مقالات وآراء

هل أخطأ الحزب الشيوعي ؟!

يعالج بعض من الناس مسألة إعادة النظر في قرار المشاركة في المجلس التشريعي بمنطق رياضي بحت لا يليق تطبيقه في المجالات الاجتماعية بذات الكيفية والنمطية في حل معادلات الدرجة الثانية من شاكلة إما ” القوس الاول يساوى صفرا اذا فقيمة س = كذا او القوس الثاني يساوى كذا اذا فقيمة س = كذا).
ولقد تجلى خطأ التطبيق الرياضي المجرد في مسائل السياسة وعلم الاجتماع عندما استخدمه الباشمهندس خالد سلك ضد منازله الاستاذ خالد بخيت في المناظره الشهيرة فجادل خالد بإن خيار اسقاط النظام يساوى صفرا حيث فشلت الاحزاب حتى تلك اللحظة في استنهاض الشعب السوداني لثورته, فدعى لقبول خيار المشاركة طالما ان احتمال التغيير من خلالها اكبر من ذاك الصفر ولو بمقدار يسير جدا ( 0,1). كلنا راينا كيف نفض الشعب السوداني عن نفسه الرماد وطار وحلق عاليا يعجب كل العالمين اذ نظروا اليه وهو يتبختر في سماوات علا بالوانه الباهية الزهية وسحناته المختلفة في تآلف فخيم فاحال ذلك الصفر الي رقم كبير جدا يصعب كسره في مقبل الايام.

يعالج البعض قرار المشاركة بذات المنطق ويفترض بالضرورة أن احد القرارين السابقين للحزب الشيوعي كان خطاء, ويطالب الحزب بان يقر صراحة بذاك الخطأ, وكثيرون اذ يفعلون ذلك إذ ساءهم أن الايام دائما تنصف الحزب في صحة تحيلاته ووقوفه المواقف التاريخية المشرفة خاصة حيال مواقفه الصارمة ضد كل مشاريع الهبوط الناعم قبيل وبعد اسقاط النظام, فيودون لو يرونه مرة أن يكون في موقف الزلل, رغم ان المنطق الرياضي نفسه يقول انه من المستحيل حل المسألة اذا كان عدد المجاهيل اكبر من عدد المعادلات وهذا هو الحال في المسائل الاجتماعية حيث دائما المتغييرات والعوامل كثيرة جدا, لذلك فالقرار دائما خاضع للنقاش والتدوال والمجادلة وإعادة النظر والعصف الذهني استنادا على الواقع الذي هو نفسه متغير.

لقد فاز خيار عدم المشاركة في القرار الاول بفارق صوت واحد داخل اللجنة المركزية, او كما تسرب, ما يعكس ان حظوظ القرارين كانت متقاربة جدا وأن كل فريق كان له من الحجج والدفوعات ما يثقل الميزان, ولعمري إن دل ذلك على شئ إنما يدل على حسن الممارسة الديمقراطية داخل هذا الحزب وحسن الادارة الجماعية والأهم على المرونة في تقديم خيار على آخر متى ما رأت الاغلبية ذلك وليس الاصرار والتصلب والتحجر على رأى أوحد وإن كان هذا الراي نفسه قد صدر ايضا وفق ممارسة ديمقراطية سليمة.
لا يتؤاني الحزب الشيوعي ابدا عن الاقرار باخطائه اذا ثبت له ذلك, ولا يدعي ابدا امتلاك الحقيقة, بل إن كل مخزونه الادبي فيه ذلك التواضع الجم امام الجماهير وموضعة نفسه تلميذا في مدرسة الشعب, منه واليه يستلهم العبر والدروس واصفا اياا بالمعلم, وهل وصف الشعب السوداني بالمعلم إلا وصف الحزب الشيوعي له ؟!.. وانت المعلم والكتاب ! فهل أخطا الحزب الشيوعي باتخاذ قرار عدم المشاركة حتى يستوجبه الاعتذار ؟!

أنا شخصيا ليس سعيدا بالقرار الاخير, قرار المشاركة, ولكني في ذات الآن ليس حزينا به, فقد كنت ارى ان يسير الحزب في ذات الدرب الذي اختطه بعدم المشاركة, وأرى أن القرار الاول كان صحيحا تماما وان الحزب تبدل عن رائ اثبتت الايام صحته ولكن قطع عليه قرار المشاركة دون ان يبني عليه ويستثمر فيه, وسر عدم حزني بتبدل الرائ هو أن القرار الاول استنفذ معظم اغراضه بنجاح, فقد أبان ذلك الموقف بجلاء واضح براءة الحزب الشيوعي من تلك الوثيقة وما حوته من مخازئ وعيوب في حق الثورة والشهداء, واتاح له موقفه المعارض لها أن يفندها بندا بندا دون أن يثقله بها اي إلتزام ومسؤولية, واتاح له موقفه ان يكشف للشعب السوداني حجم المؤامرة والتآمر الذي يتم وشرح وتفصل ان الطريق الذي تسير فيه البلاد ليس هو إمتدادا لطريق الثورة وان هناك انحراف يلزمه العمل الثوري المستمر لتصحيحه, وكان موقف الحزب الشيوعي جرس تنيه للشعب السوداني ولجان مقاومته لليقظة والحذر والانتباه التام, فهل كان بالامكان انجاز كل ذلك بذات الكفاءة اذا تماهى الحزب مع بقية مكونات قحت وقبل ما قبلت به أم ان موقفه ذلك أوضح بجلاء صريح وجود خطان رئيسان ووجهتان مختلفتان داخل قحت ؟!

