
تحديات عديدة تواجه مكونات قوي الحرية والتغيير ،وتتصاعد حدة الخلافات يوما بعد يوم، وتتزايد معها نقاط الخلاف ، إلا أن تلك الخلافات الأخيرة باتت خطيرة للغاية لأسباب عديدة،لكن التحدي الرئيسي يتمثل في كيفية الحفاظ على وحدة صفها، ولا ينحصر تأثير التجاذبات بين مكونات الثورة حول المجلس التشريعي وولاة الولايات فقط، وإنما تعداه الي قضايا أخري تكشف عن خطر مستقبل تحالف قوي الثورة ،كما يعكس خطر تعاظم التباينات الداخلية أيضا إشكالية عميقة حول إستقرار الفترة الانتقالية في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد، فضلا عن تربص القوي المضادة للثورة التي تفاقم من حجم التباينات وزعزعة وحدة قوي الحرية والتغيير، وتفتيت الثورة وإجهاضها عبر إثارة الخلافات والتباينات والانقسامات فيما بين مكوناتها،صحيح ان مكونات الحرية والتغيير ترتكز علي ايدلوجيات مختلفة وهذا طبيعي ان تكون هناك تباينات لكن الأمر المثير للانتباه هو أن تظهر هذه الخلافات والتباينات قبل أن تطوي الثورة عامها الاول وقبل تحقيق أي من أهدافها المعلنة في إعلانها،نعلم ان القوى المضادة للثورة بذلت جهود كبيرة لتفتيت قوي الحرية والتغيير من الداخل عبر إثارة الخلافات فيما بينها، وتضخيم أخطاء كل طرف، وترديد وبث المقولات والدعايات المثيرة للعداء، بين المكونات، ومحاولات إختراقها بالاضافة الي تشكيل تكتلات بلافتات مختلفة محسوبة على الدولة العميقة.
هدف رئيسي:
أما لجان المقاومة فقد كان نصيبها أكبر من محاولات الاستمالة، والاستقطاب من الدولة العميقة، ومن بعض الاحزاب ، شكلت لجان المقاومة هدف رئيسي للقوى المضادة للثورة لإفراغ الساحات منهم بوسائل الترغيب والترهيب، والدعاية والحرب النفسية، والعمل على توسيع فجوة عدم الثقة بينهم وبين قوى الثورة الأخرى كالأحزاب، وكان الغرض من التركيز على شباب الثورة، لتجريد الثورة من الورقة الشعبية، ومن جانب آخر أثرت الخلافات بين مكونات الحرية والتغيير والجبهة الثورية ،حيث خرج ذلك الخلاف المكتوم الي ساحات الاعلام ومنصاته ، وتسببت الخلافات على مستوى التعاون والقبول لبعضهما،وأسفر كل ذلك عن انقسامات واضحة بينهما، الشاهد لها محادثات السلام ، فأصبحت هناك مسارات جغرافية لعملية السلام التي تفتقد للرؤية الاستراتيجية وتفتقد ايضا لمعالجة تداعيات قضية السلام و الاوضاع الاقتصادية والعسلام والعدالة الاجتماعية والسلام والعدالة الانتقالية، ونتوقع تفاقم التباينات التي تغذيها أكثر من منصة إعلامية، ولا يخلو الأمر من مخاشنات لفظية وتصريحات اعلامية، ونرى أن استمرار الثورة مرتبط في جزء كبير منه بجعل العلاقة بين مكونات الحرية والتغيير فاعلة، ويعتبر الخلاف حول المجلس التشريعي وولاة الولايات خلاف أعمق بينهما وهو الامر الذي قاد لارجاء اعلانهما ،ونري ان المعركة ليست في المحاصصاة، وانما في استقرار الفترة الانتقالية والعبور بها بأمان ، بعض الأحزاب كانت لسبب في تأخير الثورة لاعتماد بعضها للحلول التوافقية التي لم تحقق شيئا، وهذا ما أربك قوي الثورة ،وسحبها إلى مربع التفاوض وجعل الجميع في انتظار ما ستسفر عنه الحلول التوافقية، ونري ان مبادرة بعض الشباب الذي نظموا موكب طبول السلام دون تنسيق مع بعض مكونات الحرية والتغيير ، إلا محاولة للبحث عن بدائل للتصعيد الثوري، واستفزازها، ودفعها إلى اتخاذ خطوات عملية في هذا الجانب.
