مقالات سياسية

الخروج على الحاكم والشباب بحسب القرآن الكريم

صلاح فيصل

دائما ما يعن لى تسمية المنهج السلفى بالدين الموازى,الدين واحد أصلا و ما تفرق الناس إلا تبعا لاهواءهم و إتباع سادتهم و كبراءهم و رفض التغيير,الرسالة المحمدية الخاتمة تميزت بكتاب ذى نص ثابت كما وعد الله سبحانه و أنفذ وعده,الميزة الاخرى أن بين دفتى المصحف ديناميكية لا تخطئها عين القارئ ذى اللب إلا أن المنهج السلفى متحجر فى العصور الاولى للإسلام وقد ساعد على هذا التحجر توقف حركة التجديد الدينى نتيجة للتقديس الزائد عن الحد للمرويات حتى و إن خالفت القرآن الكريم فى بعض ماذهبت إليه ومن يخالف المرويات من السهل إتهامه من قبل المتطرفين بإنكار السنة أو تهمة أخرى هى جميلة و لكنهم يجعلونها بشعة(أنت قرآنى) وقد تضطر للدفاع عن نفسك بالقول (أنا لا لست قرآنيا) و يا للعجب.

ما يهمنا فى هذا السياق هو الاحاديث الواردة فى عدم جواز و حرمة الخروج على الحاكم بل و ذهبت بعض المرويات للقول بوجوب طاعة الحاكم حتى و إن أخذ مالك و جلد ظهرك و هذا أمر عجيب فهل فى القرآن نص يمكن اللجوء إليه لحل هذا الإشكال؟ علما بأن السلفيين أنفسهم مختلفين فى فى هذه المسألة حسب جماعاتهم,فمثلا ذكر الشيخ أحمد المصطفى المشهور بجملة(تبا للكوز حيثما حل) فى مقال قبل يومين بأنه لا يؤيد أنصار السنة فى هذه المسألة.

القرآن فرق بين نوعين من الحكام أحدهما مثل ملكة سبأ التى كان لها مستشارين يشيرون عليها برأى جماعى و عليها عبء إتخاذ القرار النهائى, و الانموذج الثانى كان فرعون المستبد الطاغية الذى يقول ما أريكم إلا ما ارى و يرتكز حكمه على قهر الشعب بشتى أنواع الوسائل الدينية و السياسية و الحيل و قد تدخلت العناية الالهية لتدمير ملكه لانه بالاضافة لذلك إدعى الالوهية و الربوبية و كذلك لانقاذ عباد الله بنى إسرائيل.

فى القرآن نص صريح وواضح ينص على مقاومة البغى و نرجو أن نميز فى هذا السياق الفرق بين البغي والطغيان والظلم والعُتُوِّ والعدوان :

لا تقدم المعاجم اللغوية فروقاً دلالية واضحة بين هذه الألفاظ، فهي إذ تفسرها كلها ب “مجاوزة الحَدِّ أو القدر”، لكنها في القرآن الكريم تتضمن فروقاً دلالية دقيقة.

فالبَغْي فى اللغة: الفساد والشِّدَّة، يقال: بَغَى الجُرحُ إذا فَسَدَ، وبَغَى المطر إذا اشتدَّ. ثم أطلق البَغْي على التعدِّى ومجاوزة الحدِّ بغير حق، وقصد الفساد. وقد ورد البغي ومشتقاته في آيات كثيرة ومن ذلك :

(بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ) البقرة/90.

(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) الأعراف/33.

والطغيان فى اللغة: مجاوزة الحدِّ فى كل شيء، يقال: طغى الماء وطغَى السيل إذا جاء بماء كثير، وطغى البحر: هاجت أمواجه، وطغى الإنسان طغيانًا: جاوز القدر فى الكِبْر والمعصية والكفر، وفيه إفراط ومبالغة فى الشرِّ والكِبْر.

ومما ورد فيه من آيات، قوله تعالى : ( إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) الحاقة / 11، وقوله : (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) طه/ 24 .

والظلم فى اللغة: وضع الشيء فى غير موضعه، ويقال: لزموا الطريق فلم يظلموا، أي لم يحيدوا عنه. ومنه أُخذ معنى الظلم وهو الميل عن القَصْد.

كثر ورود الظلم فى القرآن الكريم وتعددت معانيه بحسب السياقات، ومنه ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، كما فى الآية (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) لقمان/13، وقوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) هود/18.

ومن الظلم ظلم الإنسان للإنسان، وسائر الناس ممن تغريه السلطة كبرت أم صغرت، فيستخدمها لظلم من هم تحت سلطته، ومن هذا قوله تعالى : (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/42.

والعُتُوُّ في اللغة: التكبُّر والتجبُّر والعصيان، وهو في القرآن ؛ المبالغة فى الكِبْر أو الفساد ولكنه لا يبلغ مبلغ البغي والطغيان. (فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) الأعراف/ 77.

(أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَلْ لَجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ) الملك/21.

والعدوان فى اللغة: تجاوز ما ينبغى أن يُقْتَصَرَ عليه، وهو الظلم الصُّراح، تكرَّر ذكر العدوان ومشتقاته فى القرآن الكريم كثيرًا، ومن ذلك: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المجادلة/ 9. (ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) البقرة/85.

الآيات التى تنص على مقاومة البغى للمفارقة هى فى سورة الشورى و هى دلالة عظيمة على قيمة الشورى فى المجتمعات الإنسانية:

فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) ((وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ )).

الآية الاخيرة واااضحة فى مقاومة البغى و لا عزاء للمتفلسفين من السلفيين.

من الممكن أن يكون الباغى مؤمنا كما فى الآيتين التاليتين:

وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (27)الشورى

كما بسط للحركة الإسلامية فى السودان 30 عاما فى السودان.

وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)الحجرات.

السؤال الاخير هنا من يحمل لواء التغيير عادة حسب السنن الاجتماعية و التأريخية كما يوضح القرآن الكريم؟

هم الشباب و قد وردت إشارة غير مباشرة لذلك فى قصة بنى إسرائيل عندما طلب منهم موسى عليه السلام دخول الارض المقدسة التى كتب الله لهم فخافوا و رفضوا و قد أخبر الله سبحانه نبيهم بأن تلك الارض محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون فى الارض, كانت الحكمة من ذلك أن الذين رفضوا كانوا قد تربوا تحت نير قهر و عبودية فرعون الطاغية و الأربعين سنة كانت كافية ليتوفى هؤلاء و ينشأ من بعدهم أجيال جديدة لم تألف عبودية و تربت فى البرية و عانت شظف العيش تستطيع هزيمة الجبارين الذين كانوا فى الارض الموعودة لذلك المجتمع,كذلك هم شبابنا البواسل الذين لم يخشوا الموت و إرهاق الشهور المتعددة ولا الفصل من الخدمة و لا قوة نظام الطاغية المتغطى بكتائب القوات النظامية و كتائب الظل و عليهم ينعقد الأمل فى إصلاح الوطن العزيز,القرآن الكريم ليس كتاب تشريع و لكنه كتاب هداية و إرشاد لمن ألقى السمع و هو شهيد و تدبر من غير تجبر.

صلاح فيصل
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..