مقالات وآراء سياسية

ضمان العيش المُشترك ام حق تقرير المصير!

عبد العزيز التوم إبراهيم

1- سياسات الاستباحة !

الانسان المُستباح ” Homo sacer” في القانون الروماني القديم يشير الي رجل ملعون ،او منفي ،او مجرد من مواطنيته وبالتالي اصبح مُكّرسا للالهة ،ويمكن لايّ كان قتلة دون عقاب ،ولكن بمُقتضي تكريسه لا يمكن التضحية به في طقس ديني ،حياة الرجل المُستباح لا تحمل اي قيمة لدي الحاكم ،هو موجود فقط بصفته البيلوجية او في حياة عارية (Ze) ، وبالتالي ،كشيْ دون درجة الآدمية ،ينبغي إعالته بالمعني اكثر بدائية ،كما ينبغي إبعاده عن الوجود الطبيعي للانسانية في حياة سياسية (Bios). هكذا ظلت  المجموعات المُستباحة في السودان “دافور -جبال النوبة -النيل الازرق”خاضعة لأعلي درجات النفي والاستبعاد المجتمعي،إمعانا لتنفيذ سياسات ممنهجة ومرسومة سلفا من قبل مهندسي  الدولة المُساماة مجازا بالدولة السودانية ” لانها لم تقم علي اساس التعاقد الاجتماعي بين الشعوب السودانية ”  فاتخذت الدولة المجازية العنف القانوني لاسباغ مشروعية علي افعال غير انسانية، لم تاخذ من القانون الي راءده الخارجي ، تحت شرعنات ومبررات استعادة هيبة الدولة تارة وطُورا اخري محاربة التمرد ضد المجموعات المستباحة ، حيث كانت المحصلة النهائية ارتكاب ابشع الجرائم  والتي في الاساس قُصدت لتدمير كرامتهم وانسانيتهم ، ولنظام الانقاذ له القدح المُعَلي في إنفاذ هذه السياسات وتوصيلها الي أعلي مراخي الوصف اللاإنسانينحو خاتمة لصيرورة سياسات الاستباحة المُتبعة رسميا ،وخاصة الاعلان الشهير للرئيس المخلوع امام مناصريه ومشايعيه ” ان اغتصاب امرأة دارفورية من قبل جندي جعلي مفخرة لها” ؟!!!.

2 – اعادة تدوير الازمات !

إستمرار فرض قوانين الطوارئ  في دافور وجبال النوبة والنيل الازرق لتاريخ كتابة هذا المقال ،والذي يُخول سلطات مطلقة للاجهزة التنفيذية والامنية في استباحة انسان هذه المناطق عبر النهب الاقتصادي والتسلط البوليسي والاعتقال والتعذيب والتصفيات الجسدية بدون محاسبة عادلة ،والغرض الاساسي من تطبيق حالة الاستثناء في هذه المناطق هو اماكنية اجراء تصقيات جسدية بصورة واسعة ومنظمة ،ليس فقط للخصوم السياسين من الحركات الثورية التحررية  ،بل لشرائح كاملة من المواطنين تعتبرهم السلطة ،لسبب او لآخر ،غير قابلين للاندماج في النظام السياسي.  وببزوغ فجر الثورة السودانية التي انهت اطول حكم استبدادي ،كان الامل المعقود ،في ان يتم مراجعة كل دفاتر سياسات التاريخية للدولة السودانية ،واظهار نية جادة لاستعادة كرامة وانسانية هؤلاء المجموعات المستباحة في السودان عبر اتخاذ حزمة من الاجراءات والتدابير القانونية والسياسية ،لكن بدت تتجلي في الافق بعض المنهجيات ،تُوحي اعادة تدوير وتجريب ذات الطرائق التي أدت الي تازيم المُعضلة السودانية .وخاصة كيفية ادارة ملف الحرب والسلام مع المجموعات الحاملة للسلاح، بذات الطريقة التي كانت يتم تعاطيها بواسطة النظام البائد حيث التجزئة والتبعيض وتكاثر المنابر وعدم جدية التعاطي مع القضايا التاريخية المفصلية …الخ . وفي ملف العدالة الجنائية ،محاولة  خلق حالة عدالة زائفة عبر اجراء محاكمات صُورية لاشخاص متهمين بارتكابهم جرائم تقع  تحت طائلة القانون الجنائي الدولي ،ومُحاولة إصباغ صفة الحياد والنزاهة لنظام القضاء السوداني عبر منظومته القانونية الجنائية المعطونة ،وخروج بعض من منتسبي للحرس الايدولوجي القانوني القديم  بالاشادات والاطراءات للقاضي الذي اصدر الحكم في مواجهة الرئيس المخلوع الذي يُعتقد وجود حفنة من الدولارات  في مكتبه حال القبض عليه بعد سقوط نظامه ،ليس لاغتصاب الحرائر ولا جرائم الابادة في دافور وجبال النوبة والنيل الازرق ! . المهم، ان القاضي ومنظومته القانونية كانا في ورطة اخلاقية وقانونية لا مثيل لها من جراء هذا الحكم غير القابل للتنفيذ !.وهنا لا نود ان نستفيض في هذا المجال كثيرا،سوف نخصص مقالا كاملا حول خطل هذه المحاكمات وضرورة تقديم هؤلاء المجرمين للمحكمة  الجنائيةالدولية (ICC) !.