صراع المحاور:
الامر الاخر والمقلق هو وجود خطوط مفتوحة بين بعض مكونات الحرية والتغيير تتعلق بمواقف الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية المؤثرة تجاه الشأن السوداني، وتابعنا حراك لوفود زارت الامارات والسعودية ،وأوربا ،والقاهرة بدعوى البحث في شؤون معارضة النظام المدحور ،ومحاولات توحيدها، فكانت هناك مؤتمرات،وإجتماعات ،وتبلورت هذه المؤتمرات واللقاءات بحسب العواصم التي احتضنتها، وفي مفاوضات السلام بجوبا ظهرت مسارات الوسط الذي خلق حالة كبيرة من عدم الرضا ينتظر ان تفجر صراع كبير خلال الفترة القادمة وكذلك مسار الشمال ،ومسار الشرق الذي انفجرت فيه الاوضاع بشكل كبير ،وقاطعت مكونات عديدة مؤتمر الشرق،ونري ان المواقف الدولية ستبقي عرضة للتبدل والتغيير في الاتجاهين، مادام التوافق الدولي مقسما بين توزيع النفوذ وإشباع المصالح المتناقضة، بعد أن بات السودان ساحة اختبار لصراع الإرادات لهذه الدول على حساب دماء السودانيين الغالية، ومن جهتنا نري ان تاخير اعلان ولاة الولايات والمجلس التشريعي خطوة خاطئة ومضيعة للوقت، وأن جميع القوى التي تراهن على الضغط الخارجي في مأزق حقيقي، فالمستجدات الداخلية الأخيرة المتمثلة في الصراع الاهلي الدامي في بورتسودان والجنينة والمسيرة الهزيلة لكوادر النظام البائد في الرطوم ، ومدني والانفلاتات الامنية هي مؤشرات كبيرة تؤكد خطاء تاخير اعلان الولاة الذين لديهم قدرات سياسية لادارة دولة منهارة في كل شي ،وتسعي الثورة لبناء السودان الجديد علي انقاض ماورثته من خراب واسع خاصة تمدد الصراعات القبلية والعنصرية ،ونري ان عودة كوادر النظام المدحور للتظاهر ،وعودتهم إلى المشهد، التي جعلتهم يشعروا بأنهم في وضع أكثر قوة من السابق، لذلك نري ان المشكلة التي تواجه الثورة اليوم ليست في كيفية إدارة الدولة ،وملئ فراغ السلطة، فقط ،وإنما في كيفية المضي بالثورة، عبر توحيد ورص مكونات الثورة التي فجرها الشباب بشكل بديع ،وفي استعدادهم للتضحية،ورفعت الثورة الظافرة شعارات مشروعة ونبيلة( حرية -سلام -عدالة )، وعجزت قوى المعارضة التقليدية بحكم بنيتها الحزبية المغلقة المتكيفة مع الاستبداد المديد عن الانخراط الموحد والفاعل في النشاط الثوري ، واكتفت باللحاق بركب الثورة عند بعضها، أو العمل على إعاقته عند بعضها الآخر، كما يلاحظ ان بعض القيادات تصدروا المشهد إرباكًا وتعطيلًا،ومن سوء حظ الثورة أن الانقسام الداخلي الذي أضر بها، لم يكن انقسام سياسي بحت كالذي شهدته ثورات أخرى، بل خالطته أو دفعت إليه تحالفت مع أجندات ومشاريع الدول المتدخلة، وحاولت خلط الأمور، وإرباك تمثيلها السياسي.
