مقالات وآراء سياسية

العلمانية ام الانفصال؟!

زهير السراج

* نفس المعادلة البائسة التي سيطرت على مفاوضات نيفاشا بين النظام البائد والحركة الشعبية لتحرير السودان قبل خمسة عشر عاما وقادت الى انفصال جنوب السودان في عام 2011 ، هي التي تسيطر على مفاوضات السلام بجوبا حاليا وتعيق الوصول الى اتفاق يحقق وحدة البلاد، حيث اصر النظام البائد على تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان كورقة سياسية ظل يلعب بها لخداع البسطاء، بينما اصرت الحركة الشعبية في المقابل على حق تقرير المصير الذى قاد الى انفصال الجنوب، وفقدان جزء عزيز من الوطن وخسارة موارد بشرية وطبيعية ضخمة جدا كان يمكنها دعم السودان في ازمته الاقتصادية الحادة، بالإضافة الى الكارثة التي تعيشها الدولة الجديدة باندلاع الحرب الاهلية القبلية وانعدام الاستقرار وانتشار التخلف والفقر والامراض والتعرض للعقوبات والعزلة الدولية، وكلها مشاكل ضخمة لم تكن لتحدث لو ظل الجنوب جزءا من السودان.

* السيناريو ذاته يدور الان بجوبا، حيث تصر السلطة الانتقالية على تأجيل التفاوض حول نوع القوانين التي ستُطبق في السودان الى المؤتمر القومي الدستوري، بينما تصر الحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال (عبدالعزيز الحلو) على علمانية الدولة او الحصول على حق تقرير المصير لجنوب كردفان .. أما الخيار الثالث فهو فشل المفاوضات واستمرار الصراع وتأخر السلام مع كل آثاره السلبية على السودان سواء على المستوى الداخلي او الخارجي، الأمر الذى يعنى بقاء الاوضاع على ما هي عليه من ازمات ومشاكل واحتراب وفقر وتخلف وعلاقات دولية غير مستقرة، وكأن النظام البائد لا يزال يحكم السودان ويتحكم فيه !

* إذا أضفنا لهذه المعضلة، التجاهل الكبير الذى تبديه الحكومة تجاه ملف جرائم دارفور والاصرار على عدم تسليم المخلوع وبقية المتهمين الى المحكمة الجنائية الدولية بالإضافة الى عدم وجود أي مؤشرات تدل على وجود رغبة في محاكمتهم داخليا حتى الآن، او حتى تشكيل لجنة وطنية للتحقيق في الجرائم الفظيعة التي ارتكبوها ــ كما أشارت الى ذلك المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في تقريرها الدوري عن دارفور امام مجلس الامن قبل يومين ــ فإن ذلك يعنى بوضوح شديد الفشل الذريع في انهاء الصراع وتحقيق السلام وارساء الاستقرار السياسي، وهى أهم مهام الحكومة خلال الفترة الانتقالية التي يترتب عليها تنفيذ بقية المهام مثل انعقاد المؤتمر الدستوري الذى يحدد طبيعة الحكم في البلاد وقيام الانتخابات التي تحدد من يحكم البلاد، ومن ثم الانطلاق الى الامام لتحقيق بقية الاهداف المنشودة من تنمية واستقرار اقتصادي وانفتاح على العالم. إذا لم يتحقق السلام فلن تتحقق هذه الاهداف، وإذا لم تتحقق العدالة لضحايا دارفور ولم تتمخض المفاوضات التي تدور في جوبا الآن عن اتفاق، فلن يتحقق السلام !

* فوجئت بالتشدد الكبير الذى يبديه وفد السلطة الانتقالية والحكومة حول موضوع القوانين التي تحكم البلاد والحديث عن ترك ذلك للمؤتمر القومي الدستوري، وهى نفس المعضلة التي ظلت تواجهنا منذ الاستقلال حتى اليوم، وتمسك بخناقنا وتلقى بنا في اتون الحروب والصراعات، وتقعد بنا عن النمو والتطور وتعيدنا بخطوات سريعة الى الوراء كل يوم عن الذى يسبقه، بينما هي قضية في غاية البساطة لا تحتاج الى كل هذا التردد والخوف والتأجيل واستمرار الصراع والازمات والمشاكل والتعقيدات وتمزيق البلاد، خاصة مع اقرار الوثيقة الدستورية في المادة (3 ) بان “جمهورية السودان دولة مستقلة ذات سيادة ديمقراطية تعددية لا مركزية، تقوم فيها الحقوق والواجبات على أساس المواطنة دون تمييز بسبب العرق او الدين او الثقافة او الجنس او اللون او النوع او الوضع الاجتماعي او الاقتصادي او الرأي السياسي أو الاعاقة او الانتماء الجهوى او غيرها من الأسباب”، فماذا تبقى لكى تتحقق علمانية الدولة؟!

