حوادث حريق المستندات عقب سقوط النظام .. هل تمت للتخلص من أدلة دامغة؟…

سعاد الخضر
قبل سقوط النظام وبالتزامن مع زيادة حدة الاحتجاجات بالخرطوم تفاجأ السودانيون في الرابع والعشرين من مارس العام الماضي بنشوب حريق هائل بالقصر الجمهوري في مكتب مدير الايرادات بالرئاسة احمد الفششوية وشكك مراقبون في أسباب الحريق بسبب أجواء التوتر التي كانت تسيطر على البلاد وبالمقابل أكدت الحكومة أن الحريق “ كان محدوداً“ وعزته الى تماس كهربائي.
شكوك ومخاوف:
وزادت الشكوك بسبب أن البيت الداخلي للنظام نفسه كان مشحوناً بالتوتر حول خلافات وصراعات داخلية في الحكومة وإمكانية وجود مستندات سرية قد تحمل معلومات تسعى جهاتداخلها للقضاء عليها. .
وكان الأمين العام لرئاسة الجمهورية محمد محمد صالح في تصريح صحفي قال إن الحريق شب في عدد محدود من المكاتب في الطابق الثاني للقصر نتيجة تماس كهربائي“ مؤكداً سيطرة قوات الدفاع المدني من السيطرة على الحريق.
وفي مايو من العام ۲۰۱۸ تعرضت مباني المسجل التجاري للحريق وعلى الرغم من تصريحات مدير المركز القومي للمعلومات محمد عبد الرحيم والتي قال فيها إن كل ملفات الشركات وأسماء الأعمال محوسبة ومؤرشفة بالكامل ومحفوظة في أكثر من موقع وبكفاءة عالية بعد حريق طال مباني المسجل التجاري.
والتهم الحريق إرشيف تسجيل الشركات المدون على الورق، ما اعتبره البعض أمراً مقصوداً لطمس سجلات شركات تحوم حول أصحابها شبهات فساد.
وأوضح يس، أن المركز يضع كل الاحتياطات في الاعتبار حيث يتم تأمين ووضع احتياطات للحفاظ على كل المستندات.
حرائق الولايات:
ولم تنجُ الولايات من شبح الحرائق فقد قضى حريق شب على مكاتب محلية القضارف، إثر التماس كهربائي انتقلت بسببه النيران إلى المخازن والمكاتب والتهمت ألسنة النيران الأثاثات المكتبية والأوراق الحكومية وسيارات ومواتر إطارات ومقتنيات داخل المخازن، وبحسب شهود عيان فقد غطت سحب كثيفة من الدخان سماء المنطقة، وسادت حالة من الهلع والخوف وسط الموظفين هرعوا على إثرها إلى خارج المكاتب أثناء ساعات العمل، واستطاعت قوات الدفاع المدني السيطرة على الحريق، ويعد الحريق الثالث من نوعه لمؤسسة حكومية في القضارف خلال الشهرين الماضيين فيما يعتبر الثاني خلال ( ۷۲ ) ساعة حيث كان حريق مماثل قد شب في مخازن الثروة الحيوانية.
استمرار الحرائق:
وعلى الرغم من أن الحرائق بدأت تزداد وتيرتها داخل مؤسسات الدولة قبل سقوط النظام الا أنها استمرت بالمركز والولايات، ففي شهر يونيو الماضي وعقب مرور أكثر من ثلاثة أشهر على سقوط النظام كشف موظفون بوزارة المالية بولاية الخرطوم عن عمليات تجميع تمت لعدد هائل من الملفات في بولاية الخرطوم وقدرت بالمئات، تمهيداً للتخلص منها حرقاً بحجة مرور ( ٥ سنوات وهي المدة التي يتم فيها التخلص من المستندات تحوي عمليات عهد البشير وبعضها لم يكمل المدة القانونية المذكورة، وأوضح الموظفون أن أغلب هذه الملفات تتبع لإدارة الحسابات والتعاقد منذ عهد الوالي عبد الرحمن الخضر، وذكرت مصادر أن الحريق الذي تم شمل مستندات منذ العام ۲۰۱٦ م وما يليه وبعضها اشتمل تعاقدات خاصة بمشاريع التنمية بالولاية تلف ملفات الشركات:
وكانت مصادر قانونية قد كشفت عن تعقيدات تواجه النيابات والمحاكم فيما يختص بملاحقة الشركات التابعة للنظام البائد وعدم حسم ملفات الفساد فيها، وأرجعت تأخير الإجراءات القانونية لما أسمته بتشتت البيانات والأدلة في النيابات بجانب فقدان كثير من المعلومات عن تلك الشركات بسبب الحريق الذي طال مقر المسجل التجاري عقب اعلان الرئيس المخلوع عزمه محاربة القطط السمان.