خطر الانتخابات المبكرة:
نقلت الانباء مطالبة رئيس حزب الامة القومي الامام الصادق المهدي بمنح حزبه أغلبية في تعيين الولاة ، وقال المهدي خلال مخاطبته جماهير حزبه بحاضرة ولاية سنار سنجة في حال حدوث ( اي كاني ماني) بشأن الولاة سندعو لانتخابات لحسم اختيار الولاة، على حد تعبيره، وشدد على ضرورة اختيار ولاة الولايات وفقاً للثقل الجماهيري،وعلي مواقع التواصل الاجتماعي أثار حديث المهدي عدم رضا لدي البعض،ومن قبل دعا البعض لانتخابات مبكرة ،والقراءة الهادئة لتلك الدعوة للانتخابات المبكرة ،نري انها قد تعطُل الجهود الرامية لبناء فترة إنتقالية بالسودان تستفيد من تجارب الانتقال السابقة والفاشلة،ونري ايضا ان هذا الاتجاه سيقود إلى إثارة غضب الشعب السوداني اولا ، وغالبية مكونات الحرية والتغيير التي ترغب في تضمن الفترة الانتقالية الي نهاياتها لتصفية نظام الاستبداد ،وكما قال رئيس الهيئة القيادية بقوي الاجماع الوطني الاستاذ فاروق ابوعيسي ان الفترة الانتقالية يجب ان تخصص لتصفية نظام تمكين الاسلاميين ، من جانبنا نري ان الدعوي لانتخابات مبكرة قد تؤدي إلى انسحاب اطراف رئيسية من المفاوضات الجارية مع الحكومة بحاضرة جنوب السودان، والتي تهدف إلى التوصل إلى حل تفاوضي للمأزق السياسي الراهن في السودان، الذي فشلت فيه كل النخب التي حكمت في إحترام التعدد واتنوع وهنا يمكن ان نقراء حديث دكتور حيدر ابراهيم في سمنار العنصرية الذي نظمه المركز الاقليمي للتدريب وتنمية المجتمع المدني مكاتبه بالعمارات الاثنين الماضي بقوله ان الدولة التقليدية عمقت مشكلة الهامش وذلك من خلال اعلائها للعروبة والسلام علي حساب الثقافات الاخري،ومعلوم ان المواقف التفاوضية بين الحكومة والحركة الشعبية شمال قد تباعدت في قضيتي اعلمانية والحكم اللامركزي الذي طالبت به الاخيرة.
المستقبل الي اين:
لمعرفة مستقبل هذا التحالف لابد من معرفة الفاعليين الرئيسين في هذا التحالف وتتبع مسارات مكوناته وتفكيكها وهم: تجمع المهنيين ، وتجمع الاتحادي المعارض وقوي الاجماع الوطني ،ونداء السودان، والذي يضم الجبهة الثورية والحركات المسلحة، وتجمع القوي المدنية ،معلوم ان تجمع المهنيين جسم نقابي قاد الثورة والان تراجع دوره ،وسبق ،وان أعلن التجمع عبر صفحته على الفيس بوك أنه لا يريد المشاركة،والتمثيل في أي حكومة وسيكتفي بالمراقبة فقط. عمليا نري ان التجمع لم يلتزم بذلك، بغض النظر عن صحة قرار التجمع بعدم المشاركة او عدم صحته نري ان سيكون مصيره التلاشي وذلك لضعف العمل النقابي لتطاول الاستبداد وغياب الممارسة الديمقراطية ،وغياب التدريب وتداخل المهني مع السياسي ، وهناك عامل اخر مهم جدا وهو التشريع القانوني الذي قاد الي تعديل في التشريع النقابي ، وهو ما هدف إلى إضعاف الحركة النقابية وضرب وحدتها في الصميم، وهذا هو أبرز تحديات العمل النقابي.
التسييس والمهنية:
إن التحدي الآخر البارز هو طبيعة العلاقة بين الحركة النقابية وبين مكونات المشهد السياسي والمطالب السياسية، ففي ظل رمال متحركة ومياه جارية وظروف متقلبة ومتغيرات سياسية تضرب مختلف الأحزاب والمجتمع المدني، في ظل ذلك إلى أي حد تستطيع الحركة النقابية، أن تسير على طريق محايد، وفي نفس الوقت متعاطف مع مطالب الديمقراطية والإصلاح السياسي، ولكن دون تضحية بالعلاقة التي يجب أن تستمر بين الحركة النقابية وطرفي الانتاج، مثلا لاحظنا في بعض المكونات هناك أجسام دمغها النظام البائد بأنها صنيعة حزب محدد، والشاهد هنا تجمع المهنيين الذي قاد الثورة حيث ظلت ابواق النظام تصف قياداته بأنهم علي سلطة تنظيمية بالحزب الشيوعي وكذلك شبكة الصحفيين السودانيين احد الكيانات المؤسسةلتجمع المهنيين، وكذلك تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل ،والمهندسيين والاطباء.
