مقالات وآراء سياسية

لنتدارك هذا المأزق القانوني

محمد عبد المجيد أمين (براق)

كنا نسمع بين الفينة والأخري ، عن نية أي حكومة قابضة علي زمام السلطة ، بسنها لقوانين وتشريعات جديدة ، او تعديلات لوقائع مستجدة وبخلاف الجهات المعنية بتطبيق القانون ، لا يعرف الناس ..ماذا سُن وماذا عُدل ، حتي الجريدة الرسمية ، او ما يعرف بـ ( الجازيتا) التي تصدرها وزارة العدل ، لا تطرح منشورها الشهري هذا عبر أي من وسائل الإعلام كي يطلع عليه العامة مثلنا 0، لنعرف علي أي هُدي تحتكم العدالة في بلادنا.

 

ولأن السودان ظل يحتكم ، منذ الإستقلال وإلي الآن بالقانون المختلط ( قانون وضعي مع بعض أحكام الشريعة الإسلامية) ، لم يكن هناك إستثناء عن هذه القاعدة إلا في قوانين(سبتمر83) التي فرضها الرئيس الراحل جعفر نميري لفترة وأيدها آنذاك جماعة أنصار السنة والإخوان المسلمون (حتي أن القاضي السابق المكاشفي طه الكباشي ألف كتابا يدافع عنها ، بينما إعترض عليها الراحل محمود محمد طه وسماها” قوانين سبتمبر83″ وفي النهاية حُوكم بها ) .

 

مع كل هذه الهرطقة القانونية ، لم يتخلي القضاء السوداني عن أحكام الشريعة بالكلية  فقد سمح قانون أصول الأحكام القضائية لسنة 1982 الذي سُن قبل قوانين سبتمبر 83 بإسطصحاب أحكام الشريعة في الأحوال التي لا تتعارض مع نص مُفسر أو قطعي الدلالة ومراعاة توجيه الشريعة قي الندب والكراهية( راجع أصول الأحكام القضائية 1982 ) ولعله يٌحتكم إليه إلي يومنا ، ذلك أنه يخفف بعض الضغط الإخلاقي علي القاضي في إصدار أحكامه.

 

العجيب في الأمر أنه لما جاء الدور علي حكم المتأسلمين ، زعموا زورا وحتي اللحظة ،أنهم كنوا يطبقون الشريعة الإسلامية والواقع أنهم قد تنصلوا بالكلية عن الأحكام الشرعية القطعية ، كقتل النفس بغير الحق، السرقة، الزنا والإفساد في الأرض ولم تفعل ذلك أبدا ، بل أدركت سلفا أنها إن فعلت ، لكان كل قياداتها ، الكبري والصغري ، أول من يطبق عليها ، لذلك ، سارعت بسن قانون ” الحصانة الدستورية” ومنحت لكل أعضاء الحزب البائد ورموز الحركة الإسلاموية والجيش والشرطة والأمن ، وحتي القضاء “حصانة ” تحول أي قانون من قوانين العالم من النيل منهم ومن هنا ظهر الفساد الأعم في كل البلاد.

 

مؤكد أن ذلك كان عملا مدبرا ، قصد منه  تدمير البلاد وإفساد العباد وقد كان ولكن!! لحساب من ؟!!. هذا هو اللغز الذي ربما يعرف كنه قلة من المتعمقين في الشأن السوداني.

 

من العجب العجاب أيضا ، أن حكومة الإنقاذ ، المفسدة في الأرض، قد وقعت في الضلال المبين بعدما زُين لهم أنهم من الصحابة ، الأطهار ، الأغيار ، فغضوا الطرف عن تلك الأحكام التي هي من صميم “إيمانهم” المفترض وسنوا لأنفسهم قوانين خاصة بهم ،  أفتاها لهم علماء الدجل “المدعون” ، كانت أقصي عقوبة إبتدعوها لأنفسهم هي “التحلل” لهم من كل الجرائم المرتكبة و ” الإعدام” لنا !!.

 

لهذا السبب ، يصر بعض أنصار النظام  البائد علي التظاهر بغرض إطلاق سراح رئيسهم المعزول بإعتبار أن قضيته يمكن أن تحسم بـ” التحلل” ، خاصة وان هناك سوابق قضائية حلل بها القضاء السوداني الكثيرمن القضايا المشابهة ، مستندا إلي قانون “سكسونيا ” الإسلاماوي ، الذي يدعي أن ” التحلل من فقه الشريعة بينما هو ليس كذلك.

 

لعلنا سنكون محقين تماما عندما نسأل الحكومة الإنتقالية الجديدة عن مواد القوانين التي سيحاكم بها رموز النظام السابق ، خاصة ونحن نعرف سلفا أنه لا يوجد قضاء عادل ونزيه وشجاع في السودان ، فالجرائم التي أُرتُكبت في حق الناس وحق الدولة ، ربما ترقي إلي عقوبة الإعدام ، حسب الجرم ، عندئذ، لن يكون هناك حاجة إلي نزهة “لاهاي” الآن ، فكما يقولون “أهل مكة أدري بشعابها” وحتي اللحظة الخوف ، كل الخوف ، أن “يُسيس” القضاء الحالي كالعادة ، فتكون الطامة الكبري ويكون علي بلادنا السلام..لا قدر الله.

 

 

محمد عبد المجيد أمين (براق)

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..