( عذراً إلى الذين لا يبصرون )

د.حافظ الزين
قراءة تحليلية من وجهة نظر اقتصادية حول ما قاله الدكتور : عبدالله حمدوك بخصوص معالجة الازمة الاقتصادية في الاقتصاد السوداني.
“شايف الناس مرعوبة”، وآخرون يروجون ويفسرون بلا هدى أو كتاباً منير …
السؤال الاول هو : ما تصنيف الأزمة التي يعاني منها الإقتصاد السوداني ، هل هي أزمة اقتصادية ام أزمة مالية ام أزمة نقدية ،ام أزمة تجارية …؟
لقد أجاب الدكتور حمدوك عن هذا السؤال بإسهاب وتبين من إجابته أن ازمة الاقتصاد السوداني هي أزمة شاملة ،وهذا النوع من الأزمات يسمي في الفقه والتحليل الاقتصادي بـ”الكلي” (الازمة المتداخلة والمتشابكة والمتزامنة ) وتفسيرها هو:
تزامن الأزمات وحلوها في إقتصاد واحد في وقت واحد مثل تزامن معدل البطالة 78% مع معدل التضخم العام 70% مع انهيار قيمة العملة الوطنية في وجه العملات الأجنبية في السوق الموازية، مع العجز التجاري المستمر والمتجدد في الميزان التجاري ، مع العجز المالي المستمر والمتصاعد في ميزان المدفوعات، مع تصاعد معدلات النمو الاقتصادي وتجاوزها القيم الموجبة لقيم سالبة ، مع العجز في ميزان المالية العامة ،مع إنعدام معدلات الإنتاج ووصولها إلى قيم صفرية ثم قيم سالبة، مع اصطفاف منظومة الفساد وغياب الحوكمة المؤسسية . هذه هي نوعية الأزمة التي يعاني منها الاقتصاد السوداني.
ثانيا : ماهي المعالجة المنهجية الصحيحة المستندة إلى الفقه والتحليل الاقتصادي التي حددها دكتور عبدالله حمدوك لمعالجة ازمة الاقتصاد السوداني المبينة باعلاه ؟
قال الخبير الاقتصادي الدولي الدكتور عبدالله حمدوك ( رئيس الوزراء السوداني الجديد ) مايلي:
إن تكلفة إصلاح الاقتصاد السوداني تعادل حوالي (10) مليار دولار امريكي . تم تخصيص مبلغ (8) مليار دولار منها لخلق التوازن التجاري والتوازن المالي في كل من الميزان التجاري وميزان المدفوعات وهي معالجة مالية وتجارية من وجهة النظر الاقتصادية.
بينما تم تخصيص مبلغ (2) مليار دولار امريكي لخلق الاستقرار النقدي في قيمة العملة الوطنية ، استقرار ( سعر صرف الجنيه السوداني ) وهي معالجة نقدية بحتة من وجهة النظر الاقتصادية.
إذن أين المعالجة الاقتصادية البحتة لهذه الأزمة ؟
لقد حددها دكتور حمدوك وبطريقة علمية خلاقة ومبدعة وواقعية حينما تكلم عن أسس وقواعد الإنتاج وفقا لسلسلتي ( القيمة والانتاج ) حيث قال لايوجد بلد في العالم يصدر ( منتجات خام ) غير السودان ، الانتاج وتوسيع القاعدة الانتاجية وتنويعها هذه هي المشكلة الجوهرية التي يعاني منها الاقتصاد السوداني طوال تاريخه المقدر بـ(63) عاماً .
وقد فسر ذلك بأن التصدير الخام يفقد الإقتصاد خصائص التنوع والقيمة المضافة ، والمرونة من ناحية اقتصادية ( مرونة الإنتاج من ناحية ومرونة الطلب من ناحية أخرى) ولاسيما فيما يتعلق بإشباع الميل الحدي للإستهلاك في السوق المحلي وكذلك سوق عوامل الانتاج وسوق السلع والخدمات وبالتالي نشؤ حاجة اقتصادية لادخال الأيد العاملة في العملية الانتاجية المتنوعة المترتبة عن عدم تبني فلسفة التصدير الخام والذي يجب أن نحو حزم أو إقتصاد (الصناعات الأولية ومن ثم الصناعات التحويلية بطريقة متدرجة ومتصاعدة ) وبالتالي معالجة العجز التجاري من ناحية وكذا العجز المالي في ميزان المدفوعات من ناحية أخرى واكتساب الصادرات الوطنية السودانية سمعة وميزة جيدة في الأسواق الإقليمية والدولية وبالتالي تغلغها في تلك الاسواق لتكتسب تدريجيا ما يعرف بالقدرة التنافسية الدولية.
