
ومع التغيرات السياسية التي شهدها السودان خلال السنة الماضية نجد أنفسنا امام تحدي التنمية المستدامة وتحقيق دولة العدالة الاجتماعية، فكثير من التقارير تشير الى ان السودان فقد رقم كبير من تعداد الثروة الحيوانية المشهور به كأعلى تعداد للماشية في المحيط الإقليمي الافريقي والعربي يقدر بحوالي 50 % من الثروة الحيوانية والى وقت قريب كان يقدر تعداد الثروة الحيوانية في السودان بحوالي 107 مليون راس من الماشية وقد يعزي المراقبون هذا التراجع التدريجي الى عدة عوامل أهمها
1/ الإهمال والتهميش المقصود في البرامج التنموية والاحصائية لقطاع الثروة الحيوانية خلال الحقبة الماضية
2/ فتح الباب لعمليات التهب وتجفيف الثروة الحيوانية باسم التصدير
3/ انفصال جنوب السودان، واندلاع حرب أهلية بإقليم دارفور
ومن هذه الأسباب وغيرها كان التقهقر المريع في قطاع الثروة الحيوانية فالتقديرات تشير الى ما يقارب ال 50% من تعداد الثروة الحيوانية فقد خلال ال 30 سنة الماضية، وكما أشرنا الى العامل الأول الإهمال المتعمد في برامج التنمية وإهمال المراعي والرعاية البيطرية .
تم اعداد كثير من الخطط والدراسات التي من شأنها تطوير الثروة الحيوانية مستهدفة توطين الرحل وتأسيس مزارعٍ نموذجية حديثة واستحداث نمط جديد في تربية المواشي بجانب إدخال التقانات وتوفير المحاجر داخل المراعي ، الا ان هذه الدراسات ظلت حبيسة ارفق المكتبات الاكاديمية او ادراج المسؤولين دون الصرف على تطوير القطاع خلال الحقبة البائدة
وبسب الإهمال في هذا القطاع الحيوي تناقص أعداد الثروة الحيوانية بسب موجات الجفاف والتصحر التي ظلت تضرب البلاد خاصة في الولايات المنتجة وذات القطيع الضخم دون ان تحرك الدولة ساكنا لمنع الجفاف والتصحر الذي اثر بصورة كبيرة على الانسان والحيوان
فالكثير من الولايات السودانية المنتجة للثروة الحيوانية شهدت تدهوراً لغطائها النباتي، وبالتالي قلت مساحات المراعي الكافية لهذه الأعداد الضخمة من قطعان فقطاع الثروة الحيوانية ومنذ عهد بعيد هو قطاع غير منظم وتقليدي، كما أن مربي الماشية، يعتمدون على طرق تقليدية في التغذية والتربية والإكثار والرعي.
وبانفصال جنوب السودان في العام 2011 فقد السودان حوالي 25% من مساحته الجغرافية وتبع هذا الانفصال تقسيم للثروة الحيوانية والمائية وفقدان جزء من المراعي الصيفية مما انعكس بصورة سلبية على المراعي التي يقوم عليها القطيع القومي
تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية الصادر في أكتوبر من العام 2013 يشير الى (الوطن العربي فقد أكثر من 41 مليون راس من الماشية جراء انقصال جنوب السودان)
وأضاف التقرير (انخفضت اعداد الثروة الحيوانية في المنطقة العربية عقب انفصال جنوب السودان فالعدد الأكبر من الأغنام والماعز والابقار يأتي من السودان) .
وتأتى ازمة الحرب الاهلية بإقليم دارفور غرب السودان والتي خلقها النظام البائد بسبب سياساته العنصرية والتهميش المتعمد لعدد من أقاليم السودان كأحد العوامل المهمة والتي لها إثر بالغ على قطاع الثروة الحيوانية فقد اثرت الحرب في هذا الإقليم بصورة كبيرة على حرفه الرعي وهي من اهم الحرف التي يمتهنها الأهالي وبالتالي انعكس ذلك بصورة كبيرة على القطاع الحيواني في الإقليم فإقليم دارفور وحدة يمتلك
23% من الإبل السودانية
30% من قطعان الابقار
29 % من الضأن
33% من الماعز
المصدر المنظمة العربية للتنمية الزراعية
وعلى حسب تقارير وزارة الثروة الحيوانية السودانية فان إقليم دارفور يساهم في الناتج القومي من الثروة الحيوانية بحوالي 60% من اجمالي انتاج السودان من الثروة الحيوانية أي بأكثر من نصف الناتج القومي من هذا القطاع.
