
أوردت بعض المصادر الصحفية مؤخراً حديثاً للدكتور عمر القراي، مدير المركز القومي للمناهج، قال فيه: (المناهج الجديدة لن ترسخ لدين “الكيزان”! وأضاف أن المناهج يجب أنّ تُلبي كافة تطلعات الشعب، لذا هِي أخطر من تسليمها لمجموعة مِن الفنيين ليُقرروا كيفية وَضعها. وطالب القراي الشعب السُوداني بالمساهمة في وَضع المنهج الذي سوف يتعلم عَليه أبناؤهم. ولفت إلى افتتاح مكتب لتلقي المُقترحات والمُساهمات مِن قِبل ربات المنازل وكافة المُهتمين بالحقل التعليمي بالبلاد. مُناشداً لجان الأحياء وتجمع المهنيين ومُنظمات المجتمع المدني نقل رأي الشعب، وأضاف قائلاً: نُريد معرفة ما يريد الشعب ومن ثم نضع المنهج. وقال أيضاً أننا نحرص على الدين أكثر مِن الإنقاذ، ولكننا سنعمل على ترسيخ الدين الذي نعرف وليس دين الكيزان وتُجار الدين).
من الواضح أن الدكتور القراي قد قرر شن حرب لا هوادة فيها على ما يسميه بدين “الكيزان” عبر المناهج الدراسية، كما أنه ينوي، في ذات الوقت، فرض وجهة نظر محددة قائمة على الفكر الجمهوري الذي يؤمن به. ونود بداية تذكير السيد القراي ومن يقف معه بقول الله تعالى: “إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” (سورة آل عمران-19).
وبالتالي ليس من المنطق أن يُنسب الدين لهذا التيار أو ذاك؛ خدمة لأغراض خاصة تهدف لتشويه صورة الدين وجعل الناس ينفرون منه، بنسبته إلى فئة بعينها! وليعلم القراي بأن الشعب السوداني عموماً لم يتعلم الدين من “الكيزان” ولن يقبل بدين الرسالة الثانية التي يدعو لها الجمهوريون! ولقد ظل الإسلام، بشكله الوسطي والسني المعتدل، أحد أهم ثوابت أهل السودان منذ أن رفرفت رايات عبد الله بن أبي السرح في بلاد النوبة، فقامت على إثر ذلك ممالك إسلامية معروفة نشرت الدين في كافة بقاع السودان في الشرق والغرب. وظل دين الله راسخاً في وجدان الشعب السوداني، عبر الحقب التاريخية، التي تراوحت بين الاستعمار والعهود الوطنية، دون أن يسعى أحد لإبعاد الدين عن المنهج بشكل مباشر إلا في هذا العهد المملوخ.
ومن ناحية علمية، فإن المنهج الدراسي “يُعرِّف بأنه جميع الأنشطة والخبرات والحقائق والمعلومات والتدريب، وأنماط السلوك، ومنظومة القيم، والمهارات، التي تقدمها المدرسة للطلبة تحت إشرافها، سواء داخل المدرسة أو خارجها، بينما يُعرّفه البعض الآخر بأنّه مجموعة من المعارف والأنشطة والممارسات المخططة والهادفة التي توفرها المدرسة لمساعدة المتعلمين على تحقيق مجموعة من الأهداف التعليمية، والحصول على أفضل النتائج بناءً على قدراتهم وإمكانياتهم داخل الصف الدراسي وخارجه”.
وبهذا التعريف فإن المنهج الدراسي ليس بالأمر الذي يترك لحفنة من الناس لتحدد محتواه وتصميمه وطرق تقديمه، بل يجب أن يشترك في إعداده نخبة من العلماء والمختصين والخبراء والجهات والمؤسسات المُخدّمِة وأصحاب المعرفة في شتى المجالات المعرفية والتربوية والمهنية، وليس ثمة دور للجان الأحياء في هذا الصدد. كما يجب أن يقدم المنهج مهارات متنوعة وحديثة تتناسب مع العصر، وتلتزم بثوابت الأمة؛ حتى لا يحدث خلل في المعتقد ولا يطرأ تخلف يقعد الناس عن مواكبة مستجدات الحضارة الإنسانية والمدنية، وبحيث تكون مخرجات التعليم مناسبة لسوق العمل المحلي والعالمي، وقبل هذا وذاك تهيئ الإنسان للحياة الدنيا والآخرة. وينبغي أن يستوعب المنهج ويشمل المكون اللغوي والتاريخي والروحي للشعب بشكل مكثف حتى لا يكون الخريج كالمنبت لا ظهراً أبقى ولا أرضاً قطع!
والمناهج الدراسية، لكونها عملاً فنياً ومهنياً خالصاً، له خطورته وأهميته في مسيرة الأمة وحاضرها ومستقبلها، يجب ألا تخضع لأهواء السياسيين ومزاجهم أو للتقلبات السياسية في البلاد؛ حتى نبعد عنها الأجندة الأيدلوجية الخاصة أو تلك الحزبية الضيقة، فهل سمعتم بأن الحزب الجمهوري في أمريكا قد حاول تغيير المنهج الدراسي بعد فوز ترامب، أو أن حزب العمال البريطاني قد طرح تغيير المناهج والسلم التعليمي ضمن دعايته الانتخابية؟
عموماً لسنا ضد تطوير التعليم وتحديث المناهج الدراسية، من وقت لآخر؛ نظراً لما يطرأ على الحياة البشرية من تقدم تقني ومعرفي، ولكننا بكل تأكيد ضد اتخاذ المناهج كوسيلة لضرب ثوابت الأمة وتكريس وجهات نظر غير متفق عليها، بل قد تتعارض بالضرورة مع الدين والموروث الثقافي للشعب السوداني. وبحسب عملي في مجال التعليم وتطوير المناهج أعلم ماذا يعني تغيير المنهج من الناحية الأكاديمية والمالية والبشرية، فهذه العملية ليست بالسهولة التي يتوقعها البعض؛ ولذلك ما كان ينبغي على حكومة قحت أن تزج بنفسها في هذا المعترك، في وقت يواجه فيه الاقتصاد السوداني صعوبات مالية تجعل من المستحيل تطوير منهج يناسب تطلعات شعبنا. كما أن هذه الحكومة يجب ألا تتدخل في المسائل المصيرية بل تتركها للحكومة المنتخبة عقب انقضاء الفترة الانتقالية. وينبغي على رئيس مجلس السيادة وخبراء التعليم اتخاذ موقف من هذا التوجه الذي سيظل يؤثر على التعليم في السودان لسنين عدداً!
محمد التجاني عمر قش
يا دكتور يبدو انك خارج الشبكة
القراي اكد عدة مرات ان المنهج لن تكون له علاقة بالقكرة الجمهورية فلماذا تكذب اذن؟!
انتو في أي مشكلة مع الحكمة المنية والي جارين للبرهان؟! نفس ما فعل الزواحف في هتافاتهم يوم خرجوا زاحفين لنصرة الدين قال! هل البرهان الا رئيس اجتماعات مجلس السيادة؟ هل تفتروا البرهان له حق فيتو على مجلس الوزراء؟