مقالات وآراء سياسية

سفينة السودان بين الفلسفة والثورة

ناجي نوراني

سفينة ثيسيوس

يحكى في الأساطير اليونانية ان احد ابطالهم ثيسيوس عاد منتصرا من حرب فخلده اهل مدينته بالابقاء على سفينته فيالميناء كرمز لبطولته. وللحفاظ على السفينه تم استبدال الألواح التالفه بجديدة تماثلها، ففي السنة الأولى تم استبدال لوحواحد وبقيت السفينة سفينة ثيسيوس. وتم استبدال لوح ثاني خلال السنة الثانية ولم يتطرق الشك الى هوية السفية بانهاسفينة ثيسيوس ، وخلال ألف عام (1000) تم استبدال كل القطع. فهل يمكن أن نقول أن السفينة الراسية مازالت سفينهثيسيوس؟ ومتى كفت ان تكون اذا كان جوابنا بلا.

معضلة سفينة ثيسيوس الفلسفية( من القرن الميلادي الاول) أعلاه تناقش معضلة تغير الهوية وثباتها. وبإسقاطها على الواقعالسوداني يمكن تحويلها للسؤال التالي: متى تكف دولة السودان أن تكون دولة كيزانية؟ وبتغير أي مفصل في الدولة تتحولإلى دولة مدنية؟

من الكيزانية إلى المدنية:
يحدد المنظور الذي كنت تنظر من خلاله لجرائم الكيزان شكل تقيمك لمدى نجاح الثورة من عدمه. فإن كنت مهتم بوضع المرأةوالحريات فسترى ان الثورة ناجحة فرئيس القضاء باتت امرأة والحريات بات سقفها مرتفع. وان كان الاقتصاد هو الفيصلفي نظرك فسترى ان الثورة فاشلة فالشعب مازال يعاني في الحصول على الأساسيات وإن وجدها فهي ليست في متناوليده بسبب الفقر، فلا شئ تغير. وآخرون يرون المدنية متوقفة على حل الدعم السريع ومحاكم افراده وقياداته.
منذ سقوط البشير وكل يوم يحمل أخبار إقالات لكيزان وتعيين بدلاء لهم محسوبين على الثورة بدءاً من رئيس الوزراء و الوزراءووكلائهم الي كبار موظفي الخدمة المدنية ومدراء الجامعات… الخ فمتى نقول ان الثورة إنتصرت وأصبحنا دولة مدنية؟

دفة السفينة واليد المدنية:
بالعودة لمثال السفينة : في مرحلة الثورة الأولى كان الصراع والملاواة حول فك قبضة البشير عن دفة الحكم وأنتصرت الثورةبتنحيه (يقلل هذا الإنجاز الأن لصالح ان الدعوى كانت لإسقاط النظام وليس فقط البشير ويتناسى اصحاب هذا الطرح انالبشير كان هو محور النظام. والنظام بعده كحية مقطوعة الرأس). المرحلة التي تلت ذلك كانت بين دعاة مدنية كاملة ومحاولةالجيش استلام الدفة. وانتهت إلى شراكة بغلبة مدنية واضحة يشهد بذلك التغيرات في قيادات الخدمة المدنية والجامعاتوالقضاء ومناخ الحريات…الخ
ما بين عصا الدفة في يد (حمدوك) في مقدمة السفينة/الدولة و الدفة في آخر السفينة الكثير من القطع الصدئه من كيزانوآليات خربة من قوانين معيبة تحاول إعاقة تغير اتجاة الإبحار. تغير كل ذلك يتم تدريجيا وبآليات تختلف عن آليات الملاوة منمسيرات وإضرابات والتي اسقطت النظام السابق. فما هي هذه الآليات؟

المدنية ما بين آليات الصراع الثوري والتغير المدني:
العدالة من شعارات الثورة السودانية فأين هي الآن من أرض الواقع؟ هل محاكمة البشير القاتل على بضعة ملايين هيالعدالة التى قامت من أجلها الثورة؟ سؤال يطرحه الكثيرون ومبعثه الغضب المشروع ويحمل إدانه مبطنه للاخر بالتخلي عنالدم. أرد على مثل هذا السؤال بسؤال ماهي الخطوات العملية التي اتخذتها (أنت) لتحقيق العدالة؟
العدالة لن تهبط علينا ولكنها لتتحقق تحتاج (آليات) من وزارة عدل وقضاء ونيابة عامة (تم فيها خطوات مهمة وكبيرة) وإصلاحقوانين(مهمة ليست باليسيرة) وكل ذلك يتحقق رويدا رويدا وليس بالمسيرات. وهنا لا أطالب بالصبر السلبي بل بالإقدامالمجتمعي الإيجابي: فمعلوم للكل ان أكبر جرائم البشير تمت في دارفور من قتل واغتصاب وتهجير فما يمنع حركات دارفور وقوانا السياسية والحقوقية من تجهيز ملف قانوني وتقديمه للمحاكم. أليس أجدر بنا توجيه طاقاتاتنا من قبيل مسيرة ٢١ لجمعملف جرائم دارفور. فنكون قوينا مدنيتنا ونحن في طريق تحقيق العدالة.

أين الدعم السريع في سفينة الدولة:
سفينة السودان لم ولن تتوقف عن الابحار خلال استبدال القطع الكيزانية. والدعم السريع( ميليشيا لا مكان لها في الدولةالمدنية) بما يملكة من سلاح وأموال وتوحد خلف قيادة قبلية يمثل لوح خطير محاولة فكه بالقوة قد تهدد بغرق السفينة بكاملها. لذا يحتاج التعامل معه إلى حرص شديد ومعالجته في إطار اعاده هيكلة الجيش و استيعاب قوات الحركات المسلحة.

أخيرا يهدف المقال إلى التأكيد على أهمية أن تغير آليات النضال الثوري الى آليات مدنية بتحولنا إلى دولة مدنياااااااو

 

ناجي نوراني

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..