النقابات ضحايا الانقلابات:
في كل تغيير سياسي ألمّ بالسودان كانت نقابات العمال أولى ضحاياه حلا أو تجميدا، شأنها شأن الأحزاب السياسية ، فالحركة النقابية في هذا البلد ضاربة في القدم وشديدة التأثير، وفي بدايات حكم نظام الجبهة السلامية التي استولت على الحكم عبر انقلاب عسكري قاده الرئيس المعزول عمر البشير في يونيو 1989- أنتبهت إلى خطورة النقابات، فعمد النظام البائد إلى حل النقابات قبل أن توحدها تحت راية الاتحاد العام لنقابات عمال السودان، وجاء هذا التدبير الماكر بتاج السر عبدون أول رئيس للحركة النقابية الموحدة تحت مسمى اتحاد عمال السودان لدورتين من العام 1992 إلى العام2001م ،وتوالي جميع الاتحادات المهنية النظام المخلوع،ووفقا لتعديل قانون النقابات عام 2010 تعدلت لائحة البنيان النقابي لتصبح النقابات العامة 16 نقابة عامة حتى قيام الانتخابات النقابية عام 2011م وابتعدت هذه النقابات خلال حقبة حكم المخلوع -التي امتدت لثلاثين عاما- عن الشأن السياسي، عدا إضرابات محدودة -غالبها في الولايات- بسبب تأخر رواتب أو مستحقات مالية،وتسببت موالاة النقابات والاتحادات المهنية للنظام المدحورفي قيام كيانات موازية ذات صبغة معارضة، مثل لجنة أطباء السودان ولجنة المعلمين وشبكة الصحفيين، وهي التي شكلت لاحقا تجمع المهنيين السودانيين الذي تبنى الاحتجاجات المطالبة بتنحي البشير،ويشهد تاريخ السودان ان الانقلابات العسكرية كانت دائما ما تستهدف النقابات وحلها والنموزج هنا ،نظامي مايو بقيادة جعفر نميري ويونيو برئاسة المدحور حلا النقابات، ومن ضمنها نقابة المحامين في مايو 1969 وفي يونيو 1989، مما أضر السودان بفقدان مقاعده في اتحادات المحامين الإقليمية والدولية.
اضراب العمال والمزارعيين:
الجدير بالذكر ان النشاط العمالي بالسودان بداء في حقبة الاستعمار عام 1908 بأول إضراب لعمال مناشير الغابات للمطالبة بتحسين بيئة العمل وظروفها، ثم تدرج وصولا إلى العام 1947 حيث كانت الشرارة بهيئة شؤون العمال في السكة الحديدية،وبعدها تم الضغط على المستعمر ليعترف بحق التنظيم النقابي ويصدر أول قانون للعمل والعمال عام 1948، ولائحة تسجيل النقابات لنفس العام، وبذلك اكتسبت الحركة النقابية السودانية شرعيتها واستمدت قوتها لينشأ أول مؤتمر عمالي يوم 18 مايو 1949م ، كما نفذ المزارعيين تحت القيادة التاريخية لشيخ الامين محمد الأمين أول رئيس لحركة المزارعين، والشيخ يوسف أحمد المصطفى أول سكرتير مطالبين بحل هيئة شئون المزارعين التي كانت تخدم مصالح الشركة الزراعية ومديرها مستر سميث ولا تعبر عن المزارعين عقب الاضراب الشهير عن زراعة القطن في العام (1948) ثم نفذوا إعتصام ميدان عبد المنعم باخرطوم في العام 1953م والذي إحتفل به تحالف مزارعي الجزيرة والمناقل الشهر الماضي، وكرم من خلاله الرعيل الاول من حركة المزارعيين.
تحديات كبيرة:
معلوم إن الحركة النقابية باعتبارها حركة نضال اقتصادي اجتماعي تختلف عن التجمعات السياسية أو منظمات المجتمع المدني والحقوقي، فالنضال الاقتصادي الاجتماعي قائم على الحفاظ على المكاسب، إن كانت موجودة، وزيادتها وإضافة الجديد منها،أما السبب الآخر لهذا السؤال الذي يقف شاهرا نفسه أمام أية حركة نقابية هو أن الحركات النقابية بطبيعتها تضم مختلف الأطياف، والمكونات الاثنية والاجتماعية، وهو ما يجعل الحركة تسائل نفسها بأية درجة ستكون ممثلة تمثيلا حقيقيا لنبض أعضاءها وقواعدها العمالية فيما لو انخرطت كليا في الحراك الشعبي، والذي قد يغلب عليه مكون معين، سواء فيما يطرحه من مطالب إصلاحية، أو تغييرية، أو لجهة الانتماءات الاثنية والاجتماعية للقائمين على هذا الحراك؟ولهذا لاحظنا أنه طوا عمر احتجاجات السودانيين فإن الحركة النقابية تأخر انخراطها في هذه التحركات بل إنها كانت مساندة الانقاذ حتي سقوطها بالتغيير المحتوم؟صحيح ان النظام سقط لكن نقاباته مازالت موجودة وهذه تحديات كبيرة.
