مقالات وآراء سياسية

توثيق لثورة ديسمبر من خلال مشاركاتي فيها (10)

د. عمر بادي

هذه الأيام و نحن في شهر ديسمبر 2019 نعيش إحتفالات الذكرى الأولى لثورة ديسمبر المجيدة و نسترجع أحداثها الجسام و نقيّم مسارنا بعد نجاح الثورة و هل حققنا أهداف الثورة أم لا زلنا نكابد في سبيل ذلك . لقد كنا نحن الثوار مفكريها و مفجريها و حماتها و لكن إقتضت مجريات الأحداث أن يكون لنا شركاء من العسكريين قد إنحازوا لثورتنا و تقاسموها معنا .
لقد كتبت في صفحتي في الفيسبوك مدونات عبارة عن يوميات لمسار الثورة خاصة منذ اليوم الأول لإعتصام القيادة العامة , و كان الغرض من ذلك عكس ما يدور من حراك للمغتربين في المهاجر و انا اعرف الكثيرين منهم بل و كنت منهم , و عندما كانت هذه الكتابات متوزعة في صفحتي في الفيسبوك و في الصحف و المواقع الإلكترونية السودانية فقد آثرت أن أسهّل علي القارئ الوصول إليها , و لذلك سوف اقوم بنشرها متعاقبة في الأيام القادمة , لعلها بذلك تكون فائدة لمن يرجو متابعة أحداث الثورة من الناحية التوثيقية و أيضا تكون لي مشروعا لكتابٍ قادمٍ عن ثورة ديسمبر. إن ثورة ديسمبر لم تأت من فراغ و لذلك سوف أبدأ بنقل ما سبقها من حراك ثوري من مختارات من مقالاتي السابقة في هذا الخصوص …
هذه المقالة قد كتبتها في يوم 16/ 08 / 2018 فإليكم بها :
التطبيق العملي لمهام الأحزاب السياسية
في السودان
كانت مقالتي السابقة بعنوان : ( تجربة للديموقراطية الحزبية في السودان تستحق الإشادة ) تحدثت فيها عن التطبيق الديموقراطي داخل حزب المؤتمر السوداني الذي تمثل في المناظرات السياسية للمرشحين المتنافسين على ملأ المناصب الشاغرة في الحزب . هذه المرة سوف تكون مقالتي عن أحزابنا السياسية في السودان و عن مدى تطبيقها لمهامها السياسية .
في مجال العلوم السياسية تم تعريف الحزب السياسي بأنه عبارة عن مجموعة من الأفراد يجمعهم الإيمان و الإلتزام بفكر معين , و أنه يسعى دائما للوصول إلى السلطة , و أنه في سبيل ذلك يقدم مرشحين بإسمه في الإنتخابات . هذا في ظل الديموقراطية التعددية التي تلتزم بالتعددية الحزبية , و لكن توجد نظم حزبية أخرى تلتزم بنظام الحزب الواحد و هو نظام غير تنافسي قد إبتدعته الماركسية و النازية و الفاشية و يكون نظام تنافسه داخليا و لكنه يفتقد إلى الكثير من مهام الحزب السياسي مما يجعله عرضة لإنتشار التجاوزات و الفساد داخله , و لنا تجربة مع أحزاب النظم الشمولية كالإتحاد الإشتراكي في نظام المشير نميري و المؤتمر الوطني في نظام الإنقاذ رغما عن وجود احزاب سياسية أعيدت بعد حلها و لكنها عادت مقيدة و غير مفعّلة و منزوعة الدسم . تاريخيا نجد التحزب و الأحزاب موجودة في التراث الإنساني و الإسلامي و لكن بدأ تكوين الأحزاب بصيغتها الحديثة في أمريكا في عام 1850 ثم في بريطانيا في عام 1884 و بعد ذلك إنتشرت في كل بقاع العالم .
إن مهام الحزب السياسي تتمثل في الآتي :
1 – عمل برنامج حزبي متكامل و الدعوة له و إدماج المواطنين فيه و تعليمهم الإلتزام السياسي حتى يتم القضاء على الفردية السلبية .
