أخبار مختارة

القضاء خارج قطار الثورة !!

سيف الدولة حمدناالله

يمكن القول وبدون تضخيم في الوصف أن القضاء هو المؤسسة المدنية الوحيدة التي لا تزال لم تلحق بقطار الثورة، والسبب في ذلك أن قضاء دولة الإنقاذ قد إستفاد من القوانين والتشريعات التي منعت حدوث التغيير المطلوب بالقضاء بما يتناسب مع المباديء التي قامت عليها ثورة ديسمبر المجيدة، ومناداتها بإزالة التمكين وتطهير القضاء وإعادة بنائه بما يتناسب والعهد الجديد.

ما حدث أن السيدة الجليلة نعمات محمد خير التي تم إختيارها لرئاسة القضاء وجدت نفسها في وسط غابة من الوحوش المفترسة وهي لا تمتلك أسلحة لتزود بها عن نفسها، ولا تلك التي تحمي بها مصالح الشعب الذي ينتظر منها ذلك، والسبب في ذلك أن منصب رئيس القضاء، بخلاف رؤساء المؤسسات الحكومية الأخرى، لا يمنح صاحبه سلطة العزل أو التعيين، ويلزمه طبقا للقوانين الحالية التوصية بذلك لمجلس القضاء العالي، وهو مجلس لا وجود له ولا أحد يعرف متى أو كيف يتم إنشائه ولا الجهة التي تقوم بتشكيله.

وإلى أن يحدث ذلك، سوف يبقى حال القضاء كما هو عليه قبل الثورة، وهو القضاء الذي إختار نظام الإنقاذ كل عناصره، بإعتبار أن الذين إلتحقوا بالقضاء في أسفل السلم عند مجيئ الإنقاذ، وبعد تصفيته، أصبحوا اليوم قضاة بالمحكمة العليا والاستئناف.

من هنا خرج مشروع قانون مفوضية الإصلاح القانوني، وقد تضمن المشروع نصوص قانونية مستمدة من صلب الوثيقة الدستورية التي تنص صراحة لا بالتلميح على إلزامية (تفكيك التمكين) و (إعادة بناء أجهزة العدالة) وتهدف النصوص بصفة عامة إلى إزالة العقبات القانونية التي تعوق الإصلاح بالنظر للطبيعة الأستثنائية للمرحلة الانتقالية.

عند نشر مسودة مشروع القانون، ومع ما وجده من قبول واسع لدى الرأي العام، ولكنه قوبل بهجمة شرسة من اعوان الإنقاذ داخل السلطة القضائية، كما إنبرى كثير من أصحاب الأقلام بمهاجمة المشروع بدعوى أن فيه إنتهاك لإستقلال القضاء لكون قرار إنشاء المفوضية يصدر عن مجلس الوزراء وهو بالفعل ما تنص عليه الوثيقة الدستورية.

هذا تنطع وإستنباط لذرائع، فقد تنبه واضعو مشروع قانون المفوضية لهذه النقطة وتداركوها بالنص على تشكيل المفوضية على نحو يضمن لها الإستقلال عن سلطات الدولة الأخرى حين جعلت المفوضية برئاسة رئيس القضاء، والنائب العام رئيساً مناوبا (لشمول الإصلاح ديوان النائب العام نفسه) ووزير العدل مقررا بصفة دوره في صياغة وتقديم المشروع، كما شمل التشكيل ممثلين آخرين من بين القضاة وأعضاء النيابة ومستشاري العدل وعدد من المحامين الوطنيين.

أين إنتهاك إستقلال القضاء في هذا التشكيل وقد عاش الوطن عقودا من الزمن وفي حضور هؤلاء القضاة وأصحاب الأقلام كان الذي يقوم بتعيين رئيس القضاء ونوابه ويقوم بعزل القضاة هو شخص واحد له رتبة عسكرية. وهو الذي كان يقوم بتعيين النائب العام ويعزله بجرة قلم.

ليس هناك إنتهاك لإستقلال القضاء بإنشاء مفوضية بهذا التشكيل حتى لو إقتضى الشكل الذي إختارته الوثيقة الدستورية ان تكون الجهة التي تقوم بتشكيلها هي مجلس الوزراء.

في ظل الظروف الراهنة، قانون مفوضية الإصلاح القانوني هي السبيل الوحيد الذي لا يوجد غيره الذي يستطيع أن يلحق القضاء والنيابة بقطار الثورة بإزالة التمكين وإعادة بناء هذه الأجهزة لأهمية دورها في تحقيق العدالة الانتقالية.

سيف الدولة حمدناالله

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. ..كنا تمني أنفسنا بانا سنراك في داخل المعمعة ..للتطبيق العملي لكل خبراتك في مجال القضاء مصحوبا بثوريتك العارمة والتي لا تشوبها سائله حتى ولو باضعف الايمان وهي الاستشارية..؟!

  2. للأسف الشديد لقد تهيبت يا مولانا الدخول في الغابة المليئة بالوحوش المفترسة وجلست تُنظِّر من على البُعد وأشعرت محبيك ومريديك وأنا منهم بالاحباط وخيبة الأمل رغم أنني دائماً أقول لهم قد يرى مولانا سيف الدولة أنه من الأجدى والأنفع له وللثورة خدمتها عبر المنابر ولكم في في فيصل محمد صالح اسوة حسنة ورحم الله من عرف قدر نفسه فليس كل ثوريٌّ هائج وزير ناجح كما أنه ليس بالضرورة أن يكون الكاتب الجيّد متحدث لبق
    الجميع يعلم بما فيهم أنت مولانا أن فرملة قطار الثورة ومواصلة الكيزان لعملهم والاعيبهم عبر نقاباتهم واتحاداتهم التي ما زالت تتمتع بكل الدعم والمخصصات وأن كل هذا العيب والخطل ليس في قوانين الانقاذ الجائرة لأنه وببساطة ما من ثورة في التاريخ كبلتها وغلت يدها قوانين قامت الثورة أصلاً من أجل كنس هذه القوانين المفصّلة على مقاس الدكتاتورية الحاكمة كما هو الحال مع الثورة السودانية فهي الثورة الوحيدة عبر التاريخ كله التي وقفت عاجزة أمام الاصلاح والتغيير لسبب أنت مولانا وأنا وأنت من يقرأ الآن والجميع يعلم السبب وهو تراجع من سموا أنفسهم قادة الثورة والتغيير عن كل شيء كان متاحاً لو صمدوا قليلاً واعتصموا بالثورة والثوار ولكنهم عوضاً عن ذلك تراخوا وخنعوا ووضعوا اياديهم في أيادي لجنة النظام الامنية الملطخة بدماء الثوار والأبرياء وحتى عابرى الطريق الذين كانوا يلهثون خلف لقمة عيشهم بعيداً عن ساحات الثورة والاعتصام لزرع الرعب والخوف في النفوس.
    عن أي قوانين تتحدث مولانا ومن فصلوا القوانين يسرحون ويمرحون ولا أحد يستطيع أن يقول لهم (بغم) بل هُم من يتحكمون بالأمر والأولى لك ولي وللجميع طعن الفيل وليس ظله وتسمية الأشياء بمسمياتها وإلا فصارحوا الناس بفشل الثورة واطلبوا منهم مواصلة حراكهم وصنع اعتصامهم حتى كنس آخر كوز فى أي وزارة أو صحيفة أو حتى بقالة والله ولي التوفيق.

    1. بالمناسبة أقرب ناس لعقل الكيزان هم القانونيين السودانيين و سيف الدولة واحد منهم و شوف كتاباته كلها بعد نجاح الثورة مرتبكة كيف؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..