نداء السودان :
أما نداء السودان فقد أعلن الإمام الصادق المهدي، رئيس حزب الامة القومي استقالته من رئاسة تحالف نداء السودان، وقال المهدي في خطاب استقالته في سبتمبر الماضي إن المرحلة الحالية تتطلب مراجعات للمواقف بما في ذلك هيكلة نداء السودان وتحالفاته مع القوى الوطنية الأخرى، استقالة المهدي سبقتها تسريبات عن وجود خلافات داخل نداء السودان الذي تصفه بعض مكونات الحرية والتغيير انه سبب كل المشاكل في الحاضنة السياسية للثورة ،أما حركات النضال المسلح فهي ليست جسمًا واحداُ، وبينها تباينات أحيانا تكون مكتومة وأحيانا تظهر الي السطح، وكما كتب الاستاذ الصادق الشعراني انه في ظل السِياق الثوري عموماً رُبما لا يضع هذه الحركات في المقدمة، وذلك لطبيعة وسيلتها في التغيير في مُقابل الوسائل الشعبية التي أثبتت نجاعتها، وبالتالي في هذه المرحلة ربما لا يكون صوتها عاليا ،ومؤثرا في خِضم الزخم الثوري، خصوصا وأن خُصومها التقليديين قد ذهبوا. ومضي الشعراني بالقول الي ان أول ما يمكن تلمُسه من مواقف هذه الكتل أن إستراتيجتها في إدارة التغير ليست واحِدة، فتحالف نداء السودان ينتهج سياسة براغماتية تعمد الي تحصيل المكاسب المُتاحة، والبحث عن المزي، وإستراتيجية قوى الإجماع تكمن في التعويل على الشارع المنتفض، وإنتزاع المكاسب دفعة واحدة. وبالتالي يُمكنني أن أزعم أن هذا التحالف الضخم غير مُنسجم وأن هناك تباين واضح بين مكوناته يظهر بوضُوح من خلال مواقف نداء السودان من جهة وقوى الإجماع الوطني من جهة أخرى. ولهذا الزَعم ما يدعمُه من المؤشرات والمواقف التي طفت على السطح.
مؤشرات:
(1)البداية الفعلية التي بدأت تطفو على السطح كانت في في يوم السبت 13 أبريل عندما أصدر الحزب الشيوعي بيان إتهم فيه بعض قوي التحالف بتغييب عضوي تحالف قوى الإجماع قصداً وعمداُ.
(2)في 29 أبريل 2019م وبين ثنايا الاتفاق الوشيك بين المجلس العسكري وقوى التغيير أصدر الحزب الشيوعي “منفردا” ” بيان قطع فيه الطريق على الإتفاق ودعا إلى تصعيد العمل الثوري.
(3)في 5 مايو 2019م أصدر تجمع المهنيين بيان اعتذر فيه عن فوضى البيانات التي تخرج من هنا وهناك بإعتباره الخيط الناظم لقوى إعلان التغيير.
(4)وفي 28 مايو 2019 أصدر حزب الأمة وهو العضو المؤثر والفاعل في تحالف نداء السودان بياناً ربما يمكن وصفة بأنه “براغماتي” يدعو للأخذ بالمكاسب المحققة والبناء عليها.
(5)إن عدم التوافق على إستراتيجية واضحة داخل هذا التآلف يُعتبر من أكبر مهددات وجوده في نظري، فضلاً عن ترهله الكبير الذي يعيق حركته السياسية ويؤخر عمليات إتخاذ القرار.
(6)إذن نستطيع أن نلحظ أن هنالك تياران داخل هذا التحالف أحدهما ذو توجهات سياسية براغماتيه يقوده حزب الأمة والمؤتمر السوداني أو نداء السودان عموماً، وتوجه ثوري يقوده الحِزب الشيوعي عبر تحالف قُوى الإجماع الوطني .
