
أدرك الإنجليز منذ بداية عهدهم الإستعماري للسودان ومن تجارب أخري في مستعمراتهم الآسيوية والأفريقيةبأن معضلة الحكم في تلك البلاد تكمن في الإدارة المحلية ومفتاح الح في ذات الوقت , فإذا ضمنوا إدارة جيدة في المحليات والبلديات ضمنوا وضعا مريحا في سدة الحكم على مستوي المركز.
وخرج الإنجليز من السودان وتركوا كما قالوا إدارة مدنية ( ٍ Second to none )..ولكننا لم نحافظ علي ذلك الوضع بل تدهور بنا الحال الي ما آل اليه الآن متمثلا في تدهور الخدمات وتفشى الرشوة والمحسوبية وبيع الأراضى والممتلكات بدعوي تنوع مصادر الدخل … وأصبحت المحليات بؤرة لكل ما هو فاسد ..ةالكل يعلم ذلك ولا يحتاج منا الى دليل.
منظومة الحكم المحلي تحتاج الى إعادة نظر من خلال مؤتمر علمى قومى تشارك فيه الجامعات ومراكز البحوث وبيوت الخبرة العالمية للخروج بتوصيات وقرارات تمكن المحليات بالذات وبقية أجهزة الحكم المحلي من أداء مهامها بالمستوي المطلوب الذى يليق بمدينة المعرفة ونحن نلج بوابة الألفيةالثالثة,,
وحتى يتم عقد ذلك المؤتمر بشأن إصلاح منظومة الحكم المحلي في السودان فإننى أطرح هنا مقترحا من واقع عملى كمستشار لمنظمة المدن العربية بالدوحة وتجربتي الطويلة في العمل بالبلديات والكم الهائل من التجارب الإقليمية والدولية في إدارة المدن الكبرى فقد وجدت من التجارب الرائدة والناجحة وجود وظيفة ( عمدة المدينة ) كما هو الحال في لندن ونيويورك وشيكاغو ومدن أخري كثيرة شرقا وغربا .
فهي وظيفة سياسية يتم الحصول عليه بالإنتخاب المباشر من سكان المدينة بصلاحيات سياسية وإدارية ومالية مستقلة تماما عن سلطة الحزب أو النظام الحاكم كما نجده حاليا في مدينة إسطانبول التركية فعمدة المدينة من حزب علماني وقد فاز علي مرشح الحزب الحاكم (العدالة والتنمية )
والخرطوم الكبرى ( الخرطوم وأم درمان وبحري ) ليست بأقل أهمية ومكانة عن تلك المدن.
ويحتاج الأمر فقط الي إصدار تشريع إستثنائي لإدارة العاصمة وقد سبق للخرطوم أن حازت هذا الإمتياز فربما ينجح العمدة بصلاحياته الجديدة في إدارة العاصمة فيما فشلت فيه كل مسميات الحكم المحلي السابقة.
قد يعتقد البعض أن إدارة العاصمة بواسطة ( العمدة) فيها ردة أدارية وعودة الي زمن العمد والمشايخ والإدارة الأهلية … ولكن الأمر في حقيقته ليس كذلك ولا يأخذ من ذلك النظام القديم الذى عرفته الإدارة الأهلية إلا الإسم فقط وقد أردنا من ذلك أي إختيار ( عمدة المدينة ) لتأكيد السودان الجديد على الريادة
في إدارة المدن وذلك بالأخذ بفلسفة الآصالة والمعاصرة وهى التي ستتجسد في مهام العمدة .
د. فراج الشيخ الفزاري
إستشاري الصحة العامة وشئون البيئة
المستشار السابق لجائزة منظمة المدن العربية بالدوحة