلية غرب بارا بخصوص أراضي الغبش قرار غير مدروس وتقف وراءه جهات نافذة بحجة بسط الأمن وما علموا أن أس الحكم هو العدل ورد حقوق الناس وليس الاعتماد على السلطان”.
    وبما أن المعنيين بالأمر لم يستوعبوا الدرس، ولم يتغير الوضع؛ فإننا سنكشف المستور.
    محمد التجاني عمر قش
    [email protected]

    ياقش دورت ولفيت وما فهمنا منك ايتها حاجة! ماهي لجنة الأمن هذه وما هي قرراتها بشأن أراضي الغبش؟ وهل هي لجنة مفوضة من الوالي العسكري وهل هو وراء ذلك وما هي هذه الأحكام القضائية النهائية التي تتحدث عنها؟ نحن نعرف أن المحكمة العليا قد كسرت قرار الوالي إبن الفتلة المخلوع الذي كنت تطبل له وذلك بإعادة سواقي الريد إلى أصحابها فماذا حدث بعد هذا؟ الكلام العايم خارم بارم ما منو فايدة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..