فضيلي جماع المناضل والشاعر والقاص والروائي والانسان البسيط يصل الخرطوم بعد غياب 29 عاماً ونصف

ويقول: على رئيس الوزراء أن يفعل هذا أو يستقيل
ولو كنت مكان وزير الثقافة والاعلام لفعلت هذا
أجد نفسي في هذا النوع من الأدب.
لم ولن أهادن الديكتاتوريات
راجع السودان وعبر صحيفة الراكوبة أقول ماعندي راكوبة.
حوار: عبدالوهاب همت
قبل أقل من يوم واحد لسفره إلى الخرطوم طلبت منه أن نتحدث قليلاً عن أسباب مغادرته الخرطوم ووصوله إلى سلطنة عمان ، ومن ثم هجرته إلى بريطانيا ، وماذا قدمت له الغربة وماذا خسر ، من أحب من الشعراء وقرأ لهم ولمن يستمع من الفنانيين وهل وجد نفسه كاتباً أم شاعراً أم روائياً. جاء الحديث دونما ترتيب، وقد إختصرته إختصاراً كاد أن يُخل بمضونه على وعد إنزال الحوار كاملاً. وعند نشر هذه المادة يكون فضيلي جماع وأسرته في الخرطوم والتي نتمنى له سلامة الوصول وفضيلي من الاقلام التي لم تنقطع عن الراكوبة ، حتى وهو في أحلك الظروف
الاستاذ فضيلي جماع يعود للسودان بعد غياب قسري كاد أن يصل الى الثلاثين عاما. يقول الاستاذ فضيلي جماع غادرت السودان يوم 9 مايو1990 ، وانا من إخترت الخروج ، لانني كنت أتعرض لمضايقات كثيرة ، ومن المصادفة أنه وبعد مغادرتي لمطار الخرطوم بساعة واحدة علمت بأن إسمي وصل إلى قوائم المحظورين من السفر. وجهتي الاولى كانت نحو سلطنة عًمان والاخوة هناك كانوا يعلمون بأنني معارض شرس للنظام، وفي بلاد الخليج فإن المعارضة تكون ناعمة بعض الشئ نسبةً لقوانين تلك البلاد. علمت لمدة خمس أعوام في جامعة عُمان وبعدها جئت إلى بريطانيا ، وتم قبول طلب اللجؤ الخاص بي بإعتباري كاتب مضطهد، ساعدني في ذلك كل من الاستاذ أورديسي والاستاذة خنساء خليل الكارب التي كانت تعمل في مكتب محاماة، كما ساهم نادي القلم العالمي وكتبوا لي خطاب دعم، تحصلت على الاقامة بعد حوالي العام وبعد خمس سنوات تحصلت على الجنسية البريطانية.
أصدرت خلال إقامتي مجموعة مقالات أهمها قراءات في الادب السوداني الحديث وهو من أهم كتبي النقدية، والان أحمل معي نسخة لاعادة طباعتها اذا وجدت ناشر، صدر الكتاب الثاني في العام 1991 وهو مجموعة شعرية بعنوان شارع في حي القبة. وفي بريطانيا أصدرت مجموعة شعرية بعنوان المشي على الحبل المشدود وكان ذلك في العام2016. الكتاب الرابع وهو رواية صدرت من تونس. والان هناك طبعة سودانية خاصة ستصدر عن دار مدارات للاستاذة سناء ابوقصيصة وربما يتم ذلك في اواخر ديسمبر والرواية بعنوان هذه الضفاف تعرفني وعملنا لها تدشين في لندن. الكتاب الخامس سيصدر من دار رفيقي بجنوب السودان (الوجه والقناع في الثقافة السودانية) واعتبره تكملة للهوية من خلال الثقافة السودانية، حاولت أتكلم عن القناع الموجود في الثقافة السودانية التي تتجاهل ثقافات كثيرة مثل النوبية والبجاوية والفوراوية، وهذه الثقافات غير ممثلة. أبناء كردفان المغنين عندما حضروا الى الخرطوم أحدثت أغنياتهم دوياً شديداً، ثقافات السودان لابد لها أن تظهر. قصائدي المغناة قليلة وشعري ماكتير ، واصدقائي يعتقدون إن الشاعر سرق مني الروائي والقاص. وعندي السرد والدراما أهم من الشعر، الغناء عندي ماكتير لانه تعدد الاصوات الابداعية في شخصي، أنا اكتب القصيدة بالفصحى والعامية، الفترة الاخيرة كانت قاسية وشعرت أن التعبير بالشعر يوصل بسرعة، والشعر الغنائي عندو فرسان ورموز وأسماء كبيرة، كان صعب عليً أن أنافسهم ومنهم التجاني سعيد وعمر الدوش ومحجوب شريف وهاشم صديق وهم أساتذتنا.