وقالت ذات المصادر إن ما يقارب ٥۷ ألف ملف خاص بالشركات وأسماء الأعمال والتوكيلات التجارية تعرضت لتلف منها ۳۰ ألف جزئي و ۱٥ ألف لتلف كامل جراء ذلك الحريق، بجانب أن ما تبقى من تلك الملفات لم يتم ترحيلها عبر شركات متخصصة في نقل المستندات وحفظها بالمقر الجديد للمسجل التجاري بالعمارات، وأردفت المصادر: تم رمي تلك المستندات بمسجد تابع لذلك المبنى، بالإضافة إلى ملفات أخرى تم حصرها في طابق أرضي بوزارة العدل، وأكدت المصادر أن الأوضاع الحالية التي يعاني منها المسجل التجاري بمثابة حائط صد يحول دون احراز تقدم في قضايا فساد شركات النظام البائد.
وقال موظف فضل حجب اسمه بوزارة المالية ل(الجريدة):
إحراق المستندات يتم كل خمس سنوات، وعندما حدثت الثورة وعقب استلام المجلس العسكري للسلطة هناك ملفات حديثة تم ضمها للملفات المفروض أن يتم حرقها، وبعد ذلك تم وضعها في مكاتب الشراء والتعاقد، وتم حرق تلك المستندات بعد نهاية الدوام، ولكن تمت السيطرة على ذلك الحريق وإيقافه بواسطة قوات من الدعم السريع، ولم يتم تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة المستندات التي تم فقدانها) وكشف عن تعرض الموظفات لتفتيش حقائبهن في تلك الفترة خشية تسرب المستندات الى خارج الوزارة.
مخاطر النظام الإلكتروني:
وأكد المحلل السياسي أمية يوسف إن الانتقال من النظام الورقي الى الكتروني يتميز بعدد من المميزات أهمها أنه سريع في التفتيش واستدرك قائلاً: في حديثه للجريدة لكن المشكلة أن المستندات سريعة الفقدان لتعرض الأجهزة للفيروسات مما يتسدعي حفظ المستندات في أماكن أخرى، وأوضح أن المستندات الورقية يتمثل خطرها الأساسي في تعرض المستندات للحريق، لكن بالمقابل النظام الإلكتروني يمكن أن يتعرض لأي هكر فمن خلال أي إيميل يمكن تحويل معلومات الدولة كما حدث في وثائق ويكلكس والتي كشفت فيها مراقبة أمريكا للدول وأرشيف مخاطباتها السرية مع الدول الأخرى، ونوه الى حدوث سوابق في دول أخرى تم فيها التخلص من المستندات والأشخاص كما حدث في مصر وليبيا حيث تم التخلص من عدد من القيادات التي تحتفظ بأسرار ووثائق ضد دولها عبر اغتيالهم في دول أوربية، وانتقد يوسف عدم إجراء حكومة الثورة أي تحقيق في الحرائق التي وقعت بعد سقوط النظام وأردف: لم يتم إجراء تحقيقات لمعرفة مصدر الجهات التي وقفت خلف تلك الحرائق ورأى أن ذلك يعني أن هنالك نافذين ما زالوا يتحكمون في إدارة الدولة وطالب بفتح تلك الملفات للكشف عن المتورطين، وما هو محتوى تلك المستندات واعتبر أن عدم تشكيل لجان تحقيق يرسم علامة استفهام؟
السيطرة على إرشيف الخدمة:
واشتكى مصدر بتجمع المهنيين بالتخطيط العمراني من استمرار أذرع الدولة العميقة في السيطرة على مستندات الدولة وقال: تم ضبط متعاونين أخذوا المستندات الأصلية لتصاديق وشهادات بحث بأسماء لأشخاص خارج البلاد وتم سحب كل المستندات من الأرشيف، ودلل على ذلك بأن أذرع النظام قامت باستخراج شهادات بحث وسحب الأوراق الأصلية تمت إبادتها وكشف عن فتح بلاغات ضد مجهولين بفقد مستندات للحيلولة دون اتهامهم، وأكد أن أرشيف الأراضي مغلق.
الجريدة