شعر يخرج من ظلمة الدهليز بعد 50 عاما من رحيل شاعره

بعد مرور ما يقارب الخمسين عاما على رحيل الشاعر توفيق صالح جبريل، استرجعت الأوساط الثقافية السودانية سيرته الحياتية والشعرية بإصدار كتاب تحت عنوان ?شاعر الدهليز: توفيق صالح جبريل?، عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، وقام بإعداد الكتاب أحمد عكاشة أحمد فضل الله وعادل عثمان عوض جبريل، في احتفالية كبيرة حضرها عدد من المثقفين السودانيين والعرب، وقد قام النادي النوبي في هولندا أثناء الاحتفال بتدشين الكتاب، ضمن معرض للكتاب السوداني.

العرب عادل عثمان عوض جبريل

قدم أمسية الاحتفالية بصدور كتاب ?شاعر الدهليز: توفيق صالح جبريل?، الفنان وليد ذاكي الدين، وبدأت الاحتفالية بكلمة من أسرة النادي النوبي أعقبها استعراض للكتاب حيث طاف عادل عثمان عوض جبريل على كل محتويات الكتاب المختلفة.

الكتاب مكوّن من خمسة أبواب، الباب الأول هو ورود من حديقة توفيق صالح جبريل ونماذج من شعره، الباب الثاني عبارة عن دراسة أدبية شاملة عنوانها ?صاحب الدهليز: توفيق صالح جبريل? للباحث أحمد عكاشة تناولت الدراسة جوانب متعددة وهي: تحقيق وتوثيق أشعار توفيق صالح جبريل عرض فيها للدراسات الأدبية والنقدية التي حظي بها شعر توفيق، مصادر شاعرية توفيق، الكلاسيكية الجديدة في الشعر المعاصر وغير ذلك.

آباء الشعر السوداني

الباب الثالث فهو عبارة عن دراسات ومقالات عن شاعر الدهليز، الباب الرابع قصائد إلى شاعر الدهليز والباب الخامس نصوص إلى حضرة المأمور وتشمل خمس مقالات للأستاذ عادل عثمان عوض جبريل، إضافة إلى مقالات لمحمد عثمان عوض جبريل. ويحتوي الكتاب على ملحق للصور إضافة إلى صور شواهد قبور آل جبريل بمقابر البكري في أم درمان والتي تزينت بالكثير من أشعار توفيق.

اشتمل الجزء الثاني على محاضرة قيمة بعنوان آباء الشعر السوداني قدمها الباحث أحمد عكاشة واستعرض فيها إسهامات كل من محمد عمر البنا وأحمد محمد صالح وتوفيق صالح جبريل في إثراء التجربة الشعرية السودانية.

ورغم استلهامهم للشعر العربي والغربي إلا أنهم غرسوا النواة الأولى للشعر السوداني حيث أدخلوا عليه موضوعات شعرية جديدة فلسفية واجتماعية وسياسية. وتكمن أهمية شعرهم في إيجادهم لعبارات اصطلاحية وأساليب مميزة حيث تميزت تجربتهم بالتفرد والابتكار وكذلك تميزت أشعارهم بالعاطفية المباشرة والمقدرة العالية على التأمل. وساهمت أشعار توفيق في إرساء قواعد الكلاسيكية السودانية.

وفي الختام تحدث أحمد عكاشة عن شعراء الكتيبة وعلاقة توفيق بهم. وتضم مجموعة الكتيبة مجموعة متميزة من الأدباء تحت قيادة الشاعر النور إبراهيم وتميز أدبهم بشعر الإخوانيات والفكاهة والدعابة والهجاء.

في الجزء الثالث من الندوة تم النقاش باستفاضة حول مادة الكتاب ودور المهاجرين السودانيين في إثراء الثقافة السودانية وخلق جسور تواصل حضاري وثقافي بين وطنهم الأم وهولندا. و تناول النقاش الدور الكبير للرعيل الأول من المثقفين السودانيين في طرد المستعمر وبناء الدولة السودانية. وكان لحضور الكاتب والمثقف العراقي محسن السراج ومشاركته الفاعلة في النقاش الأثر الطيب في إنجاح الفعالية. ورغم تباين وجهات النظر المتعددة للكثيرين إلا أن آراء الجميع أكدت أن السودان بمختلف ثقافاته وطن يسع الجميع.

