أخبار مختارة

“الحبر” المحامي و”الحبر” النائب العام !!

سيف الدولة حمدناالله

طالعت مقالاً إنتشر على الوسائط المختلفة للكاتب د. عمر كابو ، دعى فيه الأستاذ تاج السر الحبر للتنحي عن منصب النائب العام، وفي شرح ذلك، قال الكاتب أن الحبر كان أحد الذين تقدموا بعريضة للنائب العام السابق بتحريك البلاغ ضد مدبري ومنفذي إنقلاب الإنقاذ، وهو نفس الشخص الذي قام الآن بتشكيل لجنة للتحقيق في جريمة الانقلاب، ومن ثم يكون هناك، برأي الكاتب “تعارض مصلحة“ يمنعه القانون.

في رأيي أنه ليس هناك تعارض مصلحة فيما قام به “الحبر“ المحامي مع ما فعله “الحبر” النائب العام، والصحيح أن هناك “تطابق مصلحة“ بين الفعلين، وهي حقيقة يكشف عنها ما هدف إليه صاحب الفعل في الحالتين، وهو ملاحقة المجرمين الذين دبروا ونفذوا الانقلاب المشؤوم.

وفي رأيي أن ما جعل الكاتب يقع في هذا الخلط بين تعارض المصلحة وعدمه، هو ما كشف عنه الكاتب نفسه في موضع آخر من المقال عن فهمه لطبيعة ودور وظيفة النائب العام في عملية العدالة، إذ ذكر بأن قيام الأستاذ الحبر بتشكيل لجنة التحقيق بصفته نائب عام جعله يكون الخصم و الحكم في وقت واحد.

وجه الخطأ في هذا الفهم أن وظيفة النائب العام ليس فيها – في هذه الحالة – ما يجعله في موضع الحكم، كما أن وظيفة النائب العام لا تجعله (دائماً) في حالة حياد، والعكس هو الصحيح، فالغالب على طبيعة وظيفة النائب العام أنها تجعله في موضع الخصم للملاحقين بالقانون، ولعل منشأ هذا الخلط هو الوصف الشائع للدور الذي تقوم به النيابة العامة بأنها (خصم عادل)، وهو وصف يربك العقل فعلاً، فالمعنى المقصود بعدالة خصومة النيابة هو أنها تأخذ في الاعتبار كل ما يقع تحت يدها ويكون في مصلحة المتهم ويؤدي إلى براءته أو تخفيف التهمة عنه، كما انها تبحث في كل الأدلة بما في ذلك التي يقدمها المتهم حتى لو قادت إلى براءته أو تخفيف التهمة عنه. ومع ذلك تبقى النيابة خصم للمتهم، تودعه الحراسة، وتبحث في الأدلة ضده وتطالب المحكمة بتوقيع أقصى عقوبة عليه.

من سلطات النيابة أن تشطب التهمة وتفرج عن المتهم ولكن ليس من سلطتها إصدار حكم بإدانته، حتى يقال أنها (خصم وحكم)، فإصدار الأحكام من أعمال القضاء.

بيد أن الكاتب تعرض في المقال لنقطة أخرى جوهرية غابت عن غيره، وهي المعضلة التي سوف تواجه فرص الوصول إلى حكم بإدانة مدبري ومنفذي جريمة إنقلاب الإنقاذ بسبب (المطب) القانوني الذي يتمثل في نص الوثيقة الدستورية الذي يقضي بسريان كل القوانين الحالية، ومن بينها الجنائي الذي جاءت به الإنقاذ وهو ينص على سقوط الجرائم بالتقادم بمضي عشرة سنوات إذا كانت الجريمة معاقب عليها بالإعدام او السجن عشرة سنوات (المادة ٣٨ من القانون).

سقوط الجرائم بالتقادم قاعدة إستنبطها أهل الإنقاذ خصيصاً وبالعمد ليحصنوا أنفسهم من المساءلة، وحتى يطلقوا أيديهم في النهب والسرقة بلا خشية ودون اعتبار لأي قانون يمنعهم وهم موقنون من عدم الملاحقة، وبإعتبار أن كل هذه الجرائم أو معظمها سوف تسقط بالتقادم قبل أن يحين وقت محاكمتها.