اللونية التي اكتبها هي اغنيات من الربوع الذي أتيت منه، ولدي 3 أغنيات مغناة وهي (كلم قماريناردي القليب جيبي وجيناكي) ومؤخراً اخذ مني الفنان عبدالقادر سالم قصيدة شرع في تلحينها، وقصيدة قديمة يلحنها الان عبدالرحمن عبدالله ويريد مصالحة جمهوره العريض بها بعد إنقطاعه عنهم بسبب المرض، عندي شعر بالعامية لكني لااخرجه للناس ، فكرت في إعطاء قصيدة لابوعركي البخيت ونانسي عجاج ، واعتذر لهما لانني لم ارسل لهم قصائد، وسأتعاون مع أبوعركي في عمل أقرب للغزل السياسي.
أهم الانجازات التي حققتها خلال الثلاثين عاماً على المستوى الشخصي جداً إستطعت أن أتحمل تربية أبنائي وهم ثلاثة بنت وولدين. شيراز إبنتي الكبرى ولديها طفل صغير الان تخرجت من جامعتين وبتقدير ممتاز في كل من العلوم السياسية والقانون وتعمل الان في المحاماة في بريطانيا وقد سبقتني في رفقة ابنها وزوجها غلى الخرطوم بالامس. الغربة لم تستطيع هزيمتي ولم أتنازل عن مبادئي طوال فترة ال29 عاماً وست أشهر، لم اتصالح مع نظام ديكتاتوري وانا اكثر تطرفاً في سبيل الحفاظ على الثورة، كنا نناضل ونعمل ونقرأ ونربي أطفالنا، ومتصالح مع نفسي، وعنديخصومة تصل درجة عدم التوقف لاخر المشوار في محاربة نظام الاخوان المسلمين.
لو قدر لي حينها ان اجد وظيفة معقولة لكنت موجوداً في جنوب غرب كردفان حيث ولدت وترعرعت ، والصراع الذي خلق بين القبائل هناك حروب صنعها المركز ، وكان ممكن ان اقعد هناك اكتب وأقرأ واتواجد وسط اهلي.
كلم قمارينا كتبتها في سجن شالا ايام جعفر نميري وكان لوردي وعبدالقادر سالم زيارة للمنطقة والاخير زارني في المستشفى عندما علم بأنني أستشفى هناك وعندي لقائي به اخطرني بأن وردي لم يتمكن من زيارتي في رفقته وارسل تحياته لي معه، وسلمت عبدالقادر قصيدة كلم قمارينا والتي كتبتها داخل السجن وهي لاتخلو من نزعة سياسية وعبدالقادر اختار لها لحن على ايقاع الدرملي وهو ايقاع اغنية شهيرة. أغنية ردي القليب جيبي كانت اغنية موسم ، واغنية جيناك مسجلة في تلفزيون اليمن ومنتشرة هناك لانها على السلم السباعي، وانا شديد التأثير بثقافة البادية . جيناكي كانت تمثيلية اذاعية وعندها طالباً في الجامعة، كلم قمارينا مرتبطة بالوجود في شالا. ردي القليب جيبي إحساس ولد الاقاليم القادم للعاصمة ومشاهدة شابة حلوة، والقصة في الاخير مابتمشي . هاتفني شباب وقالوا سنحضر لافته مكتوب عليها جيناكي وهي أغنية الاهل وفيها حنين المنطقة. مايو اخذت مني سنتين من عمري إذ تم اعتقالي وصرفت مرتب شهري الثالث وانا في المعتقل وفي المعتقل جمعت معلومات افضل عمل مسرحي كتبته وهو المهدي في ضواحي الخرطوم وخزنت المعلومات وعند الافراج عني ذهبت الى الابيض وكتبتها في حوالي 6 أشهر. وهذه المسرحية تم إيقافها عن طريق جهاز امن نميري ولا استطيع ذكر اسماء من وقفوا وراء ايقافها، توسط السيد الصادق المهدي وبعلاقاته الخاصة مع عمر محمد الطيب رئيس جهاز الامن واقنعه بضرورة عرضها وقد فعل السيد الصادق المهدي ذلك الامر من وراء ظهري بل وحضر العرض الافتتاحي مع عمر محمد الطيب بعد مماطلة استمرت لمدة 6 اشهر.
