مقالات وآراء سياسية

محاولة لفهم ما حدث!

عبدالمنعم عثمان

قال الفريق أول حميدتى : كويس ان الجماعه استعجلوا…!وهو حديث بسيط ويعنى الكثير ، خصوصا ان مصدره شخص يمسك بالكثير من قرون السلطة . فالحديث يعنى انهم، فى السلطة ، او على الأقل فى الجانب العسكرى منها، كانوا يتوقعون حدوثه ولكن ليس بهذه السرعه . والشئ الاخر هو الحديث عن ” الجماعة ” وليس غير جماعة النظام السابق من له مصلحة فى حدوث ماحدث . فاذا اتفقنا ان هذه بعض دلالات ماقاله نائب الرئيس ، فلابد من الأتفاق ايضا على أنه يثير عددا من الأسئلة الأساسية :

اليست الأحداث التى تواترت فى الأيام الأخيره من قبل ذيول النظام فى الخرطوم والجنينه وبورتسودان ومدنى ، أليست مؤشرا لكل ذى عينين من خارج السلطة على انها مقدمة لما حدث ؟

ألم تكن القرارات والأعمال التى تمت عند الصحوة الأخيرة للسلطة ، ومن أمثلتها محاكمة أمنجية قتل احمد خير بألأعدام وقانون تفكيك الحزب الوطنى وتوابعه ،ثم قانون أعادة مؤسسات السلطة القضائية ومراجعة القوانين ، وأيضا حلقات قناة العربيه التى كثفت الأدله على ماكانت تنكره الجماعة ليل نهار ، ألم تكن تلك القرارات والأعمال واثرها المتوقع على القابعين فى كوبر والمنتظرين لقرارات النائب العام الشجاع ، ألم تكن كافيه لدفع الجماعة للأستعجال قبل فوات الأوان بصورة نهائية ؟!

أليس غريبا بعد كل هذا وغيره من الدوافع والأسباب أن نصر على أعادة الهيكله وليس حل مؤسسة من المؤكد أن كل من فيها من الضباط الكبار والصغار والجنود والمتعاونين من الفنانين والأفندية وآكلى العيش على صعوبته ، كلهم مختارون بعناية لينفذوا أوامر القتل والسحل والأغتصاب من غير تردد بسبب الأقتناع الأيديولوجى أو الجيبى ؟ والا سبيل لمثل هؤلاء ان يتحولوا الى اشخاص يجمعون المعلومات لمصلحة الوطن فحسب ؟!

وأليس ممعنا فى الغرابة أن نعين بديلا لأدارة مؤسسة الأمن بعد تعديل مهامها لشخص أقل ما يقال عنه انه كان من المسئولين الكبار فى عهد من ثبت انهم وراء الأحداث ؟ وأن نعهد اليه قبل نصف عام باعادة الهيكله ، ثم لانساله الى اين وصل الأمر ؟

وأليس غريبا أن نترك الذين اختاروا الخروج من الخدمة بكامل زيهم العسكرى وسلاحهم مع حقهم فى التواجد داخل المقرات ليدبروا مع الآخرين ماكان من الممكن ان يعيدنا الى خانة الصفر؟ وقد برهن سير الاحداث ان الهدف النهائى لاعلاقة له بمازعم من مطالبة بتحسين فوائد مابعد الخدمة “الجليلة !” فمثل هذه المطالب لم تكن تحتاج لأستخدام السلاح فى اربع أو خمس مناطق داخل وخارج العاصمة ولا بالطبع لمحاولة أخراج سجناء كوبر ولا التمسك بالموقف لحد مجابهة الجيش بسلاحه الثقيل .

ويبدو أيضا ان استعجال الأحداث كان بسبب ماظنوه من ظروف سياسية مناسبة تتمثل فى :

تدهور الأحوال المعيشية  للمواطنين فى عدة مجالات ، مع عدم وجود أشارات الى حلول قريبة وممكنة . فمثلا : انتظر الناس البشائر التى وعد بها وزير المالية لتتمخض عن محاولة لرفع الدعم مع الوعدبدعم نقدى وزيادة فى المرتبات لن تغنى من جوع لكونها حلول تقليدية لاتشبه الثورة وهى ايضا حلول مجربة فى السودان وغيره من البلدان التى تلتزم طريق صندوق النقد الدولى وقد برهنت فى جميع الأحوال على فشلها . كما ان تطبيقها بالحرف فى السودان بواسطة حكومات الأنقاذ كان أحد أسباب الثورة ! وقد اشار الكثيرون من الكتاب المحسوبين على النظام السابق الى هذا الأمر كأحد الأسباب التى يأملون فى تحرك الشارع بسببها .