ثالثا : هل قال الدكتور حمدوك أنه سليجأ الي الاقتراض من المؤسسات الدولية ممثلة في صندوق النقد الدولي كمؤسسة نقدية مالية، والبنك الدولي للانشاء والتعمير كمؤسسة اقتصادية تمويلية ؟
لم يقل الدكتور حمدوك ذلك علي الاطلاق، بل قال أن السودان عضو اساسي في هذه المؤسسات وإن هنالك مجموعة كبيرة جدا الخبراء السودانيبن يعملون في هذه المؤسسات منذ عشرات السنين وقال سوف نتعامل معهم وفقاً للتجربة الاثيبوبية والتي وضع اسسها وشروطها الدكتور حمدوك ذاته عندما كان يعمل مستشاراً اقتصادياً لرئيس الوزراء الاثيبوبي الراحل “ميلس زناوي” والتي قامت على رفض شروط صندوق النقد والبنك الدوليين ذات الخصوصية التعجيزية .
ثم اتبع قائلا (سوف نتعامل مع المؤسسات الدولية ذات الصفة المالية والإقتصادية وفقاً لخصوصيتنا كدولة سودانية من ناحية إجتماعية وإقتصادية وثقافية وجيوسياسية بالإستناد إلى تجارب كل من ” ماليزيا ، اثيوبيا ، رواندا ، غانا ،غينيا بيساو ، بتسوانا” مع صندوق النقد والبنك الدوليين والتي رفضت الإمتثال لشروطهما المتعسفة وقد تحصلت علي قروض منهما وفقاً لرؤيتها وقد حققت نتيجة لذلك معدلات مرتفعة جداً في النمو الإقتصادي ليس علي مستوى افريقيا فحسب وانما علي مستوى العالم ، وهذا كلام صحيح تماماً لأن الدكتور “حمدوك” كان هو المستشار والمهندس الأساسي لهذه النهضة الاقتصادية في تلك الدول المذكورة أعلاه ماعدا ماليزيا. وعليه لم يقل أننا سوف نقترض من صندوق النقد الدولي او البنك الدولي وفقاً لشروطهما .
رابعا : من أين ياتي الدكتور “حمدوك” بمبلغ (10) مليار دولار أمريكي حتى يتمكن من معالجة الأزمة الطاحنة التي يعاني منها الإقتصاد السوداني ؟ ، من أين والمثل السوداني الشعبي يقول “لا في السحاب ولا في الجراب ” ؟ ، فقد امتص الكيزان أوردة هذا الوطن وضرعه وتركوه مشرداً مطروداً من رحمة السماء وأقدارها ؟
هنا بدا المرجفون نسل ( بن أبي سلول ) يطفون في الطرقات والمواقع ( ما قال ما بقترض من صندوق النقد الدولي، ما قال ، وما قال )
نسوا أن من يتحدثون عنه هو خبير إقتصادي متمكن جداً يمتلك خبرة طويلة وعريقة في مجال بناء إقتصادات الدول النامية والصعود بها من حافة العدم إلى مصاف التنمية الاقتصادية والتنمية المستدامة والرفاه المادي.
قبل توضيح القنوات التي بموجبها الحصول على مبلغ ( 10) مليار دولار أمريكي المطلوب توافرها لمعالجة أزمة الاقتصاد السوداني ،يجب وينبغي توفر شروط وعوامل جوهرية غياب اي منها يجعل ( طيور الإقتصاد السوداني تطير بأرزاقها إلى حدود المستحيل ) وهذه العوامل هي :
1- السلام والسلم الاجتماعي الشامل ( إيقاف الحرب وإعادة النازحين والمهجرين والمطرودين الي مدنهم وقراهم ) السلام هو اساس النهضة بمختلف معانيها ومبانبها ومراميها
2- الاستقرار الامني والسياسي الشامل
3- رفع أسم السودان من قائمة الدول الراعية والداعمة للارهاب.