أثبتت التجرية والايام وبما لا يدع مجالا للشك أن موقف الحزب الشيوعي من الوثيقة والاتفاق السياسي والعسكر بل ومن حلفاء المساومة كانت صحيحة تماما وكل تحذيراته وتوقعاته طابقت الواقع الذي نحن فيه الآن وبدأ عامة الشعب يزذاد قناعة باننا في حاجة لثورة شعبية تصحيحية جذرية أو على الاقل لعمل دؤوب ثبور لاستعدال الحال المائل. القرار السابق مكن الحزب الشيوعي كعادته ان يكون في قلب ذاك الحراك وعمقت ثقة الشعب فيه ثقة على ثقة بانه حزب لا يساوم في مكتسباتها ويسعى بأن يزيد عليها كمان وكمان , وهل في ذلك شك ؟! بل لقد كان في ذلك اتساق اكثر مع مشروع اسقاط النظام الرافض لكل تسوية في سبيل تحقيق الدولة المدنية الديمقراطية, الذي كان يتبناه وقائدا له.

الايام ايضا ابانت تكتيكات الثورة المضادة وهي قوى متعددة المشارب يجمعها على الاقل الان اجهاض الفترة الانتقالية عن طريق اجهاض حكومة الفترة الانتقالية مستخدمة في ذلك كل السبل ابتداء من ترويع الناس بالقتل وبث الاشاعات وليس انتهاء بالاحتفاظ ببعض جيوب النظام السابق المنتقاة بعناية لتبقى نواة تتشكل منه لاحقا قواهم للانقضاض على الثورة خدمة لمصالح ومشاريع مختلفة ليس من بينها تمليك السودانيين إرادتهم وسيادتهم الكاملة, إلا أن الجماهير اثبتت انها قدر المسئولية التاريخية وكلما يوم تفاجئ الجميع بيقظتها واهتمامها الشديد بمخرجات هذه الثورة ومآلاتها , ولعل تلك اليقظة وذاك المد الجماهيري المتقدم هو ما دفع الحزب الشيوعي لتغيير موقفه ليساهم في تنظيم صفوفها ويزودها بادواته كحزب رائد متمرس له ادبياته وبرامجه الثورية , وأظنه وبعد ان تحسس صلابة الشارع رأى ان المجلس التشريعي الآن يمكن ان يلعب دورا فعالا في تغيير موازين القوة طالما كان مسنودا بالشارع, ولعل في ذلك اتساق مع شعارات المؤتمرات القاعدية التي تجري الآن والتي تتلاقى في مضامينها ” نحو استكمال مهام الثورة “, إن إعلان الحزب الشيوعي المشاركة انما يعني مساهمته في الدفع بتكوينه دون تلكؤ وتسويف, وفي ذلك تثبيت لدعائم الفترة الانتقالية وترياق لدعاوى الانتخابات المبكرة, ومن خلاله يمكن اسقاط كل القرارت المتناقضة مع روح الثورة, مثال الميزانية, ويسهم في مزيدا من تفكيك بنية النظام وخاصة الاقتصادية منها. واعتقد ان خلاصة المؤتمر السادس المتمثل في اسقاط النظام وتفكيكه وتصفيته ومحاسبة رموزه لا يسير في شكل تسلسلي, واحدة تتبعها الاخرى, بل انها تسير بقدرما هنا وهناك, فالاسقاط تم ولكن ليس كاملا والتفكيك جاري العمل فيه اما المحاسبة والتصفية فبهما بط نوعا ما, ربما لذك قال خطاب اللجنة المركزية انهم استندوا على المؤتمر السادس, فالمقصود غالبا استكمال تلك المهم.

عليه فانا لا ارى اي غضاضة في كلا القرارين وان كنت اميل الي الاول لو استثمر فيه لثورة ثانية تجتز تماما مشروع الهبوط الناعم من طريق سيادة ورفاهية الشعب السودانية بالضرورة, ولكن في كل خير طالما هي قرارت أساسها الجماعية, وربما القراران صحيحان كل حسب معطياته وزمانه وليس بالضرورة أن احدهما خاطئ, فالتغيير الذي تشهده البلاد مضطرد وسريع الوتيرة.

لقد نجح الحزب الشيوعي السوداني نجاحا باهرا ليس فقط في قيام المؤتمر السادس وكلنا يعلم الحيثيات التي قام فيها المؤتمر حيث كانت وحدة الحزب نفسها أمام خطر ساحق ولكن في إنزال جوهر وشعار المؤتمر واقعا نعيشه اليوم ألا وهو اسقاط النظام تحت شعار حرية سلام وعدالة, وتلك لعمري نقطة مفصلية جدا في تاريخ الوطن والحزب, وما عدا ذلك فهو تكتيك فيه شئيا من رفاهية ان نختلف.
مختار محمد مختار
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..