«معاها في كل الظروف»

للدكتور عمر محمود خالد الطبيب والشاعر والمريخي المعروف قصيدة في عشق المريخ يقول في مطلعها «يا سماء المجد يا زهو الحروف، يا نجوماً بالبشارات تطوف، إننا نهواك في كل الظروف» والشاعر هنا يعلن انتماءه الذي لا يتزحزح بما هو كائن وما سيكون عليه حال هذا الفريق مهما كان، «معاهو معاهو ووراهو وراهو حتى لو نزل الليق»، هذه القصيدة أغضبت شاعرا هلاليا لا أذكر اسمه فجاراها قائلاً «سيد البلد سيد الحروف، نهواك في كل الظروف، كان ظاهر أو كسوف، كان عميان أو بتشوف، ويا ضلنا – يقصد المريخ – يا ما بكرة فيك نشوف»، وربما نُظمت قصائد أخرى على هذا النحو في أهلي شندي وأمل عطبرة وهلال كادقلي ومريخ الفاشر لم تجد حظها من الانتشار والذيوع… المهم أن مثل هذا الانتماء والتأييد المطلق إذا جاز في الرياضة، لا يمكن بأي حال أن يجوز في مضمار السياسة، ولكن للغرابة جعله بعض الساسة كذلك في تعاطيهم مع مبادرة الرئيس…
الرئيس البشير كما هو معلوم وحسبما نُقل عنه، يعكف على إعداد وصياغة مبادرة تحت عنوان عريض يصفها بأنها ستكون مبادرة شاملة ستمثل مخرجاً للبلاد من مشاكلها بجمع الصف الوطني وتحقيق المصالحة وإنهاء التمرد، وكل هذه عموميات تحتاج إلى إعمال الفكر وعصف الذهن والرجوع إلى المبادرات السابقة وتقييم حصادها وعقد المقارنات وإجراء المقاربات إلى آخر هذا الجهد المضني، والرئيس كما يعلم الجميع ما يزال في مرحلة العكوف والاعداد الجيد لهذه المبادرة التي لا يعرف عنها أحد حتى الآن شيئاً يذكر غير الوصف العام الذي أسبغه عليها من بشروا بها الملأ وأعلنوها للرأي العام، وباختصار مازالت مبادرة الرئيس جنيناً يتخلّق، مثلها مثل الأجنة في الأرحام في أيامها الأولى، لا يدري أبواها ولا حتى الطبيب، ماذا سيكون نوعها بل وما هو مصيرها، هل يكتمل نموها وتخرج سالمة للحياة تستقبلها النساء بالزغاريد والرجال بـ«الكوراك والروراي»، أم لا قدر الله ستموت قبل أن تولد أو بعد ولادتها، فالمبادرة ماتزال «سمك في موية وطير في الهواء»، ولكن رغم ذلك بادر بعض الساسة من هنا وهناك وسارعوا لتأييدها ومباركتها وهم لا يعلمون عنها شيئاً أكثر مما علمته العامة، إندلقوا هكذا لمنحها تأييداً مسبقاً، دون أن يلموا بماهيتها وطبيعتها وتفاصيلها، وفي غمرة هذا «الاندياح» اللاهث سقط عنهم قناع الوقار الذي كان يقتضي منهم ولو شكلياً أن يبدو شيئاً من التؤدة والتريث والتمهل، فيباركوا المبدأ والاتجاه العام للمبادرة وينتظروا التفاصيل حيث تقبع الشياطين كما يقال، ثم من بعد خروجها كاملة ومكملة والعكوف على فحصها بنداً بنداً، حقّ لهم حينها أن يعلنوا ما شاءوا، مباركة كاملة أو رفض تام أو بين ذلك عوان….
مثل هؤلاء الذين يخطفون الكلام من فم صاحبه مع أول عبارة تخرج منه، ليبدوا وكأنهم عالمين ببواطن ما سيقوله، يظلون هم الخطر الأكبر لما في مثل مسلكهم هذا من انتهازية وتزلف، وهل هناك تزلف وتمسح ومسح جوخ أكثر من أن تقول لشخصٍ ما أنا معك فيما لم تقله بعد، هذا النوع من «الأونطجية» لا تهمه مبادرة ولا تسوية ولا اتفاقية، تهمه فقط مكاسبه ومصالحه، يؤيد ويبارك من أجلها، ويعارض ويقاوم أيضاً من أجلها، وبهذه المناسبة حتى أروّح عنكم قليلاً من سيرة المتملقين المتحذلقين، تحضرني حكاية العم (خ) حين حاول أن يكون «أونطجياً»، قيل ان العم (خ) ذهب إلى المسرح القومي وانتصب واقفاً أمام بوابته الرئيسة ووجهه على الشارع النيل وطفق يهتف في المارة بأعلى صوته وكان ذلك على أيام حكومة عبود «يعيش عبود بطل الأمة، يعيش حسن بشير ود القبائل، يعيش طلعت فريد بطل كرن»، عمنا (خ) كان يهدف من وراء هذا الهتاف الداوي الحصول على تصديق باقامة بوفيه في ذلك الحوش ولكن تعذر عليه بالدرب العديل…

الصحافة

تعليق واحد

  1. يا اخ حيدر.. او تذكر ايام الرئيس القائد نميرى .. عندما تقاطر الجماعه للتـأييد فما كان من
    احدهم الا ان اعلنها داوية: ” نحن مع الرئيس القائد دنيا واخرى ” !!!

  2. هذه اصابة اخرى في الهدف تماما ، المسالة تحتاج للمزيد من الطرق ، فالمجال السياسي اكتر حساسية من ان يتقبل الميول العاطفي والولاء الاعمى للاحزاب والاراء ، غلبة العاطفة والهاشمية على اعمال العقل الناقد في المجال السياسي ، ساهم بوفرة في تعطيل الوصول لرؤية سياسية سليمة باستبدال طريق النقاش وصراع الفكر ، بطرق اخرى لا تفضي لغير غرس الاحقاد وتشتيت بوادر التوحد حول رؤية مضبوطة تنقذ مستقبل هذا البلد ، ومما لا شك فيه ان مثل هذه الممارسات مفضلة جدا لدى النظام القائم ، والذين يمارسون هذا النوع من “الاونطة ” يقدمون للنظام خدمات جليلة لا تقدر بثمن ، فيا هؤلاء ، افيقوا …….

  3. يا استاذ حيدر ارجع البصر كرتين في جوبا ينقلب اليك البصر من مرآة واشنطن بما سيفعله البشير

  4. مبادره لن تبتعد عن تكوين حكومه قوميه(حصص للتجمع واخرى لحملة السلاح) والاعداد لدستور وانتخابات عمرها عامان……..
    حتما سيكون للمؤتمر الوطني الغلبة…………….
    ستكون بقيادة البشير…………..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..