أخبار السودان

شرق السودان… تداعيات واقع سياسي مشوَّش

لا بدّ من القول أولاً إن شرق السودان يتميز بخصوصية جيوسياسية خام تختلف في إمكانات وطرائق استثمارها السياسي والاستراتيجي عن بقية أطراف السودان، وهذه الخصوصية حتى اليوم لا تعكس، مع الأسف، قدرات حقيقية لأبناء شرق السودان -بكل مكوناتهم المختلفة- على إدارة واستثمار إمكاناتها، ولم تفرز حتى الآن عملاً سياسياً قادراً على توظيف العمل السياسي باتجاه يترجم مكاسب سياسية وازنة في الشأن السياسي العام حسب واقع ومقتضى التحديات السياسية التي برزت بعد ثورة الـ19 من ديسمبر (كانون الأول) المجيدة.

 

غياب الاندماج في الهُوية السياسية لمكونات شرق السودان، واستئناف العمل الحزبي السياسي ببقايا الهياكل التي أطرها نظام الإنقاذ عبر تحزيب القبائل وتسييسها هو الذي يعبّر عن طبيعة الأداء السياسي الهزيل والمتشظي اليوم.

 

فطبيعة ما يمكن أن يفضي إليه الحراك “السياسي” لشرق السودان اليوم، لا يمكن إدراكها بمعزل عن الإحاطة بخلفية الواقع السياسي لشرق السودان قبل الثورة، والشروط الجيوسياسية التي تحكم ذلك الواقع.

 

لقد دمَّر نظام المخلوع عمر البشير البنية السياسية للعمل الحزبي في كل أنحاء السودان، وبخاصة في شرق السودان، وحوَّلها إلى هياكل قبائلية ومناطقية من أجل السيطرة عليها وإدارة الأزمات فيما بينها بطريقة تضيع معها القيم السياسية للعمل العام، وكانت نتيجة ذلك التسييس لنظام القبائل: أن أفقر السياسية والقبيلة معاً من أي محتوى حقيقي للقيمة بسبب الجمع بين نقيضين (القبيلة والحزب) لا يجتمعان أبداً إلا عبر مزيجٍ فاسدٍ.

 

خطورة التقاطعات الجيوسياسية لشرق السودان تكمن في السيولة والفراغ السياسِيَيْن اليوم في شرق السودان، واللذان لا يمكنهما البقاء على حالهما في ظل غياب قدرات تنظيمية وسياسية تؤطر المجال السياسي بأحزاب قوية وعابرة للكيانات الأهلية.

 

هذا يعني أن استثمار البعد الجيوسياسي لشرق السودان سيكون حاضراً وبقوة، وذلك ما رأينا طرفاً منه بعد الثورة، مثلاً في ظهور الشيخ سليمان علي بيتاي (وهو شيخ كتاتيب وخلاوي دينية بمنطقة في شرق السودان) إلى جانب رئيس دولة إريتريا المجاورة (أسياس أفورقي) في حفل تخريج عسكري من معسكر “ساوة” في إريتريا بقرب الحدود السودانية. وكذلك ربما سنشهد قريباً تدخلات جيوسياسية أخرى لدول لها علاقة ببعض المكونات الأهلية في شرق السودان ما دام الفراغ السياسي لا يزال عريضاً.

 

وخلال الأسبوع الماضي خاطب الشيخ سليمان علي بيتاي حشوداً كبيرة بمدينة كسلا (شرق السودان)، وأرسل عبر خطابه ذاك رسائل سياسية إلى الخرطوم، لكن طبيعة الرسائل السياسية التي أرسلها الشيخ سليمان لا يعكس منبرها هُوية الفعل السياسي، الأمر الذي سيمثل تعبيراً خالياً من إمكانات واستثمارات العمل السياسي المؤسس، وربما يعكس أيضاً استقطابات جيوسياسية في الوقت ذاته!

