
هبطت المروحية التي أقلت السيد والي ولاية شمال كردفان المكلف، سعادة اللواء الصادق كركسي، هبوطاً ناعماً في منطقة الغبش! وبعد مرور سريع على الأرض المزروعة، برفقة لجنة أمن الولاية وبعض زعماء الإدارية الأهلية، خاطب سعادة اللواء أهالي المنطقة بلهجة مفعمة بالعواطف والحنكة، فسمح لهم بالعمل في الزراعة، بيد أنه لم يلامس لب المشكلة بل تركها كالمعلقة! ونحن في المقام الأول نشكر لسيادة الوالي هذه الزيارة، ولو كنا نثق في حلول إدارتنا الأهلية، لما كلفنا سيادته مشقة الرحلة. وكما هو معلوم فإن بعض قيادات الإدارة الأهلية قد أصبح جزءاً من المشكلة؛ وبالتالي غير مؤهل لتولي الحل؛ إذ كيف يكون الشخص هو الخصم والحكم في آنٍ واحد؟ ولعلك تعلم يا سيادة الوالي أن الحكم الصادر من المحكمة العليا بالأبيض برقم 36/ 2017 قد ألقى قرار لجنة محلية غرب بارا بشكل نهائي لا لبس ولا غموض فيه، وهو في نفس الوقت أثبت ملكية الأرض لأصحابها، فلماذا تسعى السلطات المعنية لتجاوز هذا الحكم؟ عموماً، زيارة الوالي هدّأت النفوس، وطيّبت الخواطر، ولو إلى حين.
من جانب آخر ينسب للسيد الوالي قوله: “عند استلامي وجدت الضباط الإداريين أداءهم متباين مع ضعف واضح؛ ذلك لأنهم، في المرحلة السابقة، لم يكلفوا بمهام، وكانت كل مهامهم موزعة على لجان المؤتمر الوطني والمعتمدين واللجان الشعبية وغيرها، وأعتقد أن الحكم المحلي أكبر منصات فساد النظام السابق، ولو أطلقوا لي العنان بالمحاسبة، فأنا جاهز لمحاسبة أي شخص أفسد، وستكون محاسبة المؤسسات هي هدفي؛ لأنها سبب فساد الأفراد”.
إذن لا عزاء لولاية شمال كردفان طالما أن سعادة الوالي المكلف يقر بضعف المسؤولين في الجهاز الإداري المحلي وبفسادهم، ولم يتخذ سعادته أي خطوة عملية لتدارك الوضع. ليس هذا فحسب، بل إن سعادة الوالي المكلف اعتمد على قرار جائر اتخذه المدير التنفيذي لمحلية غرب بارا على الرغم من وجود حكم نهائي صادر من المحكمة الإدارية العليا في الأبيض، وكل ذلك بتواطئي مفضوح مع بعض قيادات الإدارة الأهلية في المحلية! وبما أن سيادة الوالي حريص على سلامة النسيج الاجتماعي في المنطقة؛ فإننا نطالبه أولاً بسرعة البت في هذا الوضع قبل” أن يطيح الفأس على الرأس” وثانياً بإبعاد من تسببوا في هذه المشكلة عن المنطقة بمن فيهم الضابط التنفيذي، في محلية غرب بارا، بعدما أتضح للجميع جور قراراته وضعفه وانحيازه المكشوف لجهة دون أخرى تحت تأثير بعض النافذين.
سعادة اللواء الصادق كركسي، أرجو ألا تكون ضحية لتأثير ومكر أحد كبار الضباط الإداريين في أمانة حكومة الولاية، سيما وأن هذا الإداري على صلة وثيقة بقيادات الإدارة الأهلية من الذين كانوا يشغلون مناصب حزبية متقدمة؛ وبالتالي لا يخالجنا الشك مطلقاً أن كل هؤلاء إنما هم عناصر الدولة العميقة الذين لا يزالون يسيطرون على مقاليد الأمور في شمال كردفان ويسعون لعرقلة سير العدالة!
إن القضية التي بين أيدينا، كغيرها من قضايا الدار؛ مثل قضية الحمرا والعِديد وأبو قايدة، تعد نموذجاً حياً لقضايا الفساد الإداري، والجهة المسؤولة والمقصرة في كل هذه القضايا معروفة، وكل هذه القضايا تشير إلى استغلال بشع للسلطة والمنصب! ومن هنا نطالب سعادتك بالتقصي وبمحاسبة ناجزة، تطال كل من ثبت تورطه في تلك القضايا التي أضاعت حقوق الناس وسببت لهم الغبن! إن التقصير والبطء في حسم القضايا وتنفيذ الأحكام؛ خاصة تلك التي تتعلق بالأراضي الزراعية، قد يدفع بالمجتمع إلى حافة الفتنة، وربما الاقتتال حول الموارد وحينها سيعض الظالم أصبع الندم ولات حين مناص! بالله عليكم كيف تكون ردة فعل شخص حرم من حصاده ومصدر رزقه، بدون وجه حق، وبتدخل من بعض أصحاب النفوذ في الإدارة الأهلية والحكم المحلي ورئاسة الولاية!
أين نحن من شعارات الثورة “حرية، سلام وعدالة” هل فشلت في الوصول إلى هذه الولاية بعد الانقطاع والخراب الذي لحق بطريق الصادرات، أم ثمة مراكز قوة داخل الجهاز الإداري على كافة المستويات، من شأنها ودأبها تعطيل الأحكام والحيلولة دون اتخاذ قرارات تحفظ حقوق الناس، خدمةً لمصالح خاصة وأجندة ضيقة لا تتفق مع الشرع ولا العرف؟ إذن نتوقع من الوالي المكلف، حسب وعده، أن يتخذ موقفاً حازماً يستأصل شأفة الفساد ويسد منافذه ليس فقط بتدريب العاملين في الجهاز الإداري ورفع كفاءتهم، التي وصفها سعادته بأنها متدنية، بل بمحاسبتهم وتطبيق القانون حتى يكونوا عبرة وعظة لسواهم من ضعاف النفوس والهمة!
هنالك قضايا كثيرة؛ خاصة في محليات بارا، بحاجة لتحرك عاجل لتسويتها قبل أن يبلغ السيل الزبا، وقد أشرت لبعضها، بيد أنها معروفة للجميع، وأشدها خطورة هي قضية أرض الحمرا؛ نظراً لتعدد أطرافها والتحرك المحموم من بعضهم للقفز فوق الواقع وسحب البساط من الآخرين!
ختاماً، من الآن فصاعداً لن نقبل بالبقاء ضمن دار ومحلية تُنتهك فيها حقوقنا بواسطة زعمائنا في رابعة النهار، فليس من شيمنا الخنوع والاستسلام.
محمد التجاني عمر قش