وبالإستناد إلى توفر الشروط الجوهرية للعبور بالدولة السودانية إلى موانيء اليقين يمكن الحصول على مبلغ ( 10) مليار دولار أمريكي بأحدي الطرق او كلها .
1- الاستثمارات الأجنبية المباشرة في البيئة الاقتصادية السودانية ( متعددة ومتنوعة وثرية الموارد ) ولاسيما في مجالات الإقتصاد الزراعي بشقيه ( النباتي والحيواني ) والذي يتميز بخاصية انخفاض تكلفة التشغيل وسرعة استرداد راس المال، وسهولة التسويق ، ولاسيما المنتجات الزراعية السودانية النادرة ذات الطلب العالمي المتجدد والكثيف مثل ( السمسم ،الفول السوداني، الصمغ العربي ، الجلود اللحوم ، الكركدي ،فول الصويا ، القطن طويل وقصير التيلة ) والتي لن يتم تصديرها كمنتج خام إلى الابد . بالإضافة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع التعدين وخصوصا ( الذهب ) ،خلال 3 شهور فقط تستطيع الحصول علي مبلغ 6 مليار دولار أمريكي كحد أدنى ، إذن أين المشكلة ولماذا الترهيب والتخويف وبث الاشاعات والأراجيف ..؟
2- التمويل بالسندات الحكومية التي تهدف لتمويل مشروعات التنمية الحكومية ( أدوات الخزانة طويلة الأجل ) التي تصدرها وزارة المالية في اي دولة ويتم بيعها في السوق المحلي بالعملتين المحلية والأجنبية وبيعها كذلك في السوق الدولية بالعملة الأجنبية بعدة طرق وعليه بمكن لوزارة المالية السودانبة اصدار سندات خزانة بمبلغ ( 10) مليار دولار أمريكي وتسويقها في ثلاثة أسواق “السوق المحلية ،السوق الاقليمية والسوق الدولية”
إذن أين المشكلة ولماذا الترهيب والتخويف وبث الإشاعات والأراجيف؟
كانت مشكلة العالم معنا هي أننا دولة راعية للإرهاب استطاعت أن تجمع جميع الإرهابيين والمجرمين المحكوم عليهم بأحكام مؤبدة وأحكام إعدام في دولهم ،في قلب العاصمة الخرطوم، لذلك رفض العالم أن يتعامل معنا .
مشكلتنا أننا وخلال “30” عاماً كنا دولة بلا هوية سياسية بلا قانون بلا دستور بلا مؤسسات بلا مصداقية بلا كرامة بلا هيبة ولا سمعة جيدة من يتعامل مع دولة بهذه المواصفات……؟
“30” عام من التداعي والإنهيار ، أيعقل أن تتم معالجة أثارها السالبة والرهيبة في غمضة عين ..؟




الله اوفقك ياحمدوك
لو سحمت
حاسب الكيزان
دم الناس اهم شي
يا دكتور لا تبالغ، لا تشكر لينا الراكوبة في الخريف. فنحن ظللنا مفتحين عيوننا ومصحصحين تماماً منذ بروز ترشيح حمدوك ووزرائه وخاصة وزير المالية ووزير الإعلام. وقد بينا تحفظاتنا عليهم ولكن إصرار قحت عليهم بل وتسويقهم دعائيا حتى قالوا بأنهم مجمعون تماماً على حمدوك مثلاً فقط لأنه رفض منصب وزير المالية في حكومة معتز صدمة مع أن العقل والمنطق يقول بأن مجرد ترشيحه من قبل النظام البائد للوزارة فهو سبب كاف للتحفظ على ترشيحه وزيراً في أو رئيسا لحكومة الثورة قبل التمحيص في هذه المفارقة إذ كيف يرشح النظام السابق من كان قد أحاله للصالح العام ولماذا إن لم يكن على علم تمام بتغير توجهات الرجل السياسية التي فصله بسببها وكان الظاهر والمعلن منها على الأقل هو تصريحات الرجل نفسه بأنه كان قد تخلى عن الشيوعية. وحيث صدقناه فكان هذا أدعى لأن ننظر في وضعه الراهن وهو ظاهر وغير خاف من خلال مناصبه في المؤسسات الاقتصادية الدولية والإقليمية والتي تتبع سياسات البنك الدولي التي تقررها مجموعة الرأسمالية العالمية المعروفة والتي لم تنقذ بلدا واحدا رضخ لها حتى اليوم بل جلبت على أنظمة الحكم الكوارث في أغلب البلدان. وإزاء تجربة حكومة حمدوك القصيرة حتى الآن إلا أنها لا تبشر بخير بل وتعطي مصداقية لتكهنات الثورة المضادة بأن هذه الحكومة سوف لن تكمل الفترة الانتقالية وسوف تستقيل خلال تسعة أشهر مما جعل بعض قوى التغيير الحزبية تروج لانتخابات مبكرة وتستعد لها!
