ما بعد النويلة

(كلام عابر)

ما بعد النويلة

عبدالله علقم
[email][email protected][/email]

ما تزال الذاكرة السودانية تحتفظ بأكبر واقعة اختلاس للمال العام شهدتها البلاد عام 1962م وعرفت وقتها باسم (اختلاسات مشروع النويلة) منسوبة الى اسم المكان الذي تمت فيه السرقة أو الاختلاس ،(نقلا عن الأستاذ كمال الجزولي، متعه الله بالصحة والعافية)، ورغم أن المبلغ المختلس لم يتجاوز العشرين ألف جنيه لكن الواقعة لقيت تغطية واسعة في الصحف وأثارت جدلا واسعا في المجتمع باعتبارها حدثا فريدا غير مسبوق ولا تقبله أخلاقيات المجتمع وقتها. ثم جرت مياه كثيرة تحت الجسور وفوقها منذ عام 1962م وإلى الآن، وأصبحت ممارسة سرقة المال العام أمرا عاديا،إلا من رحم ربي، ولا يثير الاهتمام، بل أصبح ما يثير الاهتمام خلال العقدين الماضيين من الزمان الصعب هو وجود مسئول يعف عن المال العام حينما يتمكن منه ، ويمارس الفضيلة بعفوية . مثل هذا المسئول الاستثنائي هو المادة الخبرية ، تماما مثل خبر الإنسان الذي يعض كلبا وليس العكس ، كما درج عليه في تعريف الخبر.
المسئول موضوع هذه السطور هو المهندس مصطفى السيد خليل ، وهو وزير أسبق لوزارة الصحة في حكومة ولاية القضارف ، وهو يشكل مادة خبرية حقيقية رغم أن الخبر (بايت). الوزير والمهندس السابق والمزارع ورئيس منتدى شروق الثقافي في القضارف الحالي ، كان ممثلا للحركة الشعبية في حكومة ولاية القضارف وتقرر صرف (حوافز) للدستوريين أو شغلة المناصب السيادية في الولاية، وهم بجانب الوالي جميع الوزراء ورئيس المجلس التشريعي ونائبه ومستشارو الوالي والمعتمدون وآخرون لا نعلمهم. ولما كانت الولاية تعيش وقتها في ضائقة صحية بسبب تفشي الاسهالات المائية ،وهو الاسم الذي يخفف من وقع الكارثة عندما يستخدمونه عوضا عن كلمة الكوليرا، علق السيد مصطفى بقلمه في الكشف الذي يحمل أسماء (الدستوريين) المدعوين للوليمة، وقال أنه لا يستحق أن يصرف هذه الحوافز وقرر أن يحول مبلغ الحافز لدعم الجهد الصحي لمكافحة مرض الاسهالات المائية أو الكوليرا ، ثم أعقب القول بالفعل وامتنع عن استلام الحافز، وأعجب هذا التعليق السيد الوالي ، الضو حسن عثمان الفكي، فكتب بدوره على نفس الكشف مشيدا بمبادرة السيد مصطفى، ولكنه،أي الوالي، لم يقتدي بوزيره ولم يجد في نفسه حرجا من استلام حافزه، مع أنه لم يعرف عنه قط ولع بالمال العام رغم كونه من كوادر جماعته الفاعلين .
و”مساكين” أبطال واقعة مشروع النويلة التاريخية، فقد خلف من بعدهم خلف، ليسوا كما وصفهم السيد المسيح عليه السلام (يعفون عن الابرة ويبتلعون البعير) ، ولكنهم يبتلعون الابرة والبعير معا، ولا يبقون على شيء كدواب الأرض، مثل مسئول وزارة الأوقاف الذي يقبض في السودان راتبا أعلى من راتب وزيره ويقبض من نفس المخدم ،وهو حكومة السودان، ولكن في السعودية، راتبا أعلى من راتب وزير سعودي.إنهم يبتلعون بين طرفة عين وانتباهتها أضعاف المبالغ التى اختلست من مشروع النويلة.

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمن الرحيم

    مايحيرني كيف نسي الناس وخاصة العلماء منهم رقابة الله عز وجل وأمره (ولاتأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)وهو الذي يسمع ويري دبيب النملة الزرقاء في الليلة الظلماء
    لاحولة ولاقوة إلا بالله حسبنا الله ونعم الوكيل

  2. (يعفون عن الابرة ويبتلعون البعير) ، ولكنهم يبتلعون الابرة والبعير معا)
    و الكلام كمل يا استاذنا علقم ….

  3. إنهم يبتلعون بين طرفة عين وانتباهتها أضعاف المبالغ التى اختلست من مشروع النويلة.

    أنت علقم وكلامك حلو لكن ما فهمت انتباهتها ( ما تكون صحيفة الخال ).

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..