* العلمانية لا تعنى الالحاد، كما ذكرت في مقال كامل من قبل، وإنما تعنى الحرية لجميع الاديان والمعتقدات والافكار وتساوى الجميع أمام القانون، فلماذا التردد من مفاوضي الحكومة في الموافقة على علمانية الدولة مقابل تحقيق السلام والحفاظ على وحدة البلاد؟! إذا وجدنا العذر للنظام البائد في التلاعب بالدين من أجل تحقيق أهداف سياسية ومصالح ذاتية ضيقة، فما هو عذر حكومة الثورة وسلطة الانتقال؟!

* إذا كانت هنالك معادلة قادت في السابق الى انقسام البلاد وازماتها المتلاحقة، فهنالك معادلة معاكسة لها يمكن وضعها على النحو التالي : دولة علمانية + محاكمة المتهمين في جرائم دارفور = السلام !

* ماذا نريد: السلام والاستقرار والتنمية، أم الحرب والفوضى والتخلف .. العلمانية ام الانفصال ؟!

 

زهير السراج

الجريدة

‫6 تعليقات

  1. مفهوم العلمانية نفسه مفهوم غامض لدى الكثيرين من سواد السعب السوداني. البعض يفهم أن العلمانية تعني الإلحاد،، والكفر بالكتب السماية، والبعض يرى – وهو الفهم الإقرب- هي عدم تدخل الدين أي فصله عن النشاطات الاجتماعية والسياسية………..أين الدين في حياتنا الااجتماعية اليومية؟ اعتقد أننا نمارس طقوسنا الاجتماعية من المورثات والتقاليد الراسخة في المجتمع قبل دخول الإسلام للسودان، لذا عندما دخل الإسلام وجد المجتع السوداني جاهز لتقبله لأنه أصلاً كان يمارس عادات يقرها الإسلام وكلها من مكارم الأخلاق ومساعدة الضعيف وغوث الملهوف وحماية العرض الخ أين الإسلام من حياتنا السياسية والاقتصادية؟ أين كان الأسلام أثناء مفاوضات نيفاشا؟ هل كان يستصحب المفاوض السوداني معاني ودلالات القرأن عندما كان يتفاوض مع أهل الكتاب في نيفاشا؟
    أعتقد أننا علمانيون أصلاً أذ أن الدين الإسلامي لا يلعب دوراً كبيرا في السودان كما يلعبه في السعودية، وأننا نمارس حياتنا بشكل طبيعي من مورثاتنا الاجتماعية والقيم الجمعية الراسخة أكثر مما نستلهمه من المعاني ال~إسلامية. فمثلاً نحن نأكل أصلاً مع بنات أعمامنا وعماتنا وبنات خالاتنا وأخوالنا دون ان نضع في اعتبارنا أن هذه (المواكلة) صادرة بنص قرأني. وأننا نعفو عن الدم دون تلقائياً دنن ان يدر بخلد أحدنا معاني الآيمة الكريمة (وإن تعفوا خير لكم)…. لدينا موروث اجتماعي ثر لا يتعارض أبداً مع المعاني السامية للقرأن الكريم…. ولا المبادئ الإسلامية السمحة…………. علمانية ودينية مسميات لا معنى لها ويجب أن نقفر فوقها سريعاً أن ثوابت مجتمعنا لن تتعير أبداً سواء قلنا نحن دولة دينية أو دولة علمانية….. إذا من أجل الحفاظ على وحدة الوطن أقبلوا بالعلمانية وهذا لن يغير شيئاً من طبيعة الشعب السوداني السمحة وممارساتها الاجتماعية الطيبة والتي لم يزدها الإسلام إلا سماحة… فهي كانت موجودة أصلاً.