(7)اعتماد أي من الاتجاهين، هو ما سيُعبر عن إستراتيجية التحالف ككل في التعامل مع شريِكه العسكري وتكريس هذه الشراكة أم فضها، وذلك ربما يتم عبر إعاده تعريف العلاقة بين الشركاء الجُدد وصياغتها بحيث يمكن إعتبارهم منظومة واحدة تجمعها نفس المصالح وتحيقُ بها نفس الأخطار.
(8)وفي حال اختيار التشاكس بين تياريي قوى التغيير هنالك مخاطِر حقيقية تُهدد تماسُك هذا التحالف وشراكاته. وفي هذه الحالة ربما ترث قوي نداء السودان مخرجات إتفاق أغسطس والسير بها مع العسكريين تحت مظلة الإستقرار.
سيناريوهات المستقبل
بعد التوقيع النهائي على الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية في 17 أغسطس 2019 إنتقلت العلاقة بين قوى التغيير والمجلس العسكري الانتقالي بالفعل لمربع الشراكة وبالتالي إعادة تموضع كل الفاعلين الأساسيين في المشهد السياسي حيث :عاد تجمُع المِهنيين إلى دوره الرقابي والنقابي بحسب الوعود التي قطعها للجماهير بعدم مشاركته في السلطة الانتقالية،الفعل الآخر اللافت هو مُغاضبة الجبهة الثورية ورفضِها الاتفاق النهائي، في ظل عدم تضمِين مخرجات اجتماعاتها مع قوى التغيير في أديس أبابا في هذا الشهر، وهو ما ترتب عليه عدم حضورها ومشاركتها في حفل التوقيع المشهود أفريقياً وعربياً.اقتصادياً نجاح قوى التغيير رهين بمدى نجاحاتها في معالجة الوضع الاقتصادي المتأزم، وهو أحد العوامل الكفيلة بتحقيق إستقرار للفترة الإنتقالية وزيادة رصيدها الجماهيري حتي الوصول للإنتخابات بعد ثلاثة سنوات. ايضا هناك لاعب مهم وهو خارج قوي الحرية والتغيير وهي الحركة الشعبية شمال التي أحدثت وزيارة حمدوك الي معقلها الحصين في كاودا حدثا فريدا وحصدت من خلالها الحكومة مكاسب عديدة.وتأسيسا على ما سبق يُمكننا أن نتكهن بمستقبل قوي التغيير في واحدة من ثلاثة مسارات:
المسار الأول: الذهاب إلى الاتفاق مع الجبهة الثورية وإدخالها في الحكومة والمجلس التشريعي بإتفاق سلام شامل يعطي ضمانات أكثر لتحقيق إستقرار سياسي وأمني لفترة الإنتقال، لكن هذا الاتفاق لن يجد القبول وذلك لتقسيم المحادثات الي مسارات مثلا :الشرق وما يحدث فيه من مشاكل ومقاطعة ورفضه له وكذلك مسار الوسط اذي يشهد عدم رضا وتململ واسع ربما ينفجر حا توقيعه وسريان تنفيذه اما الشمال ايضا فقد تم رصد بيانات عديدة ترفض ذلك الاتجاه وما يحدث من توقيعات لمسار الوسط تنطبق علي مسار الشمال ايضا اما دارفور سيتم توقيع اتفاق سلام لكنه يكون ناقص لعدم التحاق عبد اواحد محمد نور وبالنظر لجميع المسارات فإننا نري ان المشاركة في السلطة ستكون ضعيفة لرفاق النضال المسلح وهو ما قد يفجر خلافات بينهما من جهة ومع الحكومة من جهة اخري ومع بقية مكونات قوي الحرية والتغيير من جهة ثالثة وفي الاخيرة يمكن الرجوع لسلسلة التصريحات الحادة التي شنها مناوي والتوم هجو،عموما ان تجارب التحالفات السياسيةفي السودان كانت تجارب غنية ومتعددة واخرها التجمع الوطني الديمقراطي يجب ان ناخذ منها العبر والدروس.
المسار الثاني: وهو في حال اهتزاز الثقة بين العسكريين وقُوى التغيير سينعكس ذلك على تماسك التحالف الهش أصلا، مما يُهدد بفض الشراكة، مع ترجيح بقاء الأحزاب التي تنتهج السياسة البراجماتية لإكمال الطريق الإنتقالي مع العسكريين. ربما يفضي ذلك إلى الوصول لانتخابات مُبكرة التي ترفضها قطاعات كبيرة.
