مقالات وآراء سياسية

ومخاطر داخلية (٣)

محمد عتيق

لن نمل الإشارة إلى/الحديث عن المخاطر التي تعيق الثورة من داخل جدرانها ، إذ لا يجوز أن تكبلنا الاعتبارات السائدة “أتمنى أن نسميها البائدة قريباً” ، اعتبارات : ياخي ما في داعي ، ما تحرج الزول ، ما تزعل فلان أو علان … إلى آخر المجاملات التي تضيع الحقوق وتنقذ “المخالفين” ، الاعتبارات التي يجب أن تزول أو تبقى محصورةً في الحياة الاجتماعية الخاصة ، لن تستوي حياتنا إذا استمرت مثل هذه المجاملات في الشأن العام ولن نفلح في مجرد البدء في تأسيس حياة عامة نقية وشفافة يسودها الصدق وتظللها الأمانة الشديدة والمبدئية النزيهة ، حياة عامة تماثل الثورة الفريدة ، ثورة العصر الجارية في بلادنا ، فتجاريها سمواً وصدقاً وإيثاراً ، تشابه القيم المدهشة التي أسسها وعاشها الثوار نساءاً ورجالاً في مجتمع الاعتصام المجيد ، فالتخلص من مثل هذه الاعتبارات هو المدخل الأساسي لإعادة التاسيس المنشودة ، فإذا اتفقنا أن ثورة ديسمبر / ثورة أهل السودان الجارية ثورةً جذرية وأنها – في جانب هام من جوانبها – ثورة وعي ووعي جديد فلماذا يكون بعض عناصر القيادة المنبثقة عنها بهذا المستوى المخجل ؟ ما الذي يجعل قيادتنا ، قوى الحرية والتغيير ، تعلن موقفاً وتفعل عكسه من شاكلة : “سنبني مؤسسات انتقال من كفاءات مستقلة غير حزبية” ، وعند التنفيذ يهرول كل حزب أو جماعة بقائمة أسماء تمثله ؟ (هذا رغم عدم قناعتي الشخصية بمضمون ذلك القرار) .. يتم استبعاد شخص من موقع لأسباب تنظيمية فيتمسك به وينفذ تمسكه ولا يسأله أحد !! .. مؤسسة من مؤسسات ق ح ت تتخذ قراراً فيقوضه بعضهم ويفعل عكسه ويكون تعليقه عند استفساره انه “أصبح أمراً واقعاً” ليصبح (الأمر الواقع) بعد ذلك سياسةً وشعاراً يتجول به السيد ابراهيم الشيخ بين مؤسسات ق ح ت ، غير أن (الأمر الواقع) يستحيل في المواقع الحكومية ليخيب مسعاه نحو “ولاية الخرطوم” رغم مشقة السفر إلى جوبا !! .. أما ظاهرة السيد التوم هجو و (معافراته) فلا حديث عنها اكتفاءاً بالرأي العام حولها ..

مع التأكيد على أن ق ح ت هي قيادة البلاد ومرجعيتها في المرحلة الانتقالية ، وعلى أن حكومة الدكتور حمدوك بكل وزرائها هي حكومتنا ؛ نقدر سوء الميراث الذي تعالجه ، ونثمن انجازاتها كل التثمين متفائلين بالمستقبل ، مستقبل الثورة والبلاد ، ومع ذلك لا نرى سبباً ومعنىً في هدر الوقت والفرص بل ندين ذلك ، وأوضح مثالين في هدر وقت الثورة يمكن ذكرهما باختصار : – عدم الاهتمام بالآراء والاستشارات التي ترد في مقالات ورسائل الخبراء ، فمثلاً تقدم الخبير القانوني الاستاذ سيف الدولة حمدنا الله (وآخرون شفاهةً) بملاحظات حول الوثيقة الدستورية قبل اكتمالها وصدورها تتعلق بالأجهزة العدلية ، القضاء والنيابة العامة ، تجاهلتها ق ح ت آنذاك واليوم تدفع الثورة والبلاد كلها الثمن .. أما المثال الناصع الثاني هو الوقت الذي نهدر فيما سمي بمفاوضات السلام التي تجري خارج البلاد ، وقد يمتد هذا الوقت لأضعاف الفترة المحددة لها .. ووجه الغرابة في الهدر هنا – كما رددنا كثيراً – هو : مفاوضات بين من ومن ؟ بين أطراف ثورة واحدة ؟ ، وما هو السلام غير وضع السلاح ، الدمج في القوات المسلحة وإعادة التأهيل للمقاتلين ، تضميد جراح النازحين واللاجئين بإعادتهم إلى قراهم وحواكيرهم الأصلية وتعويضهم مادياً ؟ وذلك لعمري أسرع بكثير جداً من مفاوضات وقف العدائيات وفتح ممرات للمساعدات الإنسانية ان لم يكن في الأمر اقتسام سلطة وثروة أو مطالبات بأتعاب النضال ..

– نتفهم أن في الطبيعة الانسانية نزعة من حب الظهور أو النجومية أو الرئاسة بمعناها الواسع ، وقديماً اعتبر “الحارثي المكي” في (قوت القلوب) ، وفي معرض الحديث عن الزهد ، اعتبر حب الرئاسة أعلى وأصعب من حب المال “لأن هذا قد يبذل في طلب تلك” ، غير أن هذه النزعة تتفاوت بين البشر تفاوتاً كبيراً في الكم والكيف ..

– ونتفهم أن موروثنا في الأداء الحزبي والسياسي موروث ضعيف طابعه الأنانية ، التحزب الضيق ، حب الزعامة والنجومية ، الاستهبال السياسي ونهج “المكاوشة” ، ونتفهم أن التخلص من مثل هذا الموروث لا يكون بهذه السرعة ، ولكن علينا أن نبدأ (على الأقل) بشكل جدي ، أن نراه في الأحزاب والتجمعات (الحديثة عمراً والأصغر في متوسط أعمار عضويتها) مثل حزب المؤتمر السوداني ، حق ، التحالف الوطني ، كما رأيناه في شباب الثورة ، تظاهراً واعتصاماً ولجان مقاومة ، ونتطور أكثر وأكثر نحو التجرد التام في إعلاء مصلحة الوطن والمواطن وحب الحقيقة في الأجيال الجديدة الصاعدة جيلاً بعد جيل ..

 

محمد عتيق

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..