2 – السعي من خلال التوعية بالقضايا السياسية في تكوين الرأي العام و من ثم القيام بدور الوسيط في مطالبة الحكومة بالإلتفات لتلك القضايا .
3 – إختيار القادة من صفوفه و تدريبهم من أجل الترشيح لإنتخابهم من قبل الشعب في العملية الإنتخابية .
4 – تنشيط الحياة السياسية و البرلمانية من خلال التنافس مع الأحزاب الأخرى .
5 – مراقبة تصرفات الحكومة و أعمالها و منعها من التجاوزات و الفساد .
6 – المشاركة في الحياة السياسية من أجل منح الشرعية للتطبيق الديموقراطي داخليا و خارجيا , و يكون العكس عند عدم المشاركة مما يستدعي ذكر الأسباب و في ذلك إدانة للنظام القائم .
7 – تعزيز الوحدة الوطنية من خلال العمل بدستور للبلاد يتم الإتفاق عليه ديموقراطيا من كل المكونات الممثلة للشعب , مع إحترامه و عدم تعديله لمصلحة فئة معينة دون أخرى .
إذا إنتقلنا من النظرية إلى التطبيق نجد أن معظم الأحزاب السودانية ليست لها برامج معروفة للمواطنين سواء عن طريق النشرات الحزبية أو المواقع الإلكترونية أو الندوات العامة , و عادة عند الحملات السياسية قبيل الإنتخابات يكون الحديث عن خدمات المرشح لمنطقته أكثر من حديثه عن برنامج حزبه السياسي . أما عن أمر التوعية بالقضايا السياسية الملحة لتكوين الرأي العام أرى أن أحزابا عدة لا تعير ذلك إنتباها ما عدا الأحزاب القليلة التي تناضل في ذلك من خلال المخاطبات الجماهيرية التي تقوم بها و تزيد من إنتشار الوعي بين المواطنين و تتحمل في ذلك ما تكابده من الأجهزة الأمنية . كذلك في حال مراقبة تصرفات الحكومة و منعها من التجاوزات و الفساد أرى أيضا أن دور معظم الأحزاب متضائل اللهم إلا من بعض البيانات التي تصدر متباعدة و أن الأحزاب التي تمتلك صحفا خاصة بها يكون دورها كبيرا , و لكن الدور الأكبر في نقد الحكومة و تعرية التجاوزات و الفساد يقوم به الصحفيون عامة و هذه حقيقة .
في فترات الديموقراطيات الثلاث خاصة في الديموقراطية الثالثة كان لتكوين الحكومات الإئتلافية الدور الأكبر في فشل التجربة الديموقراطية بها و ذلك لحتمية ضرورتها , فلم يكن في مقدور حزب واحد تكوين الحكومة نسبة لعدم حصوله على أغلبية برلمانية كافية , لذلك صار الحزبان الكبيران يتنافسان على كسب الأحزاب التالية لهما في ترضيات توفيقية لتكوين الحكومات الإئتلافية التي لا تفتأ أن تنفض مع إحداث ترضيات أخرى و هذا ما أدى إلى تفضيل المكاسب الخاصة على العامة و إنتشار الفوضى التي تنتهي كل مرة بقيام إنقلاب عسكري جديد ! الآن لدينا في السودان أحزابا مسجلة قد تعدت المئة حزبا و أكاد أجزم أن معظمها لا يعي اي من معنى الحزب أو مهامه و هذه الأحزاب الهلامية سوف تتلاشى ذاتيا , أما الأحزاب الفاعلة ذات البرامج المشابهة فلا بد من تقاربها ألى درجة الإندماج و في ذلك محمدة للإنتشار المنشود .
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم وهو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني مما أدى لتمازجهم و كان نتاجه نحن , و أضحت هويتنا هي السودانوية . إن العودة إلى رحاب المكون السودانوي العربي الأفريقي اللاعنصري تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس !
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..