المسار الثالث :يمكن قراءته علي ضوء تطورات المشهد السياسي عقب تمرد هيئة العمليات بجهاز الامن امس وحديث النائب الاول لرئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان حميدتي حيث وصف في مؤتمر صحفي بجوبا امس بشان توضيح الحقائق بان ما حدث مخطط للفتنة مدروس يقف وراءه صلاح قوش غبر ضباط في الخدمة والمعاش ضمن مخطط الزحف الاخضر في مدني والمزمع يوم 18 الحالي بالفولة ويوم 26 بالخرطوم. هذا المسار يشير الي مضي المجلس السيادي بنافذتيه العسكري والمدني سيمضي الي التوصل الي سلام عاجل لكننا ندعو عبر هذا المسار وهو الراجح علي الحكومة وضع استراتيجية للسلام ومعالجة تداعياته التي اشرنا لها مسبقا ونتوقع ان تصل الحكومة في محادثاتها مع الحركة الشعبية شمال الي توافق حول موضوع العلمانية التي تحسم موضوع التنوع والتعدد في السودان.لكن العقبة التي تعرقل هذا المسار حال وقوعه هي الوثيقة الدستورية التي تعتبر الحركة اشعبية ليست طرفا فيها لكنها قبتها علي سلبياتها وطابت بإصلاحهها وتضمين موضوعات علاقة الدين بالدولة والحكم اللامركزي وغيرها من الموضوعات كما تري الحركة الشعبية ايضا ان ترحيل القضايا التي تطالب بها وتساندها قوي سياسية اخري الي المؤتمر الدستوري ترفض ذلك وكما قال رئيس الحركة الشعبية بالداخل الدكتور محمد يوسف احمد المصطفي ان المؤتمر الوطني صنع له (80) حزبا بماكينته (رب رب) لخدمة أهدافه واقترح يوسف المفاوضات كمنبر للمؤتمر الدستوري ،أيضا نري ان الوثيقة الدستورية ، قد لا تُؤمن إنتقال سياسي آمن ومستقر، نظراً لتجاهلها مطلوبات الجبهة الثورية في تضمين إتفاقها في الوثيقة النهائية الأمر الذي يُعتبر أيضا من مُهددات فترة الإنتقال السياسي ومهددات قوي التغيير نفسها لأن الجبهة الثورية جزء من تحالف التغيير الأساسية.
ختاما:نخلص الي أن قوي الحرية والتغيير بأسلوب تفكيرها ومصالحها وارتباطات بعضها المحلية والإقليمية والدولية وبطريقة هيكلتها الحالية تواجه إشكاليات أساسية لا يمكن التغاضي عنها وهي: إن خلافات هذه المكونات مع بعضها البعض أكبر من خلافاتها – أحيانا – مع النظام الذي ثارت ضده، وهي إشكالية نري انها وقعت فيها كل فصائل معارضة ما بعد الربيع العربي. الامر الاخر والمقلق هو أنه لا توجد خارطة طريق واضحة ومحددة يمكن أن تطمئن الشعب أولا، وأصدقاء السودان المخلصين ثانيا، حول كيفية إعادة بناء نظام ما بعد المدحور والدليل موازنة 2020م ،والدعوة لعقد مؤتمر اقتصادي وكذلك السياسات الاسعافية وبعدها الاحتياجات العاجلة،بالاضافة الي تعرض بعض مكونات الحرية والتغيير لضغوط القوى الإقليمية المختلفة والتي قررت ممارسة صراعاتها ومشاكلها من خلال هذه الفصائل، مما يزيد من حالة الانقسام والتشرذم السياسي، اخيرا ما يتمناه الشعب من خلال ثورته ،وشعاره (حنبنيهو) هو النجاح في بناء سودان جديد ،ودولة مدنية مستقلة بعيدة عن الهيمنة أو السيطرة الإقليمية أو الدولية.عموما..إن أبسط ما يمكن أن يقال في هذا المقام إن قيادة الثورة تحتاج إلى شخصيات ثورية وإلى منطق ثوري ،لإن الحقيقة التي يجب أن تقطع قول كل خطيب هي أن شعبنا الذي خاض ثورة باهرة لم يشهد العالم لها مثيل في جسارة (الشفاتا والكنداكات) ،وصمود شعب في وجه الانتهاك والقتل والتشريد والاعتقال تحتاج الي تحقيق أهدافها بدقة.
حسين سعد