مقالات وآراء سياسية

هكذا تقفز الموازنة بالسودان للمجهول..!

مجاهد بشير

قفزت الإيرادات التقديرية المعلنة في موازنة الحكومة الانتقالية للعام 2020 قفزة غير مسبوقة على حد تعبير السيد وزير المالية، لتبلغ 568 ترليون جنيه قديم، بعد أن كانت في آخر موازنات العهد السابق 163 ترليوناً، فأنت هنا قد هبطت عليك 405 ترليونات جنيه سوداني قديم من السماء دفعة واحدة في غمضة عين، تعادل حوالي 4.6 مليار دولار بسعر صرف السوق السوداء، و9 مليارات بسعر الصرف الحكومي.

السؤال الجوهري والمنطقي، الذي يطرحه المختصون والمهتمون، بل بعض الشباب على تويتر، من أين جاءت هذه الأموال؟.

الراجح، أن هذه القفزة التي أشار إليها وزير المالية ساعة إعلان الموازنة، دون أن يفسرها، إنما هي قفزة في التوقعات والتمنيات عند الإخوة المسؤولين الجدد، عبر عنها سابقاً السيد رئيس الوزراء، عندما طلب 8 مليارات دولار من المساعدات الخارجية، وأردفها بطلبية مليارين آخرين، ويجوز أن فيها بعضا من حزم الدعم السعودي الإماراتي السابقة البالغ جملتها 3 مليارات دولار.

لا شك عندنا، أن وضع موازنة يستند ما بين 60 إلى 70% من إيراداتها على توقعات مفرطة في التفاؤل بمساعدات ومنح وهدايا خارجية، قرار غير عقلاني ولا مهني ويتفقر للحكمة والمسؤولية والجدية.

وإذا افترضنا أن بعض الدول الإقليمية الثرية، قررت مشكورة منحنا عدة مليارات من الدولارات حتى نقف على أرجلنا، فهل يصح أن تصرف هذه المنحة الثمينة التي يندر أن يجود الزمان بمثلها، في الاستهلاك وتمويل الواردات..أم يجدر أن تصرف في بناء الذات والقدرات الإنتاجية والتصديرية..؟

إن هذه الموازنة العجيبة، خصصت 36% من المصروفات التقديرية لما يسمى الدعم السلعي، ليتمتع بعض الإخوة المواطنين بالبنزين والجاز والخبز الرخيص، وفي واقع الأمر، فإننا لا نستكثر على الناس التمتع بالحياة الدنيا ولو كان بيدنا لأعطيناهم وأنفسنا كل شيء بالمجان، لكن هذا جائز في عالم افتراضي طوباوي، أما هنا على الأرض وداخل صيرورة التاريخ القاسي، فواقع الحال ومستوى دخل الحكومة لا يتيح لها مواصلة هذا الدعم، بل لا يتيح تقديمه بهذا القدر المضمن في الموازنة الجديدة.

هذا الانفاق الحكومي الهائل بالمعايير المحلية، البالغ 641 ترليون جنيه قديم، لا يدعم الإنتاج والتصدير، ونحو ثلثه “210 ترليونات” مصروفات استهلاكية مباشرة على شكل دعم، أما الباقي فمعظمه رواتب ومصروفات تشغيلية، ما يعني ببساطة أن المشروعات الإنتاجية والتصديرية، والثورة الزراعية الحيوانية التي تحدثنا عنها مراراً، لا مكان لها في حسابات من وضع هذه الموازنة العجيبة، ما يعني أن السودان سيظل بلداً غير منتج، فقيراً، يعتمد في وجوده على المساعدات الأجنبية.

الكارثة الحقيقية، ستكون حينما تُخلف ليلى موعدها المضروب مع قيس، ولا تأتي المنح والقروض والإعانات الخارجية، التي يبدو أن هذه الموازنة تقدرها بنحو 400 ترليون جنيه تزيد أو تنقص، ولن تجد الحكومة عندها بداً من زيادة عرض النقود وطباعة العملة ، وسيرتفع عرض النقود من 659 ترليون جنيه بنهاية نوفمبر 2019، إلى أكثر من ألف ترليون جنيه بنهاية ديسمبر 2020، فيزيد الجنيه انهياراً والدولار جنوناً والأسعار اشتعالاً.

