مقالات وآراء سياسية

القوى السياسية: من قاد الهبوط الناعم؟

زين العابدين صالح عبد الرحمن

مصطلح الهبوط الناعم ” علي وزن الفوضة الناعمة ” المصطلح الذي جاء به المحافظون الجدد في عهد الرئيس جورج بوش الأبن، حيث كان مصطلحا مرددا بكثرة علي لسان وزيرة الخارجية غونزاليس رايس، الهدف منه لكي تستقيم الأوضاع بالصورة التي تريدها الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط، لابد من استخدام الفوضة الناعمة. و بذلك يكون الهبوط الناعم من ذات الفصيلة، و كان الحزب الشيوعي داخل قوى الاجماع يعتقد أن الولايات المتحدة لا تريد تغييرا جوهريا لنظام الإنقاذ، بل تريد هبوط ناعما ” أي بتسوية بين المعارضة و الإنقاذ” و عندما أعلن الرئيس المعزول خطاب الوثبة، كان الاعتقاد أن هذا الخطاب يشكل الأرضية للهبوط الناعم، و كانت قوى الاجماع تراهن علي ثورية جماهيرية تقتلع النظام.

 

قبل الثورة كان قد شاع المصطلح باعتباره يعبر عن قرب تسوية سياسية بين نظام الإنقاذ السابق و بعض القوى السياسية المعارضة، و كان ذلك مرهونا علي أن يوافق نظام الإنقاذ بعملية التحول السلمي من نظام شمولي إلي نظام تعددي، هذه المرحلة التاريخية سماها الراحل محمد علي جادين ” تسوية الضعفاء” باعتبار أن النظام كان ضعيفا و فشل في حلول مشاكله، و أيضا المعارضة كانت ضعيفة، و فشلت في تغيير النظام، حتى فاجأت الثورة الجميع بالمعارضة و نظام الإنقاذ، و من ثم غيرت موازين القوى لمصلحة الشارع. و بعد عزل الرئيس، بدأت المفاوضات بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري، عاد الحزب الشيوعي يردد ذات المصطلح، باعتبار أن هناك قوى سياسية تغازل العسكر. كانت القناعة السائدة في الشارع أن حزب الأمة هو المتهم بعملية الهبوط الناعم، و يرجع ذلك لخطابات السيد الصادق المهدي زعيم حزب الأمة التي كان يدعو فيها مفاوضي قوى الحرية و التغيير أن لا يخسرو المجلس العسكري، باعتباره شريك في عملية أسقاط النظام، و يجب أن تكون هناك منطقة أوسطى يلتقي عندها مفاوضي الجانبين.

 

في المقابلة التي اجرتها جريدة الراكوبة مع لأستاذ محمد مختار الخطيب السكرتير السياسي للحزب الشيوعي، قال: أن ما هو قائم الآن تحالف بين النظام البائد ممثل في المجلس العسكري الذي صار جزءا من مكون الحكم، و جهات كانت تدعو إلي الهبوط الناعم، و لا ترغب في تغيير جذري حقيقي، إذا القوى الاجتماعية المسيطرة علي السلطة هي ليست ذات مصلحة في تغييرات جذرية” لكن الخطيب لم يحدد القوى. و تركها طاقية معلقة في الهواء…!

 

كما الجبهة الثورية نفسها لم تكن رافضة عملية الهبوط الناعم، حيث قال مبارك أردول الناطق رسمي السابق للحركة الشعبية شمال، يجب أن يكون هناك تفاهم بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري، و يفضي التفاهم لتسوية تنشل البلاد من حالة الاحتقان. و حتى الدكتور جبريل إبراهيم كان يعتقد أن استمرار الثورة مطلوب حتى تكمل أهدافها، و أن سلطة مدنية أفضل للديمقراطية، و لكن التسوية بين مفوضي “حقت و المجلس العسكري” يمكن أن تصل إلي تسوية مرضية للعبور بالفترة الانتقالية لبر الأمان، أغلبية القوى السياسية لم ترفض التسوية باعتبارها مخرج من الآزمة السياسية، الحزب الشيوعي وحده الذي كان رافضا عملية التسوية مع المجلس العسكري، و هناك قوى كانت تعمل داخل الغرف المغلقة. و تأكيدا للحوار الدائر في الغرف المغلقة قال سكرتير الحزب الشيوعي الخطيب في الندوة السياسية التي أقامها حزبه في ميدان المدرسة الأهلية بأمدرمان، قال “قيام الإمارات والسعودية بإجراء مجموعة من الاتصالات مع كيانات سياسية وقيادات بارزة في قوى المعارضة غير متحمسة للتغيير الجذري في السودان – لم يسمها – وسعوا لتغيير مسار الانتفاضة.”وأشار أيضا أنهم رصدوا “دعوات لولائم – وجبة عشاء – في بيوت رجال اعمال سودانيين وأعضاء من قوى إعلان الحرية والتغيير، وأعضاء مع المجلس العسكري – قبل حله – تتجاوز الشأن الاجتماعي الى التسوية السياسية” هذه المعلومة لم تكن خافية بل كان الحديث عنها بأنها معلومات غير مؤكدة و معلوم العناصر التي كانت تحضر هذه الاجتماعات، الغريب في الأمر أن بعض هذه العناصر لم تقدم أي معلومة لأحزابها و استغلت الثقة التي كانت ممنوحة لها في إقامت علاقات مع الجانب الآخر.