3 – ضمان العيش المشترك ام حق تقرير مصير!

ان التعريف المُتوافق عليه في الخطاب الفكري السياسي المعاصر حول مفهوم العيش المشترك ” هو إحترام الاخر والاعتراف به ،والتعامل معه كَنِد في الانسانية والمواطنة “.ويقضي هذا التعريف عدم اختزال الإنسان ببُعده الاعتقادي الإيماني وإلغاءكافة أبعاد هويته الإنسانية الوجودية المحققة، وعدم موضعته في الحياة العامة المشتركة على هذا الأساس، .ويترتب على المفهوم الديموقراطي العملاني للعيش المشترك إشراك جميع أفراد الشعب في المسؤولية والحقوق، وانعقادهم حول أهداف اقتصادية ومالية وتنموية وتربوية وثقافية وحقوقية ونقابية وسياسية، وتبنّي وسائل وسلوكيات مشتركة لتنفيذها، ما يعني بلغة أقل تجريدًا، هو الاشتراك في كل ديناميات العيش اليومي، وأشكاله، دون تمييز ومفاضلة، ولضمان تجنب عدم تكرار سياسات إبادة الشعوب السودانية علي اساس الهُويات الدينية او العرقية او الثقافية …تستدعي الضرورة السياسية الراهنة الي اعمال وخلق فلسفة عيس مشترك بتفكيك كل الروابط غير الموضوعية والقائمة علي الاكراهات التاريخية في السودان ، ولا تتحقق العيش المشترك بين ابناء الوطن  على مختلف انتماءاتهم الدينية والمذهبية والطائفية، والمناطقية، أمام القوانين، والحرص على تطبيق هذه القوانين، وعلى احترام الحريات العامة والخاصة، وعلى العدالة الاجتماعية بكل صورها، وهذه الشروط لا تتحقق في ظل الدولة الاستعمارية الموروثة في السودان “بشقيها الخارجي والداخلي”التي كانت وما زالت مجرد غنيمة لدي بعض المجموعات التي تختبي وراء الاقنعة المتوهمة من السمو العرقي والديني ، وفي تقسيم الوظائف العامة ” غنائم” عقب الثورة السودانية بين هذه المجموعات خير برهان علي ذلك،علي حساب تضحيات الانسانية النبيلة للشباب في مختلف بقاع السودان الذين كانوا يحلمون ببناء دولة المواطنة الحقة التي تُحدث قطيعة باته مع السياسات العقيمة . ولضمان نجاح الثورة السودانية التي تم تدشينها بدماء زكية من اطراف السودان لابد من اقرار مبدأ الدولة العلمانية التي تضمن عدم تكرار مثل هذه الفظاعات ،وفي وقت ذاته ،الاقرار بحق هذه الشعوب في تقرير مصائرهم حال الفشل لاقرار دولة الجميع ،وهذا بالطبع حق انساني وقانوني مصونة في الصكوك الدولية لحقوق الانسان.

 

عبد العزيز التوم ابراهيم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..