وقد يكون العامل الثاني لتراجع اعداد الثروة الحيوانية أعلاه بفتح الباب لعمليات التهب وتجفيف الثروة الحيوانية باسم التصدير راجعاً لسياسات المنظومة البائدة والتي انتهجت خطاً اقتصادي غير مدروس العواقب كانت محصلته
1/ تراجع العائدات
2/ اهتزاز ميزان المدفوعات
3/ تراجع الإجمالي القومي وزيادة معدل التضخم
4/ نقص حاد في النقد الأجنبي
كل تلك العوامل أدت الى تدهور اقتصادي مريع وعجز في كامل مؤسسات الدولة ولتغطية هذا العجز لجاء مسؤولي المنظومة البائدة الى قطاع الثروة الحيوانية فكانت اكبر عملية تجريف للماشية السودانية اقرب لعمليات نهب ممنهج تقوم بها بعض دول الجوار بالتعاون مع شركات امنية تابعة للمنظومة السابقة مثل شركة (الاتجاهات المتعددة) (شركة المغرة للتصدير) وغيرهم، وكان تصدير الماشية السودانية الحية اشبه بحالة الهلع وبكميات كبيرة وتصدير اناث الضأن والماعز بعلم وزير الثروة الحيوانية لم يأتي تحريم تصدير اناث الماشية قانونيا من فراغ فذبح الاناث او تصديرها يمثل خطراً على القطاع الحيواني بانخفاض نسبة التكاثر التي تعتمد على التلقيح التقليدي لبلد نامي مثل السودان ليس لحفظ السلالة وانما لغياب النمط الحديث والاحصاء الدقيق لثروة السودان الحيوانية لذلك كانت هنالك شروطاً موضوعية لعملية تصدير الماشية الحية تخضع لضوابط واشتراطات تتماشي وبلد مثل السودان ومن هذه الضوابط مثلاً
1/ منع تصدير الأغنام الصغيرة التي يقل وزنها عن 30 كجم قائم
2/ منع تصدير الاناث.
واحدة من اهم المشاكل التي تواجه الحكومة الانتقالية وتحديدا وزير الثروة الحيوانية هي ان مساهمة قطاع الثروة الحيوانية في الاقتصاد القومي تكون من تصدير الماشية الحية فاذا كان اجمالي مساهمة هذا القطاع خلال الخمس سنوات الماضية بمتوسط 20% من جملة الناتج المحلي الإجمالي ومتوسط 50% من جملة الناتج الزراعي فان حوالي 95% من جملة المساهمة هذه تكون تصدير الماشية الحية والمتبقي 5% تكون من اللحوم المذبوحة والجلود و………….الخ .
ترصد وزارة الثروة الحيوانية صادرات السودان من الحيوانات الحية بما قيمته حوالي 348.5 مليون دولار سنويا كمتوسط خلال ال 4 سنوات من العام 2013 الي العام 2017 وتشمل: –
162 ألف راس من الإبل الحي بما قيمته 75.5 مليون دولار.
17 ألف راس من الابقار بما قيمته 7.2 مليون دولار.
2.7 مليون راس من الضأن بما قيمته 261 مليون دولار.
76.4 ألف راس من الماعز بقيمة 4.6 مليون دولار.
ولعل الحقية التي نحن بصددها في هذا المقال وبعد كل هذا الكم من العشوائية التي أصبحت مصاحبة لإدارة هذا القطاع الحيواني هي ان اخر إحصاء للثروة الحيوانية كان في العام 1977 أي قبل حوالي 42 عاماً وبالتالي فان الحديث عن تطوير لقطاع الثروة الحيوانية دون عمل إحصاء دقيق من بداية خطة وزارة الثروة الحيوانية يكون ضياعاً للمجهود اهداراً للمال العام.
ومن بعد ذلك يأتي نظم إدخال المزارع الحديثة التي تسهم في زيادة أعداد القطيع للحد من تحرك الماشية على مساحات بعيدة وتداخلها مع بيئات قد تكون مختلفة عن المعتادة عليها.
والتقليل من التغول على المراعي لمصلحة الزراعة التقليدية غير المنظمة والتي عادة ما تكون في مناطق غرب السودان والتي تمتلك النسبة الأكبر من الماشية فإقليم دارفور وكردفان بهم حوالي 70% من حجم الثروة الحيوانية وتأثرت تلك الاعداد كما ذكر سابقا بالحرب الاهلية في دارفور وأيضا بسبب موجات الجفاف والتصحر التي ضربت تلك المناطق وتسببت في فقدان جزء كبير من الضأن والأبقار والإبل، كما نجد واحدة من أبرز المشاكل التي تواجه هذه الثروة تتمثل في التنقل المستمر ولمسافات بعيدة تصل لحدود دولة الجنوب في البحث عن المراعي.
الامر الذي يؤدي الى صعوبة السيطرة على القطيع المتنقل، أيضا صعوبة التطعيم الدوري تقديم اللقاحات علاوة على إشكالية نقص منابع المياه اللازمة لسقيا هذه الأعداد الضخمة من الحيوانات.
إن حجم القطيع الحيواني ليس كبيراً في شرق السودان حيث إن بيئة ولايات الشرق وطبيعة مجتمعها لا تهتم بتربية المواشي بأعداد كبيرة حيث تربي قليلا من الماعز والخراف وتهتم أكثر بالإبل
اكرم ابراهيم البكري