إن هذه الموازنة لم تصدر عن رؤية إصلاحية، ولا تحقق مصلحة الشعب، بل تستهدف شراء التأييد السياسي، وتغامر على نحو غير مقبول حين تربط جل الانفاق بمنح واعانات خارجية متوقعة، كما أنها تصرف الأموال بأسوأ طريقة ممكنة، تمويل الاستهلاك والواردات، والصحيح في وجهة نظرنا، أن توضع الموازنة بناء على تقديرات واقعية، وأن يوجه 30% على الأقل من الانفاق الكلي لمشروعات إنتاجية تصديرية، وتقليص المصروفات الأخرى على نحو حاد، بحيث يعاني الناس إجراءات شديدة القسوة لأعوام معدودة نصبر فيها، كما يصبر المريض على العلاج الكيماوي وأدوية الفيروسات القهقرية، لكننا في المقابل سنتقدم ببطء وثبات خطوة كل عام على طريق النهوض.

أما القفزات التي تفتقر إلى الواقعية، ويتم إنجازها في الخيال، و على الورق، فليست سوى عجز عن اجتراح الخيارات الصحيحة والارتقاء لمستوى المشكلات، والحق أنه لمن المؤسف أن تتمخض “الكفاءات الوطنية” التي يعول عليها، عن مثل هذا القدر من سوء التقدير والتدبير.

مجاهد بشير
[email protected]

 

‫2 تعليقات

  1. يا اخونا مجاهد ارضاء الجميع غاية لا تدرك … الناس بقي لا عاجبها العجب ولا الصيام في رجب .. يرفع الدعم القيامه تقوم يخلو الدعم النقد يبدا النقد بقليل من الصبر ومؤازرة الحكومه سنصل الي بر الامان تفاءلو خيرا

  2. ليتمتع بعض الإخوة المواطنين بالبنزين والجاز والخبز الرخيص

    ***********
    اولا: كنت اتمني ان تضيف شيئا من سيرتك الذاتية لكي نعرف الخلفية التي تكتب وراءها.

    ثانيا : ان اسعار الخبز والمحروقات التي تدعي انها رخيصة هي ربما بالنسبة لك ولامثالك اما بخصوص الغالبية من الشعب فهي اسعار عالية وغالية والكثيرين لا يستطيعونها في ظل مستوي دخل الفرد في السودان.

    ثالثا: ان فكرة رفع الدعم وخلافها من الاكاذيب تم تجريبها ربما في غالبية موازانات الانقاذ واحيانا تتم في العام مرتين دون اي جدوي او فائدة ولذلك لابد من دراسة التجارب السابقة ومعرفة مدي الضرر والفائدة التي تحققت ..لا ان تسير بثقافة القطيع وتنعق مع كل ناعق بغير هدي.

    رابعا: ان اغلب الميزانيات تلتهمها الدولة فهي المستهلك الاكبر ودون اي فائدة من جيوش جرارة من العطالي والمستشارين والوزراء الفاشلين فيما عدا تكديس ثرواتهم الخاصة علي ظهر المواطن المغلوب علي امره.

    خامسا: ان واحدة من الادوار الرئيسية للدولة هي تثبيت سعر الصرف حتي يمكن بعدها النظر الي اكذوبة الدعم وخلافه ..فاذا ارتفع سعر الدولار خلال عام واحد من 16ح الي 90 ج فمن الذي يتحمل مسئولية هذه الكارثة.

    سادسا : ان هذه الحكومة غير منتخبة وان فشلت في الاداء فعليها الرحيل وتقديم الاستقالات دون ان تتباكي علي عجزها وفشلها.

    اخيرا : تم تاجيل رفع الدعم المزعوم ليس من اجل خاطر عيون المواطن ولكنها خوفا علي الكراسي الوثيرة التي جلست عليها الحكومة الانتقالية حيث انه بمجرد رفع الدعم سيتدخل العسكر في المشهد اولا (سيناريو فض الاعتصام) والكيزان ثانيا وكل ذلك من خلال الشعب المغلوب علي امره.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..