 

وإذا كان الحشد الذي خاطبه الشيخ سليمان علي بيتاي غالبيته من مكون قبلي واحد، فإن هناك مكوناً قبلياً آخر في مدينة بورتسودان (الميناء الرئيس لشرق السودان) يحشد للقاء شخصية من مكونات الجبهة الثورية (الأمين داؤود) التي تخوض حتى الآن مفاوضات لم تكتمل بعد مع الحكومة السودانية من أجل الاندماج في واقع المرحلة الانتقالية لحكومة “حمدوك”، وعلى الرغم من أن (الأمين داؤود) ينتمي إلى مجموعة في الجبهة الثورية (التي تتكوّن من حركات عسكرية مسلحة) فإننا هنا سنجد أنفسنا أمام حدث لا يعكس تعبيراً سياسياً للحراك في شرق السودان.

 

وهذان الحراكان في كسلا وبورتسودان، في تقديرنا، لا يمكن أن يؤسسا لحراك سياسي حقيقي ومنظم في شرق السودان، وسنرى بعد قليل أن الحراكين لن يكونا سوى تفصيل هامشي لا أثر له في ذلك الفراغ السياسي العريض.

 

ما لم يتم استيعابه بعد، حتى الآن، في شرق السودان من قبل نخبه السياسية، لا سيما نخبه البجاوية (البجا هم السكان الأصليون لشرق السودان وغالبية المكون القبلي فيه) هو أن واقع السياسة بعد الثورة انفتح بعد انسداد عقيم استمر ثلاثين عاماً، وأن هذا الواقع الجديد يقتضي بالضرورة استعادة للسياسة بأدوات سياسية أي أحزاب سياسية جديدة (أو استئناف الحراك السياسي للأحزاب القديمة بعد تجديد هياكلها)، وليس عبر القبائل أو التنظيمات العسكرية، وبحيث يعكس الأداء الحزبي في تلك الأحزاب وعياً بالسياسة وتوجها وطنياً مستقطباً لكل مكونات شرق السودان ومتجاوزاً، في الوقت ذاته، تلك المكونات القبائلية القديمة والعديمة الجدوى في الأداء السياسي.

 

صحيح، أن الاستجابة إلى ذلك الانفتاح في السياسة بعد الثورة، قد يعكس (مؤقتاً) تعبيرات للأطر القبائلية المسيسة التي وظّفها نظام عمر البشير، ما نرى اليوم، لكن ينبغي تجاوز ذلك بأسرع وقت (وحتى لو استمرّ فلن يكون له مستقبل بعد الثورة) هكذا، فيما يبدو الواقع السياسي الذي وفّرته الثورة للعمل الحزبي مؤاتياً اليوم لاستعادة السياسة بعمل حزبي ذي توجهات مركزية وطنية، تبدو الأوضاع السياسية في شرق لا تزال خاضعةً لممارسات وأطر لا علاقة موضوعية لها بطبيعة العمل السياسي وأدواته، وينبغي تجاوزها والعمل على إنتاج واقع سياسي جديد يعكس روح الثورة والمواطنة في أداء حزبي سياسي يشتغل على هوية مركزية عامة تستقطب كل مكونات شرق السودان عبر رؤية وطنية شاملة، مع كامل الحق للحركات السياسية المناطقية في شرق السودانية بطبيعة الحال.

 

محمد جميل أحمد

اندبندنت عربية

‫2 تعليقات

  1. أولا قبائل البشاريين والكميلاب والكمالاب والأمرأر والعبابدة هم كواهلة ويمثلون الغالبية العظمي لشرق السودان فقط الأقليات تريد أن تخلق زوبعة أسالوا ود كرار ناظر عموم البشاريين لمعرفة حقيقة شرق السودان

  2. البشاريين والكميلاب والكمالاب والأمرار والعبابدة هم أغلبية سكان الشرق فقط الاقليات تخلق في زوبعة لا جدوي لها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..