الان لدي مسرحية حكاية حب في الزمن الصعب والقصة تدور داخل زنزانه ، عن مضايقات الديكتاتوريات وهي تجارب الحب والعاطفة.
الغربة اخذت مني علاقات جميلة كان يمكن ان تنمو بين رجال ونساء في السودان وابعدتني عن افراد اسرتي، سأذهب للمجلد وبابنوسة وحتى أبيي وانا مولود شمال شرق أبيي . غادرت السودان وانا شاب واعود اليوم شيخاً ، والغربة اعطتني الوعي والنضج وجعلتني إنساناً شرساً في مقاتلة الديكتاتوريات والدفاع عن حقوق الانسان من اجل الحرية والديمقراطية والمساواة والكاتب الذي لاينتمي الى هذه الاشياء يجب عليه ان ينسحب، في بريطانيا تعلمت وقابلت شخصيات عالمية ماكان في مقدوري مقابلتهم لو كنت في السودان اوغيره، وفي الغربة تعلمت على الصبر. ومواصل وسأواصل في علاقاتي القديمة.
انا أسكن في بيت وفرته لي الحكومة البريطانية وكنت اعمل هنا وهناك واوظف ذلك لمعيشتنا وتعليم ابنائي ، ذاهب غداً إلى السودان وماعندي راكوبة ياصحيفة الراكوبة ، ويمكن ان ارجع غلى قريتي واسكن في منزل الاسرة ولا امتلك ولاقطيه في هذا السودان المترامي الاطراف.
لن أعتذر للكيزان ولن أتصالح معهم سأذهب وأقرأ الفاتحة علي قبر والدي ووالدتي، غاب أساتذتي وانا خارج السودان ، قابلت عبدالله الطيب استاذي العظيم وكنت اذهب اليه عندما جاء الى لندن مستشفياً لكنه كان قد فقد ذاكرته وكنت اجلس مع زوجته متفقداً احواله ، غاب علي المك ومحمد عمر بشيؤر، وعلي عبدالقيوم ومصطفى سيداحمد ووردي وعثمان حسين وابراهيم موسى ابا ومن الشعراء العظام الفيتوري ومحجوب شريف وحميد وكوكبة من الشعراء.
لكنني احلم بوجود شعراء بقيم كويسة والان اللجنة التي تعد لاستقبال يشرفني في عضويتها ازهري محمد علي والقدال وعالم عباس ، والدنيا لازالت بخير
أنا متأثر جدا بالفيتوري ومحمود درويش. وقرأت الشعر الروسي المترجم وكذلك باللغة الروسية وأحببت شاعر المقاومة الفرنسية لويس اورقون.
الرواية في المغرب العربي الكبير مظلومة عندنا في السودان ، اسمع عثمان حسين ، وعندما أحن للسودان اسمع وردي واركز على اغنيات أقابلك وبناديها وجميلة ومستحيلة .
من الشعراء الذين ظلوا متماسكين ازهري محمد علي والمرحومين محجوب شريف وحميد. من شعراء جيلنا الصديقين كمال الجزولي وعالم عباس وهؤلاء حافظوا على ريادة القصيدة ولم يتوقفوا عن العطاء.
الشعراء الشباب والرواية يتصدرهم الكاتب عبدالعزيز بركة ساكن وفي الشعر عثمان بشرى وجملته الشعرية جميلة ، وهناك فوضى كثيرة داخلة يخرجها غلى شعر وهناك كثيرين ، وممن أثروا فينا شيخنا عيسى الحلو شاعر وكاتب وناقد وهناك صديق الحلو ، وممن يكتبون الان هناك محمد عبدالملك وهو من احسن من يكتبون القصة القصيرة.