وأيضا مابدا من تفكك فى أوصال قحت وشبه أختفاء لجماعة المهنيين . وهو أمر توقعناه من قبل ولكن ليشمل الذين أنضموا فى اللحظات الأخيرة الى فكرة الثورة كمنهج وحيد لأزالة النظام ، ثم اتجهوا بعد انتصارها لمحاولة الرجوع الى منهج الهبوط الناعم وخصوصا عند توقف قطار الثورة عند محطة الحكم العسكرى \المدنى المشترك . غير ان الأمور تصاعدت لحد الاختلاف بين مكونات قوى الأجماع التى ظننا ان تماسكها سيزداد طلبا لأستكمال أهداف الثورة ، وبدلا عن ذلك ابتعد أحد مكوناتها الأساسية عن مؤسسات الفترة الأنتقالية وركزت بعض القوى الأخرى على ماينفع المجموعة .

كذلك رأى المستعجلون ، وعن حق ، فى بعض المواقف الأقليمية المسنودة دوليا  ، انها قد تساعد فى أضعاف السلطة الحاكمة . من هذه المواقف ، مثلا ، موقف الحكومة الأمريكية من قضية ازالة أسم السودان – الجديد- من قائمة رعاة الأرهاب . وهو موقف لااجد له تفسيرا غير أنه يدل على عدم رضا ترامب شخصيا عن السلطة الحالية ، التى حرمت امريكا من معلومات استخبارية متدفقة ومفيدة فى نفس قضية الأرهاب ، بالاضافة الى مساعدة موقف بعض الدول الاقليمية ، التى بلغ عدم رضائها عن الثورة وسلطتها درجة العمل على اجهاضها .

ولكن ، وبالرغم من كل هذه العناصر التى ظن المستعجلون انها ستساعدهم فى اجهاض الثورة ، او على الأقل ارجاعها خطوات الى الخلف ، الا أن الموقف الثابت لحماة الثورة من الشباب والنساء والمؤمنين تماما بالثورة وضرورة استكمال مهامها هى التى منعت ذلك . صحيح ان القوات المسلحة بمافيها الدعم السريع قد قامت بالعمل المباشر ، الا ان دافعها لذلك هو ما يرونه من صمود اولئك الحماة وكذلك تأكدهم من ان الموقف الذى عبروا عنه فى عديد المرات لن يسمح بموقف للقوات المسلحة ولغيرها ضد الثورة . وقد ظهر ذلك فى ما أدلى به بعض الشباب الذين خرجوا برغم نداء المهنيين ووقفوا فى مناطق الخطر ليعبروا عن اصرارهم على حماية الثورة . والحقيقة ان هناك الكثير من الأدلة على وقوف الغالبية العظمى من جماهير الشعب مع حكومة الثورة برغم المعاناة . فمنذ مجيئي للبلد من حوالى شهرين لم اسمع أحدا ألا وهو يسب النظام القديم ويدعو لاستحالة عودته . وقد حكت لى أحد قريباتى ان أحد أصحاب الأفران خاطب صف من النساء عن حال المدنية التى ثاروا من اجلها وهى لم تستطع حتى توفير الرغيف ، فكان رد كل من فى الصف : نجوع ولانقبل بعودة الكيزان !!!

وبعد : ألم يحن لحكومة الثورة ان تسرع الخطى فى انجاذ بعض القضايا الهامة والتى أثبتت هذه الأحداث ضرورتها :

تصفية المؤسسات من جميع الذين شاركوا فى تثبيت أركان النظام البائد ، ولعل ماجاء فى اسرار العربية ما يساعد فى تحديدهم وتحديد التهم الموجهة اليهم .

التعجيل بعقد المؤتمر الأقتصادى للتركيز على ايجاد حلول محلية للأزمة الأقتصادية. ولعله من الغرائب ان تعتمد ميزانية مابعد الثورة على أكثر من نصف عائداتها على دعم موعود من جهات اقليمية ودولية لاتمنح الا بمقابل قد يتعدى الشروط المادية الى سياسية .

مراجعة العلاقة بين المكونين العسكرى والمدنى بشكل يسمح لمجلس الوزراء المشاركة فى اعادة هيكلة المؤسسات ذات الطابع العسكرى

التعجيل بتعيين عضوية المجلس التشريعى والولاة المدنيين .

 

عبدالمنعم عثمان

 

تعليق واحد

  1. شكرا صديقنا الدكتور منعم عثمان على المقال

    ومن أجل توسيع الحوار وترسيخ القضايا الأساسية للثورة اسمح لي بوضع هذه المداخلة:

    https://www.facebook.com/611129275712605/posts/1514436078715249?sfns=mo
    ( بيان من مركز دراسات التأويل حول أحداث الخرطوم الأخيرة بتاريخ ١٤ يناير 2020 )
    المرجو الاستماع إليه .. فهو مهم جدا…
    تجدون فيه تلخيص لمجمل الحراك الثوري منذ البداية , مرورا بكل تلك الأحداث , ذات الأثر البالغ فيما نحن فيه الآن .., وإلى أين تؤول تلك المخططات العديدة والمؤامرات الكيزانية الشيطانية بالبلاد.
    وما هو واجبنا تجاه هذه الثورة السلمية الفريدة , كي تسترد وتحقق ثالوثها العظيم ( حرية سلام عدالة ) ؟؟؟
    ثورة الوعي مستمرة
    وما لها من زوال,,,
    ابوبكر حسن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..