مقالات وآراء سياسية

أيها الوزراء…إقرأوا علينا كتابكم!

محمد التجاني عمر قش

الحكومة الانتقالية هي حكومة طارئة تشكّل عند وجود فراغ سياسي، سببه سقوط الإدارة أو النظام الحاكم. ومثل هذه الحكومة عادة تكون ذات مهام محددة تتمثل في تسيير دولاب الحكم، وتهيئة الوضع استعداداً للانتخابات. وحسب قول الدكتور منصور خالد: (لو اهتم قادة الحرية والتغيير قليلاً بقضية الحكومة الانتقالية، بما يتجاوز تسكين أنفسهم وأصدقائهم في الوظائف السامية، وتوفروا لبضعة أيام للقراءة والتأمل في إرث العالم من الحكومات الانتقالية؛ لأدركوا بكل بساطة أن الحكومات الانتقالية هي نسق قانوني مؤقت؛ لأداء مهام محددة لا تشمل بأي حال من الأحوال القائمة الضخمة للمهام التي قرروا وضعها على ظهر حكومتهم المشتهاة)!
الدكتور منصور خالد هو خبير سياسي وقانوني ودبلوماسي، وهو بهذا الإيجاز يعطي مؤشراً واضحاً على فشل الحكومة السودانية المؤقتة بقيادة الدكتور عبد الله حمدوك؛ ذلك لأنها جانبت إطار التكليف المتبع للحكومات الانتقالية، فشغلت نفسها بأمور لا تدخل مطلقاً ضمن مهامها، بل كان من الواجب أن تتركها للحكومة المنتخبة، هذا إذا كانت قحت ستجري انتخابات أصلاً. بمعنى آخر، يرى كثير من المراقبين للأوضاع في السودان أن حكومة السيد حمدوك ينطبق عليها المثل الشعبي “حزمة الأرنب، غلبها تشيلها، قالت زيدوها”؛ ولذلك عجزت تماماً عن القيام بأي مهمة تسجل لصالحها.
فإذا نظرنا للوضع الاقتصادي، في جوانبه كافة، لرأينا أنه ازداد سوءاً، قياساً بأسعار الدولار والعملات الصعبة الأخرى، حيث بلغت عنان السماء، وانعكس ذلك سلباً على الوضع المعيشي؛ إذ ارتفعت أسعار المواد الاستهلاكية والغذاء والدواء بشكل لم يسبق له مثيل، بينما يتحجج وزراء قحت بأن الدولة العميقة هي السبب في ذلك! وحكومة قحت تربع أياديها وتتنظر الدعم المرتقب الذي يقال إنه سيأتي من الدول الشقيقة والصديقة والمؤسسات الدولية المانحة، ولا نملك إلا أن نقول للسيد وزير المالية: “أبشر يا كمون بالروى”! ولسنا بحاجة للحديث عن مشكلة المواصلات في العاصمة، فقد تفاقمت حتى عجز الناس عن الوصول إلى مقار أعمالهم!
ومن ناحية أمنية، يكفي شاهداً، في هذا الصدد، ما حدث في مدينة الثغر مؤخراً من أحداث مؤسفة راح ضحيتها أبرياء فقدوا أرواحهم بلا مبرر، وما ذلك إلا للتراخي الأمني الذي تشهده بلادنا الحبيبة؛ حيث أسند الأمر إلى ما يعرف “بلجان المقاومة” التي باتت تطبق القانون دون الرجوع للجهات العدلية، بل تجعل من نفسها الخصم والحكم، في غياب تام للجهات المنوط بها حفظ الأمن وتطبيق القانون ومراقبة الأسواق. وفي خضم كل هذه الأحداث المؤسفة لم نسمع صوتاً لوزير الداخلية ولا شرطته، ولولا أن زعماء الإدارة الأهلية، في شرقنا الحبيب، قد رموا بثقلهم لإيقاف هذا الفتنة لحدثت مأساة مؤكدة، فلله درهم.
