مقالات وآراء سياسية

إنتصار بطعم الحنظل

خليل محمد سليمان

نشوة الإنتصار جعلتنا نقبل بالامر الواقع، والامل في البناء علي ما تحقق..
كنت ممن بارك إستلام قوى التغيير لكامل شئون الوزارة، وقد آلت كل المؤسسات المدنية لقوى الثورة المباركة..
نعم إنه إنجاز كبير، ولكن قوة دفع الثورة كانت قادرة علي تحقيق كل مستحقات التغيير، بما فيها هيكلة الجيش ووضع المليشيات وقوى الامن الاخرى..
كنت اثق تماماً ان الوثيقة الدستورية ابعدت هذا الملف من اجندة التغيير، وذلك بكل وضوح لصالح محور الامارات والسعودية، ووضع مليشيات الدعم السريع وإمداد حرب اليمن بالرجال..
الإستكانة إلي كلمة الوضع معقد و” دا ما وقته” في حد ذاتها إنتكاسة ومعضلة..
الخوف والتردد سيجعل من الامر مستحيل وهنا تكمن كل تفاصيل التغيير..
هناك من يقول إن وقت الحكومة قصير وهذا فيه نوع من الإستعجال..
اعتقد ما دام تم وضع السلام كأولوية قصوى في مقدمة اعمال الحكومة في الستة اشهر الاولى، كان يجب فتح هذا الملف ووضع خطة واضحة للتعامل معه بشكل يؤسس لسلام حقيقي قبل الخوض في تفاصيله..
اعتقد في حال توقيع ايّ إتفاق سلام سيجعل من هذا الامر الواقع ” الشاذ” حقيقة وحق، بل ستتم عمليات سطحية، يمكن ان نسميها محاصصة او تقاسم نفوذ علي حساب الدولة السودانية..
لماذا لم تتبنى قوى التغيير قضية ما يقارب الخمسة عشر الف ضابط واكثر من مائة وخمسون الف صف وجندي مفصولين تعسفياً لصالح التغيير؟
اعتقد الملف كان اكبر من عقلية من فاوض بأسم الثورة، وهنا كانت المفارقة بين التخويف والترغيب..
امر غريب ان تقبل قوى التغيير بالحد الادنى، وكانت تمتلك قرار ثوري بإسم كل الشعب السوداني ولا قوة في الارض كان يمكنها ان تقف امام رغبة وتطلعات الشعب السوداني حينها..
جعلوا من ملف الجيش والمليشيات منطقة محظورة، ومخيف الوصول إليها او حتى الحديث عنها..
والمؤسف كثير من الإخوة في قوى التغيير يقولون لو لم ننجز هذا القدر من الإتفاق  لسالت دماء كثيرة..
إذا لم نتعلم من تجاربنا سنحتاج إلي قرون اخرى حتي نفيق ونعي لما يمكن ان نفعله..
فقدنا ملايين الارواح، وسالت دماء كثيرة، وبرغم ذلك تقسمنا واصبحنا شعب يعيش في دولتين..
المؤسف ان نخاف من سيل الدماء ولا نقدر ثمنها..
لو كنا نقدر ثمن الدماء لكانت مواقفنا تجاه القضايا المصيرية صلبة، ولا تقبل المساومة، ولا يتخللها الخوف والوجل..
الاوطان لا تبنى بحساب الخوف، بل تبنى بالدماء والعرق والدموع..
اعتقد بذلنا كثير من الدماء والعرق والدموع، ولكن تنقصنا الإرادة الكافية لبناء دولة محترمة نستحقها بعد ثورة ديسمبر العظيمة..
ما لم توضع ورقة هيكلة الجيش، ووضع المليشيات بشكل واضح وصريح، ومعالجة هذا الامر الشاذ، حتي لو ادى ذلك لفتح الوثيقة الدستورية، ومعالجة الخلل الذي صاحبها، سنجد انفسنا امام دول كثيييرة داخل الدولة، وصراع نفوذ، سيقف حجر عثرة امام البناء والتقدم..
ما لم يتم وضع ملف المفصولين تعسفياً من ضباط وضباط صف وجنود القوات المسلحة في وضعه الصحيح، بأنه إنتصار للثورة، والقضية الوطنية، سنجد انفسنا امام إنتصار منقوص بل بطعم الحنظل..
في تقديري ان يتخذ ملف كهذا في حدود التعويض وجبر الضرر فقط، لهو ظلم وتجني علي القضية الوطنية بشكل عام.. وإعتراف صريح لترسيخ وضع شاذ، اصبح يمثل كتلة صلبة، وهي في تمدد وإزدياد، سيبتلع معالم الدولة التي خرج من اجلها شباب السودان الطاهر من كل ربوع البلاد وينشدها الجميع..
حرية سلام وعدالة..

 

خليل محمد سليمان
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..