  2. مفهوم العلمانية نفسه مفهوم غامض لدى الكثيرين من سواد السعب السوداني. البعض يفهم أن العلمانية تعني الإلحاد، والكفر بالكتب السماوية، والبعض يرى -وهو الفهم الأقرب-هي عدم تدخل الدين أي فصله عن النشاطات الاجتماعية والسياسية………..أين الدين في حياتنا الاجتماعية اليومية؟ اعتقد أننا نمارس طقوسنا الاجتماعية من المورثات والتقاليد الراسخة في المجتمع قبل دخول الإسلام للسودان، لذا عندما دخل الإسلام وجد المجتمع السوداني جاهز لتقبله لأنه أصلاً كان يمارس عادات يقرها الإسلام وكلها من مكارم الأخلاق ومساعدة الضعيف وغوث الملهوف وحماية العرض الخ أين الإسلام من حياتنا السياسية والاقتصادية؟ أين كان الأثلام أثناء مفاوضات نيفاشا؟ أين دور الدين الإسلامي في مفاوضات سد النهضة؟ أين دور الدين لسفاراتنا بالخارج؟ هل كان يستصحب المفاوض السوداني معاني ودلالات القران عندما كان يتفاوض مع أهل الكتاب في نيفاشا؟أعتقد أننا علمانيون أصلاً أذ أن الدين الإسلامي لا يلعب دوراً كبيرا في السودان كما يلعبه في السعودية، وأننا نمارس حياتنا بشكل طبيعي من مورثاتنا الاجتماعية والقيم الجمعية الراسخة أكثر مما نستلهمه من المعاني ال~إسلامية. فمثلاً نحن نأكل أصلاً مع بنات أعمامنا وعماتنا وبنات خالاتنا وأخوالنا دون ان نضع في اعتبارنا أن هذه (المواكلة) صادرة بنص قرأني. وأننا نعفو عن الدم دون تلقائياً دنن ان يدر بخلد أحدنا معاني الآيمة الكريمة (وإن تعفوا خير لكم)…. لدينا موروث اجتماعي ثر لا يتعارض أبداً مع المعاني السامية للقرأن الكريم…. ولا المبادئ الإسلامية السمحة…………. علمانية ودينية مسميات لا معنى لها ويجب أن نقفر فوقها سريعاً أن ثوابت مجتمعنا لن تتعير أبداً سواء قلنا نحن دولة دينية أو دولة علمانية….. إذا من أجل الحفاظ على وحدة الوطن أقبلوا بالعلمانية وهذا لن يغير شيئاً من طبيعة الشعب السوداني السمحة وممارساتها الاجتماعية الطيبة والتي لم يزدها الإسلام إلا سماحة… فهي كانت موجودة أصلاً.

  3. أعجبتني معادلاتك. إنفصال المنطقتين حتمي. أما أهل دارفور فسيمكثون قليلا قبل أن يستوعبوا أن تسليم المطلوبين وإحقاق العدالة مستحيل لسبب بسيط هو أن نفوس البعض أغلى من الوطن وحتى من الدين الذي يدعون حرصهم عليه (لماذا وقفت الدول العربية والإسلامية والفقهاء مع الإخوان المسلمين ضد تسليم المطلوبين رغم ما أحاق بإخوة الإيمان في السودان؟). ثم تضطر حكومة ما تبقى من السودان لتطبيق العلمانية بعد تبنيها بواسطة العربان.