سياسياً، انشغلت حكومة قحت بتصفية الحسابات؛ حتى طال العزل السياسي والوظيفي أستاذة الجامعات ومديري المؤسسات الأكاديمية والتعليمية والمصرفية والإدارية والقضائية، ذات الطابع المهني، التي لا علاقة لها بالسياسة! وملف السلام ظل يراوح مكانه؛ نظراً لأجندة الحركات المسلحة الخاصة، ونتيجة للمشاكسات المستمرة بين مكونات قحت، الأمر الذي يعد مؤشراً آخراً على فشل هذه الحكومة، التي تفتقر إلى الحد الأدنى من التوافق السياسي حول أي رؤية معقولة من شأنها أن تخطو بالبلاد إلى الأمام.
ومن العجب أن أياً من وزراء الحكومة الانتقالية لم يطلع المواطنين، المغلوبين على أمرهم، على خطة عمل وزارته أو كيفية التعامل مع الملفات والمهام الموكلة إليه، فأين الشفافية والمصداقية التي وعدنا بها إبان تلك “الفورة” حيث رفعت شعارات لم نر منها حتى الآن شيئاً قد ترجم على أرض الواقع.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، وعلى الرغم من أن السيد رئيس الوزراء يكاد يتولى الملف بنفسه؛ حتى ينقذ الموقف، عبر جولاته المكوكية إلى أمريكا وأوروبا والخليج والدول الإفريقية، إلا أن وزيرة الخارجية لم تفلح حتى الآن في إحداث أي اختراق في ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، بل أوشكت أن تهدر حصة السودان من مياه النيل بحضورها المتواضع دوماً.
فكرياً، أسفر أهل قحت عن وجههم الحقيقي، خلال هذه الفترة الوجيزة، إذ وفد على السودان أشخاص يرون أن الصلاة في المساجد ليست هي الصلاة التي تدعو لها الرسالة الثانية، وأن سيداو تعطي المرأة كامل حقوقها، وشرب “المريسة” جزء من تراث الأمة السودانية ونظامها الغذائي، فهل هذه هي كل اهتمامات هذا الشعب وتطلعاته؟ وبالطبع لا يحتاج أهل اليسار أن يفصحوا عن مكنون أنفسهم وعقولهم من أفكار لا يمكن أن يتقبلها الشعب السوداني! ولا نريد الحديث عن الصحة والتعليم والثقافة في هذه السانحة، فهي تحتاج لمجال أوسع.
لقد سعت قحت لحتفها بظلفها، وسيكون مصيرها كالنمل؛ إذ إنه عندما يحين أجله، ينبت له ريش مع نزول المطر، فيحاول الطيران، فيسقط وتكون تلك نهايته! لكل هذه الأسباب نقول لوزراء قحت إقرأوا علينا كتابكم، فقد تجاوزتم فترة التجربة، ولم تنجزوا أياً من المهام الموكلة إليكم. أيها الوزراء ما أنتم إلا كسعاة البريد، تحملون رسائل لا تعلمون محتواها؛ لأن هنالك من يدير الأمور من خلف الكواليس!

محمد التجاني عمر قش

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. الثورة قامت لإسقاط نظام الكيزان و الحكومة الانتقالية اصدرت قانون لحل المؤتمر الوطني وواجهاته المختلفة وللاسف الراكوبة تنشر لكتاب المؤتمر الوطني والكيزان اللذين كانا يصادران الصحف و اعتقال وتعذيب وتشريد الصحفيين وحتى كتاب وسائل التواصل لنشر الاحباط واليأس وزعزعة الثقة في قحت والحكومة والثوار ولجان المقاومة . يقدر واحد يكتب في صحيفة او اي منبر اخر ضد المؤتمر الوطني والكيزان . يجب تخصيص كل المساحات والاقلام لنشر الوعي بالثورة وضرورة التمسك بها ودعمها والصبر عليها حتى تصل الى بر الامان وتنوير وتذكير البسطاء والمغيبين من اهلنا بما قامت به الانقاذ وزبانيتها ضد الدين والوطن والشعب وفضح ممارساتهم واساليبهم في حشد البسطاء باسم الدين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..