أشعار الإخوانيات

عرف توفيق صالح جبريل (1897-1966) بشاعر الدهليز، وهو يعتبر أحد أبرز الشعراء السودانيين الذين أسسوا للحداثة بمحاولة إخراج القصيدة العربية السودانية من طور التقليدية. وتميز شعره بغنائية ملفتة، وكان ناقلا للتاريخ الاجتماعي والأدبي والسياسي لتلك الفترة. كما عُرف بنظمه أشعار الإخوانيات والتي لا تخلو من الحميمية والطرافة. كما حاول تصوير اتجاهات المجتمع ومتناقضاته وفق بوصلة الحياة العامة.

وعمل الشاعر الراحل بسلك الحكومة الإنكليزية، ويُعدّ توفيق أحد مؤسسي جمعية الاتحاد السرية التي انبثقت منها جماعة اللواء الأبيض، التي كانت ترفع شعار الاتحاد مع مصر، بزعامة علي عبداللطيف عام 1924، والتي تعدّ نقطة تحوُّل في الحركة الوطنية السودانية في مواجهة المستعمر البريطاني.

والدهليز في التاريخ الأدبي السوداني يرتبط بتاريخ الثورة المهدية، إذ تم بناؤه كجزء من سرايا لأسرة آل جبريل التي ينتمي إليها الشاعر الراحل، ولعب الدهليز دورا أدبيا وثقافيا وسياسيا أساسيا في عشرينات القرن الماضي.

انتقل الشاعر الراحل في آخر سنوات حياته إلى التأمل الفلسفي في الموت والوجود بعد أن أقعده المرض في دهليزه الأدبي، وفي ما يروى أن الشاعر كان قد وجه بحفر قبره قبل رحيله وكان يتعهده بقراءة القرآن حتى رحل إليه. وانعكس كل ذلك في أشعاره، فقد رثى نفسه قبل رحيله بثلاث سنوات في قصيدة نقرأ منها ?يا لاهيا مشمخر الأنف معتليا/ في ركم مجد من العلياء تياه/ قبل انتقالك لمثوى الرحيل أفق/ وأصلح لحكم عزيز آمر ناه?.

ويعتبر النادي النوبي الثقافي الاجتماعي بهولندا أحد أهم المنظمات الفاعلة للسودانيين في القارة الأوروبية حيث نجح في أن يصبح من أهم جسور التواصل الحضاري والثقافي بين هولندا والسودان ويفتح النادي أبوابه لكل السودانيين دون تمييز وضمت لجانه التنفيذية عددا من غير أبناء النوبة وتقوم كل أنشطته على أسس قومية تهتم بكل قضايا الوطن.

تم إنشاء النادي في عام 2000 بمدينة لاهاي ورغم تأثر النادي بهجرة الكثير من عضويته الفاعلة إلى المملكة المتحدة إلا أنه ما زال يواصل مسيرته بقوة. ويمتلك النادي مدرسة خاصة وتعتبر أول مدرسة سودانية منتظمة على مستوى هولندا لتعليم الأطفال السودانيين اللغة العربية والتربية الإسلامية والثقافة السودانية، كما ينظم دورات للغة والثقافة الهولنديتين لربات البيوت السودانيات. وجذبت تلك المدرسة أطفالا من مصر والمغرب وليبيا وموريتانيا.

يحتفي النادي في كل المناسبات والأعياد الوطنية والقومية والدينية كما ينظم النادي إفطارات رمضانية ويساهم في برامج التسامح الديني مع مختلف مكونات المجتمع الهولندي وينظم برامج توعية وإفطار رمضاني للمسلمين الهولنديين.

قام النادي بدعم الأنشطة الاجتماعية والثقافية والإنسانية بالسودان ومنها دعم مستشفى البرقيق والمشاركة في حملة دعم منكوبي السيول والأمطار كما ساهم النادي في إنجاح حملة دعم ضحايا الحرب بسوريا.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..