  4. المعادلة واضحه و جليه كالشمس في رابعه النهار يا استاذنا الفاضل كما تفضلت لكن هناك عمي و تضليل مقصود لمعارب خبيثه و مصالح لفئات بعينها جعلت من نفسها نخبه مركزيه طفيليه كانت تقتات من هاله الدين لمسايره معاربها و لحفاظها علي نفوذها و سلطاتها التي استحوذوها منذ الاستقلال بالدسائس و المعامرات الخبيثة و التي في مفهومهم المريضة اهم من وحده البلاد و اهم من انفس الناس و اهم من كرامه شعب باكمله و اهم من سياده بلد بأسره . لذلك هم مرعوبون من العدالة الاجتماعيه التي قد ينبته التطبيق الحقيقي للديمقراطية و الشفافيه في اداره شئون البلاد و ربط الدواوين الحكومية بقوانين تطبيقيه تفقدهم الهاله القدسية و العصمه الدينيه التي يتوارون من خلفها ظلما ليتهربوا به من المحاسبه الحقيقية لممارساتهم السيئة ، لذلك هم حتما سيستميتون من اجل ابقاء هذه الهاله النفاقيه النفعيه حتي و ان اقتضي الأمر بذهاب السودان كدوله بعد ان ذهب نصفه فعلا . لكننا نقول لهم و بمنطق الأحداث الجاريه و وعي جيل الحداثه ، خاب فالهم ، لان هذا الشعب اصبح أوعي من ان يخدع كما خدع طيله الستون عاما السابقة . لقد انكشف عراهم البائس و سيظل الوطن موحدا رغم انفهم و بل و ستعود نصفها الحلو شاءوا ذلك ام ابوا ان شاء الله و سينهض السودان و يكسر قيود التكبيل الذي لزم فيه منذ الاستقلال و سينتفض بقوه الي حد الاذهال . هذا الشعب مسلم بذاته و مؤمن بفطرته و لا يحتاج لرجال دين و كهنوت ليتلاعبوا بمصائره و وحده ارضه و شعبه و بكل اثنياته و ضياع مكتسباته . فاليعلم هولاء الشرزمه الطفيليه ان الاسلام دين يجمع و لا يفرق ، و دين يعدل و لا يخدع ، و دين محب للسلام من اسمه ، و دين يتسم بالعقلانية و لا دين تهور و هيجان و تخبط و لا حتي دين النفعيين لانه دين يحب لاخيه اكثر من حبه لنفسه و دين يعطي و لا يأخذ ، و دين الإيثار ، فمن ليس فيه هذه الصفات فليس منا و لا يشبهنا فاليذهب هو غير مأسوف عليه و اليبقي السودان لشعبه و ارضه و أهله الطيبين المعروفين باسمي قيم و خلق الانسانيه .

  5. اين هي الدولة الاسلامية.؟ هل الانقاذ كانت دولة اسلامية بالرغم من ممارساتها المعلومة للجميع من نهب وسرقة وتدليس وتزوير وكذب ونفاق وظلم وعنصرية وشذوذ جنسي ولواط واغتصاب وتعذيب وقتل ؟ ام ماذا !! اين كان من يتشدقون بالدين خلال الثلاثون عام الماضية؟؟؟؟!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!

  6. بغض النظر عن وجهة النظر حول العلمانية، إلا أنها مسألة دستورية لم يحن أوانها بعد، ولا يجب أن يكون لأي جهة صلاحية البت في الأمر في هذه الفترة. ومع وجود مؤتمر دستوري في خطة الفترة الانتقالية، تبدو المناداة بالعلمانية –مبدأياً- صيدا في المياه العكرة ومحاولة لفرض اجندة ايديولوجية قبل طرحها للنقاش الشعبي، أما عمليا فستكون سيفاً تضعه الحركة في أيدي المهووسين، ومحطة ينزل فيها المحافظون من قطار الثورة، وفي فترة تكابد فيها الحكومة الانتقالية لقطع دابر التمكين. دع عنك المفهوم الهلامي لها والذي يمكن أن يفهمه البعض في سياق معاد للأديان على شاكلة البوركيني الفرنسي أو منع الحجاب في الجامعات التركية سابقا.
    لا يمكن إلقاء اللوم هكذا على الحكومة الانتقالية وكأنها تتعامل مع طفل مدلل يجب إرضاؤه بأي طريقة، في تجلٍ لعقدة ذنب النخب المحسوبة على المركز تجاه حاملي السلاح مما كتب عنه عبد الله علي إبراهيم.
    أما عن حق تقرير المصير، فهو سقطة كبيرة من الحركة الشعبية، وأقل ما يمكن أن توصف المطالبة به، أنها إهانة بالغة للسودانوية ولمجموعات من صميم المجتمع السوداني ومعرِّفة له، أعتقد أن من قلة الأدب أن تتصور الحركة الشعبية أن السودانيين في جنوب كردفان على استعداد لخلع جلدتهم الوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..