في رأي وحفاظا على إكمال الفترة الانتقالية بنجاح يجعل من الممكن التجديد لها لأي فترة قد تحتاجها علينا أن نقبل بجهود الحكومة في مسألة التعامل مع هذه المؤسسات الاقتصادية الدولية بشأن الديون الخارجية وفي ترميم مشروعات البنية الأساسية وإقامة مشروعات لتنمية الموارد المحلية بزيادة القيمة المضافة لمنتجاتنا من خلال إنشاء المصانع وتمكين القطاع الخاص الصناعي من المشاركة المنضبطة تماماً شريطة أن يتم إصلاح مؤسسات الدولة القائمة والمعنية بإدارة الدولة لاسيما تلك التي وتستهلك معظم المكون المحلي من موارد الدولة وأول خطوة كان على الحكومة القيام بها في مبتدأها هو إعادة هيكلة كافة الأجهزة وخاصة الأمنية والعسكرية بهدف تقليل الصرف عليها ولموازنة وإعادة ترتيب أولويات الصرف بحيث تكون الأولوية لخدمات الصحة والتعليم ورفع الضرائب عن كافة المنتجات المحلية وتشديد الضرائب والجمارك على الصادر والمستورد بحيث لا يسمح للقطاع الخاص بغير استيراد السلع الإنتاجية كالمعدات ومواد التصنيع وفق ضوابط المواصفات والمقاييس الصارمة بينما تحتكر الدولة كافة صادر المنتجات المحلية من خلال المباشرة أو الإشراف والمشاركة والمراقبة والمتابعة حتى استلام قيمة الصادرات كاملة.
وهذه السياسة وتلك الإجراءات إن لم تعلن وتنفذ اليوم قبل التوجه نحو المؤسسات الدولية ولا علاقة لها بذلك ولا تتعارض معها البتة، فإن سقوط بل إسقاط هذه الحكومة سيتوجب اليوم ونحن في البداية قبل أن نضيع المزيد من الوقت ونطيل بقاء الأزمات ومعاناة الشعب. وكل هذا يجب أن يمضي جنبا إلى جنب مع ملف السلام سواء تم الاتفاق مع حركات التمرد ضد النظام السابق أم لم يرضوا ففي راي أن قضيتهم لا تعدو عن كونها طمعا في مناصب ليس إلا، فكما قال مناوي مؤخراً بأن كافة ترتيبات واتفاقات السلام السابقة مع النظام الساقط قد سقطت بسقوطه وهذا هو المنطق إبتداء الذي تطلع إليه شباب الثورة حيث صار الشعب جميعاً في وضع واحد مع الثوار المباشرين لإسقاط النظام والثوار المعارضين والمتمردين عليه منذ استيلائه على الحكم في ٣٠ يونيو ١٩٨٩. أقول هذا ولا أرى تمييزا بين من احتفظوا بمناطق محررة حتى سقوط النظام وبين من اضطروا للمعارضة من الخارج فقد كانت الحرب وما زالت كر وفر فلا فرق بين من صمد في منطقته ومن فقدها فالنتيجة هي إسقاط النظام وإقامة حكم الشعب المدني الديمقراطي بالمساواة التامة بين كل فئات الشعب في المشاركة بالحكم.