
حينما يعود المغترب السوداني الى أرض الوطن للاستقرار، بعد غربة غالبا تطاولت سنواتها، تطارده أسئلة الداخل وإستفسارات الخارج.. فالأهل والأصدقاء هنا في البلد يطرحون عليه سيلا من الأسئلة .. على شاكلة “يازول مالك ، الرجعك شنو” ..”بالله عليك كيف تعود والناس تبحث عن فرص للمخارجة”.. ” يا حبيب كان تصير شوية ” ياقريبنا الرجعك للبلد الحفرة دي شنو ” “يازول أحسن ليك تتخارج البلد دي صعبة” .. وكثيرمن الأسئلة التي لاجواب عليها غير صمت وإبتسامة “رضاء أو إستهجان” تجعل السائل يكف عن طرح الأسئلة.
هناك معشر المغتربين في دول الخليج مثالا.. من الأصدقاء والزملاء يبعثون بكثير من الاستفسارات التي يريدون بها أجوبة تحمل اليهم الأمل بأن ” الأمور جيدة” حتى تمضي خطط الذين يترتبون للعودة على نحو جيد ..وغالبااستفسارات معشر المغتربين تدورحول التعليم والصحة وبقية الخدمات الاجتماعية ..وهم يتمنون دائما تمام عافية الوطن باعتبار أن الغربة مهما تتعدد محطاتها لابد من محطة أخيرة ..وعودة حتمية الى البلد.
نقول للذين يطيلون الأسئلة عن أسباب العودة.. أن ظروف الاغتراب نفسها لم تعد كما كانت في السنوات الماضية، وأن كثير من المغتربين الذين عادوا أخيرا ومن يتطلعون للعودة بأن سنوات إغترابهم تطاولت حتى أصبح البوح بها محرجا حينما يكون حصاد الغربة متواضعا لاسباب معلومة فاغلب المغتربين السودانيين ظلوا يتحملون أعباء كبيرة تجاه أسرهم الممتدة لجهة التعليم والعلاج .. فاياديهم طولى في الافرح والاتراح .. فالمغترب السوداني مهما تواضع مصدر دخله تجده عن “الحارة “راجل ود رجال” وتلك قصص طويلة يعرفها الناس جيدا ..وقد يكون هناك مجال في وقت لاحق للحديث حول بطولات المغتربين.
أما معشر المغتربين الذين لايزالون يرابطون بديار الاغتراب ويطرحون الاستفسارات للعائدين بغرض الاستقرار عن أوضاع السودان..نقول لهم ونحن ننوب في هذه الحالة عن العائدين ..أن السودان ليست “حفر” ..صحيح أن كثير من الخدمات بحاجة لجهود كبيرة خاصة الصحة والتعليم واصحاح البئية وإصلاح الطرق.. ومع كل هذه ” المنغصات” تجد أجواء لايمكن أن توفرها الغربة.. يارجل .. وأنت في سرادق العزاء ، وبعد أن تترحم على المتوفى تجد مساحات رحبة للحديث في السياسة والرياضة والثقافة والادب والفكر ..وخلال ساعات تلتقي كل أطياف المجتمع سواء ان كان في المدينة أو القرية .واذا أنقطع عنك التيار الكهربائي تجد في الحوش او السطوح هواء عليل يجلب العافية… تنوم قرير العين وعلى الاذان الأول تسيقظ بكامل لياقتك ..لانقول بهذا الحديث كعاطفة جياشة ولكن هي الحقيقة .. نعم هي الحقيقة التي لم تهزمها صفوف الخبز حينما كان شحيحاً.والمجتمع السوداني لايزال بخير رغم قساواة المحن.. أخيراً.. من أراد العودة الى الوطن فليعد .. وليعلم أن الأيام الأولى قد تكون كثير من الأمور “فيها بعض من العنت” ولكن بمرور الأيام تصبح هذه هي حياة الناس الطبيعية.. الناس الذين ترضيهم كلمة طيبة وتسعدهم ابتسامة عابرة .
مصطفى محكر