 

لكن اللقاء الذي أجرته جريدة ” اليوم التالي” مع مروان محمود، و الذي عرفته الجريدة بأنه قيادي في ” تجمع الاتحاديين” قد غير كثيرا من تلك القناعات التي يعتقد البعض بأنها موجهة لقوى سياسية بعينها، عندما قال في اللقاء أن التسوية السياسية قد تمت علي أيادي الاتحاديين.  و قال مروان للمحاور ” ولا أذيع لك سرا، إذا قلت نعم التسوية السياسية التي حدثت الآن كانت عبر الاتحاديين لآن كل الكتل السياسية كانت لديها تحفظات هنا و هناك، و آراء قد تتقاطع مع ما تم، لكن كان رآينا واضحا مع احترامنا لرؤى الآخرين، فقد رجحنا صوت العقل، و لابد من الاستجابة لهذا المنعطف التاريخي، و هذا الإسهام الذي قدمه الاتحاديون” في هذا المقطع من الحديث أن مرون قد برأ القوى التي كانت متهمة بالهبوط الناعم بقوله ” كل الكتل السياسية كانت لديها تحفظات” و هل الاتحاديون لم تكن لديهم تحفظات؟ و من هي العناصر التي تفاوضت من قبل الاتحاديين لكي تصل للتسوية السياسية؟ و من الذي كان يتفاوض معهم من المجلس العسكري؟ و متى بدأ تحرك الاتحاديين قبل دخول الوساطة الأفريقية أم بعد حضور إبي أحمد رئيس وزراء أثيوبيا؟ بعض القيادات في التجمع الاتحادي نفت أن يكون مرون قيادي معهم. لكنها لا تستطيع أن تنفي أن لمروان علاقات وطيدة مع بعض الأفراد داخل المكتب التنفيذي لقيادة التجمع الاتحادي، و كان قد حضر عدة اجتماعات للمكتب التنفيذي. هذا النفي يقودنا لسؤال آخر؛ هل المقابلة الصحفية مع مروان تم الترتيب لها و يهدف منها هو جس لنبض موقف الشارع و القوى السياسية عندما تعلم بهذه المعلومة؟

 

في فترة وقف التفاوض بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري الانتقالي كانت هناك بعض القوى السياسية تنادي بتصعيد الحراك الجماهيري، في الوقت الذي بدأ فيه المجلس العسكري التحرك وسط ما يسمى بقيادات الإدارة الأهلية، و عقد لقاءات جماهيرية في الريف المحيط بالعاصمة، و كان يقود هذا الحراك السياسي قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو حميدتي. لذلك بدأ التصعيد من الجانبين، الأمر الذي أدي إلي تدخلات خارجية بهدف الدخول كوساطة تقارب بين الجانبين. الهدف منها  الوصول لتسوية سياسية بين الجانبين. لذلك سأل المحاور سؤلا ليس بريء، فكان السؤال: عند الحديث عن الثورة لابد أن نتحدث عن قوات الدعم السريع، هل تعتقدونها شريكا بالنسبة لكم..؟

 

أجاب مرون “الدعم السريع تركة ورثناها من النظام البائد، ومظهر لتشوهات المؤسسة العسكرية، لكن مع ذلك فإن قوات الدعم السريع هي قوات مسلحة ولها وضعيتها العسكرية والتنظيمية القتالية، ومن الصعب تجاوزها في معرض التغيير، وما يحدث الآن، والتسوية التي حدثت بين القوات المسلحة والدعم السريع إنما جاءت لتجاوز مخاطر أكبر من النظر لشكل وممارسة تلك القوات في وقت سابق ولا يمكن أن ننكرها.” فالجواب كان واضحا ليس فيه شيء من الدبلماسية. رغم أن الحديث عن قوات الدعم السريع لكن الإشارة لعملية الحوار حول التسوية عندما قال مرون ” لا يمكن تجاوزها” تعني يمكن التعامل معها، و خاصة أن قائده أصبح رقما في العملية السياسية رغم رآي البعض فيه، فهل هو الذي كان مدخلا لعملية التسوية السياسية؟

 

إذا تكرار مصطلح الهبوط الناعم الذي جاء به الحزب الشيوعي السوداني للساحة السياسية، مر بمرحلتين: الأولي؛ عندما بدأ النظام يتأرجح و حاصرته الآزمات كان البحث عن مخرج فكانت الدعوة لتسوية سياسية، يكون النظام جزءا من الحل لكن النظام رغم آزماته كان يراوق و كان المتهمون فيها قوى سياسية بعينها، و المرحلة الثانية بعد إقالة رئيس النظام و بدأت المفاوضات بين قوى الحرية و التغيير و المجلس العسكري بدأت قوى أخرى تأخذ موقعها ثم بدأت أتصالات من خلال الغرف المغلقة كما أكد الخطيب. و خرجت بالتسوية السياسية و هي التي فرضت نفسها علي الساحة السياسية، لكن من الضرورة أن العناصر التي كانت جزء من هذه المحادثات المغلقة توضح للشارع ضرورة هذا الحوار بعيد عن السابلة حتى لا يضع في خانة التخوين. نسأل الله حسن البصيرة.

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..