الواقع أن النص بالوثيقة الدستورية الذي يقضي بسريان القوانين الحالية، يقابله نص آخر قضى بعدم سقوط (بعض) الجرائم بالتقادم وقد أوردها النص على سبيل الحصر، من بينها جرائم الفساد المالي وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية وجرائم القتل خارج نطاق القضاء وإساءة إستعمال السلطة التي ارتكبت منذ الثلاثين من يونيو 1989 (المادة ٥ فقرة ٣ من الوثيقة الدستورية)، والقراءة الصحيحة لما ورد في هذه المادة يلاحظ عليها انها لا تشمل جريمة الانقلاب نفسه بما يؤدي إلى حصول مجرمي الانقلاب على البراءة.

على الحكومة أن تعمل على تعديل هذا النص ليشمل جريمة الانقلاب بشكل واضح وصريح، وعلى الحبر النائب العام أن يتبنى النظر ودراسة هذا الموضوع حتى يكمل ما بدأه الحبر المحامي وموثق العقود.

سيف الدولة حمدناالله
[email protected]

‫4 تعليقات

  1. اقتباس (على الحكومة أن تعمل على تعديل هذا النص ليشمل جريمة الانقلاب بشكل واضح وصريح، وعلى الحبر النائب العام أن يتبنى النظر ودراسة هذا الموضوع حتى يكمل ما بدأه الحبر المحامي وموثق العقود.) انتهي.
    مع كامل الاحترام لمولانا سيف الدولة يبقي السؤال هل من القانون والمنطق تعديل أو إصدار او تشريع قانون معين بخصوص قضية معينة فعليا تم البدء في إجراءات التقاضي وهي بين أيدي الجهات العدلية. .؟ والله بكل أسف الواحد بدأ يحس انه ودرنا الطريق يعني دي نفس أفكار النظام البائد! ترزيه وكده….

  2. استاذ سيف الدوله اولا انا لست قانونيا ولكن لى رأى لا أدرى مدى نجاعته القانونيه وتطابقه وهو ان انقلاب الانقاذ هذا والذى بكل أسف تحكمنا قوانينه التى سنها لإذلالنا حتى الآن ورغم العيوب التى تتحدثون عنها انتم أهل القانون ومع ذلك تقف هذه القوانين المعيبه حاجزا امام تطبيق العداله وكأنها منزلة .. ورأيى هو وحيث أن انقلاب الانقاذ الذى نشأت منه هذه القوانين باطلا لانه أتى بطريق غير شرعى كان يجب أن يكون كلما أتى منه باطلا وغير شرعى ويرمى الى مزبلة التاريخ كنظامه ويعود الناس الى القوانين التى كانت سائدة قبل ذلك الانقلاب وان كان هنالك تحديث او تعديل فتتم لقوانين ماقبل الانقلاب .. ام مارأيكم استاذ سيف .. ؟؟

  3. يا مولانا لقد منحته درسا فى القانون الذى يدعى انه يعرفه وهو رءيس الاتحاد السودانى لعدة دورات بالولاء وليس الكفاءة هل مارس اللهبة ام التحكيم ام التدريب حتى لا يعرف الفرق بين النت بول وحايط الصد لذا ليس مؤهل للحديث عن الحياد ويبقى انتقاده دفاعا عن النظام الذى دبر الانقلاب وشهادته اذا مجروحة
    هذا الذى يدعى القانون اخت ارض اتحاد الطايرة الذى يراسه وحولت لصالة افراح يعود ريعها الى جيب شخص واحد فهل مثل تلك الممارسة يجب ان تمر على قانونى ورءيس الاتحاد فى نفس الوقت
    يا ك…..
    فكو دربنا حتى كلبنا اكل جرجير
    غادر الاتحاد من تلقاء نفسك قبل ان ياتيك الطوفان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..