أنصح الشباب أن يهاموا بتجويد اللغة.
رسالة عبر الراكوبة اقول لست ذاهباً لسلطة أو حكم، انا ذاهب لمحاربة السلطة في شكلها الديكتاتوري فالسلطة إما أن تعطي الناس حقهم،أو أحاربها، والكاتب لو سلم نفسه للسلطة فإنه يخسر. والسلطة الان سلطة الثورة واذا ماتهادنوا حيأخدوا في رأسهم.
وعندما طالبته بتوجيه رسالة الى رئيس الوزراء قال: لقد أتيت إلى هذا المنصب بإرادة المنصب الشعب السوداني الذي صنع الثورة من اكبر الديكتاتوريات في القرن العشرين، وهذا الشعب وضع ثقته فيك ولابد ان تناضل لاحقاق الحقوق للشعب كله من حرية وديمقراطية ومساواة وعدل وحقوق إنسان ، واذا كنتم لاتستطيعون فقدموا إستقالتكم، ولجان المقاومة موجودة والثورة قادمة ولديها موجهات. إرساء دعائم السلام هي الاساس ، الان هناك من يدعو لانتخابات وغرضهم هو سرقة الثورة.
لو كنت وزيراً للثقافةوالاعلام، سأفعل مافعله مهاتير محمد وخلال اسبوع شال كل الفساد الكان موجود في الدواوين الرسمية وجدعوا في البحر وإستطاع إعادة كم وتلاتين مليار لخزينة ماليزيا. وزارة الثقافة والاعلام تخضع لها التلفزيونات والصحف وهي لازالت كما هي بجاحة الاخوان المسلمين وتوظيفهم للاعلام في صالحهم. الاعلام لابد له أن يكون حراً والبطء الحادث الان وماكنت سأفعله في اسبوع اسبوعين كنت نضفت كتير وستجد من يعاونوك ومثل هذه الصحف والفضائيات ماذا تفعل بها ، وهي تعمل في صالح الثورة المضادة.
تحية لإبن الوطن العظيم استاذ فضيلي جماع. نسيت ان تقول – وربما تواضعا رفضت ان تضيف – الى سجلك الباذخ انك مترجم من طراز عالي. مرحبا بك في وطن تناوشته ايدي الضباع وسرقته ثعالب لا تعرف من الدين إلا ما يساعدها في تحقيق اهدافها الدنيئة. مرحبا بك بعد ان هب الشعب السوداني العظيم وطرح نظام الأنجاس وحثالة البشرية في مكب القمامة حيث ينتمون.
تمتع بهواء بلدك واستمتع بالعصيدة وملاح التقلية والكول واشبع من خيرات كردفان وسمك النيل ولا تنسى لحمة الشية الجميلة في الله كريم وانت في طريقك الى كردفان واتحفنا بإبداعاتك.
مرحبا بك استاذ فضيلي وليذهب الكيزان الى الجحيم عليهم لعنة الله اجمعين.
من أجمل اللقاءات التي قراتها بعد الثورة.
مرحب حباب المناضل الفنان فضيلي جماع.
لطالما أنجبت كردفان الأفذاذ و مازالت ولود ودود.
30 سنه في لندن ما عندك بيت شغال شنو
عوافى الرجل استثمر كل الاموال فى الابناء وهذا افضل استثمار للانسان وسوف يجنى
الثمار من ذلك عندما يقوم الابناء بشراء البيوت والسيارات للاباء فهمتى ولا فهمت
لقد عرفت فضيلي جماع منتصف السبعينيات في القرن الماضي، كان يكتب الشعر في مجلة الدوحة. لقد كنا نتسابق في حجز النسخة لكي نقرأ للكتاب السودانيين فيها النور عثمان ابكر محمد ابراهيم الشوش والطيب صالح والكثيرين من السودانيين.
لقد كان نجما وما زال، جميل القلم وشجاع ومناضل جسور ولقد زاد حبي واحترامي عندما كشر عن انيابه في وجه النظام الديكتاتور البغيض.
مرحبا بك بين اهلك واحبابك وبين بقيراتك واغنامك وخضارك واعشابك وبيئتك الجميلة الحلوة التي يسعدنا أن نعيش فيها.