أخبار متنوعة

فيروز “سفيرتنا إلى النجوم”

كتب : محمد الاقرع

صوتها حين تغني يقتحك مباشرة دون تهيئة أو استئذان ، يصل أعماق الروح ومدارك العقل فيجعلك تعيش في خليج من المشاعر والأحاسيس (طرب ، شجن ، أمل ، زهو) ، مجرد أن يلامس الإطار الخارجي لصيوانك الأذني تُحرر لك صكوك الاسر و الإنجذاب والهيام ، صوت مخملي دافئ يتوغل في الدواخل ويتمدد في الحنايا ، غريب يصنع حالته في نفوس سامعيه لا يُلجأ له لتعبير عن حالات مسبقة ، ولعل سهولة اختراقه للدواخل تقابلها صعوبة في الحديث عن الصادر منه فهو ينساب من اُنثي أبلغ ما توصف بأنها غنت للحقيقية والجمال والعاطفة والنضال كما ينبغي وأعتلت قمة الهرم الغنائي العربي عن قدرة وإقتدار .

في لبنان عام 1935 كان صرختها الأولى في مسرح الحياة أطلقت عليها أسرتها اسم نهاد وديع حداد ، طفولتها كانت عادية والعادية لها تفسيرات أخرى في تلك البلاد التي كانت تغرق في أتون الحروب مع إسرائيل من جهة والتجاذبات والاستقطاب الطائفي والديني من جهة أخرى وكل التبعات المصاحب ، وعت فيروز وهو أسمها الفني الذي اشتهرت به أبعاد تلك الصراعات جيداً واستطاعت أن تأسس نفسها لتكون المرجعية التي يجتمع حولها كل أبناء وطنها بمختلف توجهاتهم وأن تكون المصد الأمامي الذي يواجه الأعداء الخارجيين وقد كانت .

في العام 1952 م كان الميلاد الثاني أو الحقيقي لها على مسرح الغناء حيث التقت “فيروز” بالأخوين الرحباني (عاصي ومنصور) اللذان شكلا نقل نوعية في حركة الأغنية العربية من خلال الإرتهان على النمط الغنائي القصير والبعيد عن المقدمات الموسيقية الطويلة التي تميز بها ذاك العصر ، راجت أغنياتهم وتخطت حدود الوطن لبنان الى براح الوطن العربي والعالم أجمع من خلال الإذاعات ووسائط الاعلامية المرئية التي كانت (تتلقف) على عجل جديد ما يقدمون ، قصر مدة الأغاني لم تؤثر على الفكرة والقضية وأنما قدمتها في غالب محترم وبسيط ومتنوع (عاطف ، غزل ، وطن ، إشكاليات مجتمعية …الخ) ، وفي العام 1955م وعلى الصعيد الشخصي تزوجت “فيروز” من عاصي الرحباني وانجبت منه (زياد ، هالي ، ليال ، ريما) .
زهرة المدائن :
قضية الصراع العربي الإسرائيلي ظلت مسار محوري في أغنيات “فيروز” التي كما كانت تلهب الجماهير وتحفز على المقاومة وتبشر بدنو الانتصار ، كانت صوت يرهب الأعداء ويحبطهم من قوته وتأثيره بحتمية الهزيمة ، وفي هذا الصراع أخرجت “فيروز” عدد من الأغنيات (سنرجع يوماً ، يا ربوع بلادي ، القدس العتيق ، غاب نهار اخر ، يافا ، الارض لكم ….الخ ) بالاضافة الى الاغنية الاشهر (زهرة المدائن) والتي وجد قبول كبير في الوطن العربي تقول في مطلها ….
(لأجلك يا مدينة الصلاة أصلي
لأجلك يا بهية المساكن يا زهرة المدائن
يا قدس يا قدس يا مدينة الصلاة
عيوننا إليك ترحل كل يوم
تدور في أروقة المعابد
تعانق الكنائس القديمة
و تمسح الحزن عن المساجد
يا ليلة الأسراء يا درب من مروا إلى السماء
عيوننا إليك ترحل كل يوم و انني أصلي)
خلال مسيرتها المتواصلة الى الآن قدمت “فيروز” العديد من الالبومات أبرزها (ايه في أمل ، اسكتشات ، الاغاني الخالدة ، اندلسيات ، انشودة الزمان ….الخ) كما طرق “فيروز” باب آخر حيث شاركت بتقديم العديد من المسرحيات الغنائية منها (جسر القمر ، الليل والقنديل ، بياع الخواتم ، أيام فخر الدين ، هالة والملك ، جبال الصوان …الخ) وايضا شاركت “فيروز” في عدد من الأفلام (بياع الخواتم انتاج عام ، سفر برلك انتاج عام ، بنت الحارس ) وفي شهادة تقيمية لاقتحامها للجانب التمثلي يقول الدرامي والاديب العربي نبيل ابو مراد :” قد قدّر لي منذ ان كنت طالباً للتمثيل في الجامعة اللبنانية ثم من بعد التخرج أن أقف ممثلاً على خشبة المسرح الى جانب السيدة فيروز ، فتحاورت معها وراقبتها تمثل وراقبتها عن قصد مني وفضول لمعرفة ما اذا كانت هذه المرأة تستطيع ان تتجلى في فن التمثيل كما تتجلى في فن الغناء والحق يقال لقد وجدها ممثلة حقيقية ذات حضور طاغ تتلبس الأدوار بصدق وتؤديها بإحساس مرهف وتعطي الكلمة معناها والحالة الشعورية حرارتها فهي تستمع للممثلين الذي يحاورونها وتتفاعل بما يقولون وتقول وهذا من شروط التمثيل الصحيح…كانت تنسجم وتتفاعل بمرونة وحذاقة مع جميع الأدوار التي لعبتها ، لم تكن الأدوار التي تؤديها سهلة بل بالعكس كانت تتطلب مهارة ومقدرة كبيرة بحيث أنها تقوم على ثلاثة دعائم ..الغناء ، التمثيل ، الحضور ) . تعاملت “فيروز” في تلحين الأغاني بعد وفاة زوجها عاصي الرحباني مع عدد من الملحنين ابرزهم “فلمون وهبة و زكي ناصيف”، لكنها عملت بشكل رئيسي مع أبنها زياد الرحباني الذي قدم لها مجموعة كبيرة من الأغاني
فيروز وحسن نصرالله :

قبل سنوات دار جدل كثيف حول الحديث الذي ذكره ابنها “زياد” بأن أمه “فيروز” تحب “حسن نصرالله” الزعيم الشيعي المعروف كبطل ولعل ذلك لم يعجب المنتاحرون سياسياً مع حزب الله فاعتبروه أمر مخجل في حقها بينما أحتفى الطرف الاخرى بذلك وتاجر به لإيجاد مكاسب سياسية ، أتى ذلك في وقت قال فيه بعض الناقد المحايدين : أن “فيروز” قامة فنية كبيرة والتعامل مع جمال ما تقدمه من فن راقي لا يدخلنا في تفاصيل حبها أو كرهها، خصوصاً أنها على كل مراحل عمرها لم تكن في يوم من الأيام أداة سياسية لأي حزب أو جماعة في بلادها، ولهذا السبب كسبت حب اللبنانيين وأحترام العرب .

اخيراً :
فيروز أو (سفيرتنا الى النجوم ) كما يلقبها عشاقها كانت وما تزال قامه غنائية عربية صعبة التجاوز والتجاهل ، وصوت موسيقي يستعان به للمصابره والطرب والانتصار ، وزمر يلمح للزمن القومية الجميل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..