
في عام 2000 كانت أول وظيفة مدفوعة الأجر في حياتي في شركة خليجية وكان رئيسنا المباشر بريطاني وكنت مهملا في عملي بصورة ملفتة للنظر بحكم عدم المسؤولية بالإضافة الى عملي الاخر وهو متعاون في مجلة أو قُل متدرب ولكنه لم يتخذ قرار فصلي من العمل لأن كان لي بعض المميزات الأخرى وأنه كان يوبخني كثيرا فقررت ترك الشركة فكانت مشكلتي ماذا أقول لوالدتي ولأصحابي في ترك هذه المميزات فقررت أن أجد هذا المبرر: هذا البريطاني عنصري ويكره العرب والمسلمين فكان أمامي إختياران إما أعترف بالتقصير والفشل في أداء واجبي وعملي وهذا مستحيل وإما أن أرمي باللائمة على مديري وأرميه بالعنصرية وكرهه للمسلمين حتى أقنع نفسي بأنني مجتهد لكنني مظلوم .
التنصل من المسؤولية وإنكار الحقيقة ولوم الآخرين على أخطائنا منتشرة عندنا كثيرا خاصة عند الأجيال الحالية ونادرا ماتجد من يعترف بأخطائه ولا يبررها هذا يقودنا إلى أنه فعلاً أخلاق الشعب تتشكل طبقا لرؤيته للحياة التى هي نتاج مباشر للظروف الاجتماعية والسياسية التى يعيش فيها.إذا كان رئيسنا كاذب ورجال الدين كذابين والوزراء كذابين وحرامية ولهم كتبة وإعلاميين كذابين ويطبلون لكذبهم وسرقتهم فماذا تتوقع من جيل بأكمله ؟ عمري الذي عشت منه 70% في النظام البائد لم أسمع يوما أن مسؤولا إعتذر أو إعترف بأخطائه بالرغم من كثرتها وفجاجتها,
وإن النظام الحاكم في أي مجتمع يشكل نموذج السلوك فيه فنحن في السودان جثم على صدورنا نظام فاشي لم يعترف يوما بفشله أو بسياساته الخاطئة التي أدت لتقسيم الوطن وإشعال الحروب فيه ولا يعترف بتبديد مليارات الدولارات في الفساد وفي مشروعات فاشلة لا أحد إعترف بهذا الخطأ ويرمي باللآئمة على (الكفار) وترسخت هذه الفكرة التنكرية في عقول كثير من أبناء هذا الجيل
فكان أمام النظام خياران أن يعترف بأخطائه وفشله في إدارة الدولة وهذا مستحيل طبعا إما أن يرمي هذه الكوارث التي جرنا إليها في شماعة المؤامرات الخارجية في حين كل المؤامرات التي ضد كرامتنا وضد حرياتنا وتطورنا من النظام وينفذ فينا كل هذه المؤامرات ولا أحد سواه .
وكثير من السودانيين المتميزين المنتشرين في العالم في كثير من المجالات هاجروا إلى الغرب وفي ظل المناخ الديمقراطي ساعدهم على النبوغ ولو ظلوا في بلدهم لقُضى على مواهبهم بهذه العقلية المنغلقة التبريرية فهؤلاء الوزراء المعترفون بهذه المصائب عاشوا فترة في دول غربية درسوا وعملوا فيها لم يعتادوا علي الكذب والخداع ولعلمكم لن تكون هذه المرة الأخيرة ستتواصل اعترافاتهم واتمنى ذلك كما أنهم يدركون مهما كذبت ان الحقيقة ستظهر والأفضل ان تكون موضع ثقة لشعبك وللعالم الذي أصبح قرية صغيرة يعلم كل شئ
لماذا كنا نعيش بعقليات منغلقة ونخادع أنفسنا ولا نعترف بأخطائنا ؟
السبب الأول :هو محاصرتنا بين الدكتاتورية العسكرية والفاشية الدينية وهي طريقة في التفكير أو ممارسة السلطة بحيث تحتكر الحقيقة ..
والسبب التاني :عشنا زمنا غاب فيه تكافؤ الفرص وبالتالي إنتشر النفاق السياسي والديني وأصبحت الفجوة عميقة بين العقيدة والسلوك وأصبح الكذب وسيلة للترزق من أجل فرصة أفضل في الحياة وأغلقت العقول وأصبحت تبريرية ..
بعد هذه الاعترافات من الوزراء الشرفاء لم أتستغرب ظهور كتبة النظام الأفاقين الكذابين وأولهم عبد الماجد عبد الحميد الذي كتب على صفحته (محنتنا مع وزراء قحت) كيف لا يتمحن من الصدق وهم من ظلوا يضللون الناس بكذب النظام البائد حتى وصلنا الى الحضيض في جميع مناحي الحياة ويوزعون صكوك الوطنية والغفران لمن يكذب !!! ظهروا يولولون من صدق الوزراء لأن الصدق نقيصة أخلاقية كيزانية!! وهذا ما أخذناه من تجربة الحكم الديني الفاشي
أتمنى ان تتوالى إعترافات الوزراء والمسؤولين بكل المصائب التي هي أصلا من تركة النظام البائد حتى تتحرر عقولنا في كيف نعترف بأخطائنا ونتعلم منها وننشئ جيلاً معافى من هذه الأمراض وهذه العقلية التبريرية وننشر الديمقراطية والشفافية
ياسر عبد الكريم
على الحكومة الجديدة الاستفادة من جهابذة الحكومة العميقة وان لايكون التطهير بديلا للتمكين وكانك يازيد ماغزيت